الأذرّة المعدنية / منقول جمال حماد المقيد
_____________________
تُطلق عبارة تعدين الأذرّة المعدنية Powder metallurgy على مجمل العمليات التقنية التي يتم بموجبها الحصول على أذرة أو مساحيق معدنية, ثم الاستفادة من هذه الأذرة أو خلائطها, أو خلائط لأذرة معدنية مع أذرة أو مواد غير معدنية, أو شبه معدنية, وذلك بتشكيلها ومعالجتها للحصول منها مباشرة على قطع جاهزة أو نصف جاهزة للاستعمال من دون اللجوء إِلى تقنيات التعدين المألوفة مثل الصهر والسكب وما يعقبها من عمليات التشكيل والتشغيل.
يعود تاريخ تعدين الأذرة أو المساحيق إِلى نحو 3000 سنة قبل الميلاد, عندما ابتكر قدماء المصريين طرائق من هذا القبيل لتصنيع بعض الأدوات والأسلحة التي كانوا يستعملونها. غير أن التطور الفعلي في هذا المجال لم يتحقق إِلاّ في مطلع القرن التاسع عشر, عندما أدت تجارب وليم هايد وُلاستون William Hyde Wollaston إِلى الحصول على البلاتين الصلب, فكان ذلك بداية استخدام طرائق جديدة للحصول على قطع معدنية صلبة من الأذرة المعدنية, تطورت مع الزمن, وازدادت سرعة تطورها في منتصف القرن العشرين مع زيادة متطلبات الصناعة الحديثة, حتى غدت الآن من التقنيات المهمة في صناعة الكثير من القطع التي يستحيل أحياناً, أو يكون من الصعب وغير الاقتصادي أحياناً أخرى, الحصول عليها بطرائق التعدين المعروفة, كالحصول على قطع ذات مسامية عالية ومتجانسة التوزيع في جسم القطعة, أو صناعة خليطة من معدنين أو أكثر من المعادن غير القابلة للامتزاج وتشكيل محاليل سائلة أو صلبة, مثل الفضة والتنغستن اللذين تصنع منهما خليطة تستخدم في صناعة قطع التماس في القاطعات الكهربائية المعرضة لأحمال كبيرة, أو لصنع خليطة من مواد معدنية مع مواد غير معدنية, مثل الأمينت asbestos والميكا وبعض الأكاسيد, لصنع مواد احتكاكية ذات عوامل احتكاك كبيرة لاستعمالها في صنع أقراص الفصل والوصل في أجهزة نقل الحركة cluch- discs ونعال شكائم الكبح brake shoes المستعملة في وسائط النقل, كما استطاعت التقنيات الحديثة حل مشكلة تصنيع القطع والمواد الكبيرة المقاومة للحرارة من معادن أو خلائط أو مركبات معدنية عالية درجات الانصهار تزيد على 2000 درجة مئوية, ولا غنى عنها في تصنيع بعض القطع اللازمة في صناعة العنفات وبعض تجهيزات المفاعلات الذرية وغيرها.
طرائق الحصول على الأذرة المعدنية
تختلف الطرائق المتبعة في الحصول على الأذرة أو المساحيق باختلاف طبيعة المعدن وكيفية وجوده وطبيعة الأذرة المراد تحضيرها والخواص التي يجب أن تتوافر فيها, إِضافة إِلى خواص القطع التي ستنتج من هذه الأذرة. فالطرائق المتبعة قد تكون ميكانيكية أو فيزيائية أو كيمياوية.
الطرائق الميكانيكية:
وتتبع للحصول على مساحيق المعادن الهشة مثل بعض الخلائط الحديدية والحديد الصب الأبيض وأكاسيد المعادن وبعض الخلائط الخاصة, وتستعمل في هذا المجال الطواحين ذوات الكرات أو الطواحين الهزازة أو الطواحين الدوامية التي تحدث فيها دوامات هوائية تؤدي إِلى اصطدام حبيبات المادة بعضها ببعض وتطحن أو تسحق ذاتياً. ومن الطرائق الميكانيكية تلك التي يلجأ إِليها لتذرير المعدن المصهور أو تقطيعه على شكل قطرات في أثناء صبه في أحواض مائية ليتجمد على شكل حبيبات معدنية.
الطرائق الفيزيائية:
إِن أكثر الطرائق الفيزيائية شيوعاً للحصول على الأذرة المعدنية هي طريقة التحليل الكهربائي الذي يمكن أن يتم باستعمال المحاليل المائية لأملاح المعادن أو الأملاح المعدنية المصهورة لبعض المعادن النادرة. ويتم التحليل في حوض يحتوي محلولاً مائياً لأحد أملاح المعدن المراد تذريره, ويكون المصعد مصنوعاً من هذا المعدن. وبإِمرار التيار المناسب تبدأ ذرات المصعد بالتشرد في المحلول لتنتقل وتترسب على المهبط على شكل صفائح هشة سهلة التفتيت, أو على شكل حبيبات ناعمة يختلف حجمها باختلاف كثافة التيار الكهربائي المستخدم. ويمكن بالتحليل الكهربائي الحصول تقريباً على أذرة المعادن كافة. غير أن هذه الطريقة تقتصر على الحصول على الأذرة الضرورية في صنع بعض القطع التي تحتاج في تصنيعها إِلى أذرة نقية خالية من الشوائب لبعض المعادن كالنحاس والفضة والنيكل, أو في الحصول على أذرة بعض المعادن النادرة مثل الزركونيوم والثوريوم والتيتانيوم.
ويمكن الحصول على أذرة المعادن ذات درجات الانصهار المنخفضة بطريقة التكثيف, وذلك بصهر المعدن وتبخيره, ثم تمرير أبخرته على سطوح مبرَّدة, فتتكاثف على شكل حبيبات كروية ناعمة, ذات قابلية جيدة للتشكيل والتلبيد sintering.
الطرائق الكيمياوية:
وتضم مجموعة من الطرائق, منها ما هي كيمياوية فيزيائية أو كيمياوية ميكانيكية, ومنها ما هي كيمياوية صرف وأهمها:
1ـ الطريقة الكربونيلية:
تعتمد هذه الطريقة على كون الكثير من المعادن, وضمن شروط معينة, يمكن أن تتحد مع أول أكسيد الكربون مكونة مركباً كيمياوياً يسمى بالكربونيل
carbony1
Me(CO)n
D
Me + nCO
وهو مركب غير ثابت يمكن أن يتفكك بسهولة إِلى أول أكسيد الفحم والمعدن الصافي الذي يترسب على شكل حبيبات نقية, يمكن التحكم في حجومها عن طريق التحكم في شروط التفكك.
2ـ طريقة الهدرجة:
إِن أكثر المعادن إِذا ما سخنت إِلى درجة حرارة واقعة ما بين 300 و 800 درجة مئوية, تصبح ذات قابلية كبيرة للاتحاد مع الهدروجين لتكوّن مركباً يسمى هدريد المعدن, وهذا المركب هش, سهل التفتيت. وتتم العملية بتسخين المعدن (الذي يكون على شكل قطع صغيرة) إِلى درجة الحرارة اللازمة, ضمن جو من غاز الهدروجين ليتشكل هدريد المعدن, الذي يجرش ويطحن, ثم يعاد تسخينه من جديد في جو مفرغ من الهواء لتخليصه من الهدروجين. فيُحصل على حبيبات ناعمة من المعدن النقي, ذات قابلية للكبس والتلبيد.
3ـ طريقة الإِرجاع (الاختزال):
وهي أكثر طرائق الحصول على الأذرة شيوعاً لغزارة إِنتاجها وقلة تكاليفها إِذ يمكن بوساطتها الحصول على أذرة المعادن من أكاسيدها مباشرة, كما يمكن الاستفادة من مخلفات بعض العمليات التقنية, مثل قشور الصدأ الناتجة من تطريق المنتجات الحديدية وسحبها. ويتم الاختزال بوساطة مواد اختزال ذات قابلية كبيرة للتفاعل مع الأكسجين من المعدن المراد اختزاله, ويمكن أن تكون صلبة مثل الفحم والصوديوم والكلسيوم والمغنزيوم, أو غازية مثل الهدروجين و أول أكسيد الكربون وغاز النشادر.
4ـ طريقة الكربدة:
أي إِضافة الفحم إِلى أذرة المعدن عندما تكون الغاية هي الحصول على أذرة كربيد هذا المعدن بدلاً من أذرة المعدن الصافي, وتتم العملية في درجات حرارة مرتفعة وضمن جو خاص يقي الفحم من الاحتراق والمعدن من التأكسد. وكثيراً ما تدمج عمليتا الاختزال والكربدة في عملية واحدة ليتم الحصول على أذرة كربيد المعدن من أكاسيده مباشرة.
خواص الأذرة
يضاف إِلى الخواص الفيزيائية والكيمياوية لأذرة المعادن بعض الخواص التكنولوجية التي تُعد مهمة, لتأثيرها الكبير في العمليات التكنولوجية اللاحقة التي يتم بموجبها تصنيع القطع الجاهزة من هذه الأذرة, وأهم هذه الخواص مايلي:
الوزن النوعي: يحدد الوزن النوعي كثافة الأذرة, وحجم ما تشغله أذرة المعدن فعلاً من الحجم الكلي الذي تحتله, وثم حجم الفراغات المتكونة بين حبيبات المعدن, وتتعلق هذه الخاصة بخواص أخرى أهمها: حجم حبيبات الأذرة وتركيبها الحبيبي, وانتظام شكلها, ونعومة سطحها.
الانسيابية:
وهي قابلية حبيبات الأذرة لملء أجزاء القالب, ولهذه الخاصة أثر كبير في سرعة الكبس, ولاسيما عند التشكيل الآلي, وهي خاصة معقدة تتعلق بعدة عوامل منها: الوزن النوعي, والنسب المنخلية لحجوم الحبيبات (البنية الحبيبية), وأشكال الحبيبات ونعومة سطحها.
قابلية الكبس:
أي قابلية الأذرة للتشكل والاحتفاظ بالشكل والأبعاد الداخلية للقالب عندما تتعرض لقوة كبس ضاغطة خارجية. وتتعلق هذه الخاصة بالكثير من العوامل منها: شكل الحبيبات وحجمها وقساوتها وقابليتها للتشكيل اللدن وغيرها.
شكل حبيبات الأذرة:
تختلف أشكال الحبيبات باختلاف طبيعة المعدن وطريقة الحصول على أذرته, فيمكن للحبيبات أن تكون كروية أو بيضية أو متعددة السطوح أو قرصية أو إِبرية أو غصنية.
البنية الحبيبية للأذرة:
أي نسب الحجوم المختلفة للحبيبات, إِذ غالباً ماتكون حبيبات المسحوق الواحد غير متجانسة في حجومها. ويتم تحديد البنية الحبيبية بأخذ عينة (وزن محدد) من المسحوق وتحليلها منخلياً, بنخلها على سلسلة نظامية من المناخل المتدرجة في صغر فتحاتها, ثم حساب النسب المئوية للكميات المتقاربة في حجومها والمتبقية فوق كل من المناخل والمترسبة تحت المنخل الأخير, ويمكن أن يراوح حجم حبيبات الأذرة بين أقل من 0,5 مكرون و500 مكرون.
السطح النوعي للحبيبات:
وهو مجموع مساحات سطوح الحبيبات في واحدة الحجم أو واحدة الوزن ويتعلق هذا السطح بشكل الحبيبات وبنيتها الحبيبية.
تركيب الأذرة:
إِن الخليط الواحد من الأذرة المعدة للتصنيع, قد يكون أذرة لمعدن واحد, أو حاوياً بعض الشوائب, وقد يكون مؤلفاً من معدنين أو أكثر, أو من معدن مع مركبات معدنية أو مواد غير معدنية وذلك بحسب نوعية القطع المراد تصنيعها من هذه الأذرة.
العمليات التكنولوجية في صناعة منتجات الأذرة المعدنية
بعد الحصول على أذرة المعادن أو مساحيقها, تجرى عليها سلسلة من العمليات التقنية يتم بنتيجتها الحصول على قطع جاهزة أو نصف جاهزة للاستعمال في الصناعة, والتي غالباً ما تسمى بمنتجات الخزف المعدني. وأهم هذه العمليات مايلي:
تحضير الخليط:
وهي العملية الأساس في صناعة منتجات الأذرة المعدنية, ولها الأثر الكبير في منح المنتج خواصه النهائية وتختلف طرائق التحضير باختلاف طبيعة الأذرة ونوعية الشوائب الموجودة فيها والطرائق المتبعة في الحصول على الأذرة, ومدى التباين في الوزن بين مكونات الخليط عندما يُراد أن يكون الخليط مؤلفاً من مواد مختلفة, وغير ذلك من العوامل التي, بالإِضافة إِلى علاقتها بالخواص المطلوب توافرها في المنتج, تحدد نوع العمليات الأولية التي يجب إجراؤها وأهمها:
1ـ تنظيف الأذرة من الشوائب غير المرغوب فيها:
ويتم ذلك بطرائق تختلف باختلاف طبيعة هذه الشوائب وطبيعة المعدن الأساس, فقد تكون طرائق كيمياوية أو هدروميكانيكية أو مغنطيسية.
2ـ المعالجة الحرارية:
تجري في بعض الأحيان عملية تطرية أو تلدين لتخليص الأذرة من القساوة التي اكتسبتها من عمليات الطحن أو غيرها وذلك لتحسين قابلية الأذرة للكبس والتشكل اللدن.
3ـ التنسيق أو التصنيف الحبيبي:
أي فصل الحبيبات الخشنة عن الناعمة, أو بالأحرى فصل الحبيبات إِلى مجموعات بحسب حجومها, ثم إِعادة خلطها بتركيب حبيبي معين.
4ـ مزج الخليط:
وتستعمل لهذه الغاية خلاطات ذات أشكال مختلفة, الغاية من استعمالها توزيع الحبيبات توزيعاً منتظماً فيما بينها, ويكون الخلط جافاً أو رطباً, وتستعمل طريقة الخلط الرطب على نحو خاص في خلط الأذرة المركبة والحاوية أكثر من مكون واحد, ولاسيما عندما يكون التفاوت في الوزن النوعي بين مكونات الخليط كبيراً, ويستخدم للخلط الرطب كل من الغول (الكحول) والبنزين والماء المقطر والغليسرين وغيرها.
20060712-034540.jpg
الطرائق التكنولوجية المتبعة في تصنيع المنتجات من الأذرة المعدنية
التحبيب:
من أجل الحفاظ على تجانس الخليط وزيادة انسيابيته وقابليته للتشكل, يُلجأ إِلى تحبيب granulation الأذرة, وذلك بتكوين تجميعات وقتية الثبات مكونة من عدد كبير من الأذرة المتناهية في الصغر, ويستعان لهذه الغاية بمواد رابطة تساعد في الوقت نفسه على انزلاق الحبيبات بعضها على بعض عند عملية الكبس, ويمكن التخلص منها بسهولة عند عملية التلبيد من دون أن تترك أثراً ضاراً في المنتج. وأهم هذه المواد: البرافين والشمع والمطاط الصناعي والكافور وغيرها من بعض السوائل العضوية.
التكتيل:
تطلق كلمة التكتيل compacting على عمليات ضغط الحبيبات بعضها مع بعض لتكوين كتل صلبة متماسكة, وغالباً ما تتواكب هذه العملية مع إِعطاء الكتلة الصلبة الشكل النهائي للقطعة التي ستكون فيما بعد جاهزة للاستعمال, فتكون عملية التكتيل هذه أيضاً عملية تشكيل. وأكثر الطرائق اتباعاً لتحقيق الغايتين معاً, هي طرائق الكبس ضمن قوالب يتفق شكل الفراغ الداخلي فيها مع شكل القطعة المراد إِنتاجها, ويمكن أن يتم كبس الخليط من جهة واحدة أو من عدة جهات, وعندها يكون في المكبس أكثر من جزء واحد متحرك, كما يتوافر فيه إِمكان تطبيق ضغوط مختلفة على الأجزاء المختلفة للقطعة, ولاسيما في القطع ذات الأشكال المعقدة أو السماكات المتباينة. ويتم تماسك حبيبات الأذرة بالكبس من جرّاء تضييق الفراغات بين الحبيبات, وزيادة أسطح التلامس بينها وتداخلها الذي يسببه التشوه اللدن للحبيبات. والتشكيل بالكبس يمكن أن يكون كبساً حتى ضغط محدد أو كبساً حتى حجم محدد, وفي كلتا الحالتين يجب أن يتم تقدير كمية الخليط بدقة وإِلاّ فسوف يحصل تباين في المقاييس بين قطعة وأخرى في الحالة الأولى, وتباين في الكثافة في الحالة الثانية.
1ـ التكتيل بالكبس الهدروستاتي:
تستعمل هذه الطريقة للحصول على قطع نصف جاهزة, بسيطة الشكل وغير دقيقة الأبعاد, وذلك بوضع الكمية اللازمة من الأذرة ضمن غلاف مرن, ثم وضعها ضمن سائل يطبق عليه ضغط معين, فيكون تأثير هذا الضغط موزعاً على الغلاف الحاوي الأذرة من جوانبه كافة, ومن ميزات القطع المصنعة بهذه الطريقة, التجانس في الكثافة بين أجزاء القطعة.
2ـ التكتيل بالتطريق والسحب على البارد:
تتبع هذه الطريقة لإِنتاج القضبان والشرائط والصفائح, وذلك بتقديم الأذرة باستمرار بين أسطوانتين متوازيتين أفقياً, تحتويان أثلاماً تعطي المنتج شكله المطلوب.
3ـ التكتيل بالتطريق والسحب على الساخن:
وتتبع هذه الطرائق عندما يراد الحصول على قطع نصف جاهزة ذات كثافة عالية. ويتم ذلك بوضع الخليط من المساحيق أو الأذرة في وعاء مرن محكم الإِغلاق, وتسخينه إِلى درجة حرارة أعلى من درجة حرارة التلبيد, ثم تعريضه للتطريق والسحب مع الوعاء المحتوي عليه.
4ـ الصب الانزلاقي:
وهي طريقة حديثة تتبع في تشكيل بعض القطع ذات الأشكال المعقدة ومن أذرة فائقة النعومة, إِذ تضاف الأذرة إِلى سائل ما لتشكيل محلول مغلّق suspension, ثم يصب المحلول في قالب مساميّ من الفخار أو الجبس فيتسرب السائل من خلال المسام وتتكاثف الأذرة ويتداخل بعضها مع بعض لتكون قطعة متماسكة, تجفف ثم تلبّد.
5ـ الكبس على الساخن:
إِن عمليات التكتيل والتشكيل والتلبيد يمكن اختصارها بعملية واحدة, وهي كبس الأذرة في قوالب التشكيل بعد تخسين هذه القوالب إِلى درجة حرارة عالية قد تزيد في بعض الأحيان على 1000 درجة مئوية, وذلك بحسب نوع الأذرة المستعملة. ومن حسنات هذه الطريقة, التوفير في الطاقة المستهلكة في الكبس لأن الأذرة, في درجات الحرارة المرتفعة هذه, تكون ذات لدونة كبيرة وقابلية جيدة للتشكيل. وتكون القطع المنتجة ذات كثافة عالية وخواص ميكانيكية جيدة, إِلا أن استخدام هذه الطريقة بقي محدوداً, لصعوبة تصنيع قوالب التشكيل, التي يجب أن تتحمل درجات الحرارة العالية من دون أن تتآكل أو تفقد خواصها الميكانيكية.
التلبيد:
بعد الانتهاء من التكتيل والتشكيل بالكبس تكون القطعة هشة, غير صالحة للاستخدام, تتفتت عند تعرضها لأي جهد خارجي. لذلك تجري لها عملية التلبيد لإِكسابها المتانة الكافية, والخواص الفيزيائية والكيمياوية اللازمة للاستخدام. والتلبيد تسخين القطعة أو المنتج إِلى درجة حرارة مرتفعة, تصل أحياناً إِلى 0.9 من درجة الانصهار المطلقة لمعدن الأذرة أو للمعدن الرئيسي في حال كون الأذرة مزيجاً من عدة مكونات.
وتعد عملية التلبيد من أكثر العمليات التكنولوجية أهمية, لتأثيرها المباشر في خواص القطعة المنتجة ومواصفاتها كافة ومدى صلاحها للاستعمال, وذلك لما تحدثه من تغيرات في بنية الأذرة. ومن أهم هذه التغيرات:
أ - تغيّر كمي وكيفي في سطوح الحبيبات وكيفية تلامسها وتداخل بعضها في بعض.
ب - التخلص من الإِجهادات الناجمة عن عملية التشكيل.
ج - إِعادة التبلور في حبيبات الأذرة ونمو البلورات, واختلاف النسبة بين حجم الفراغات المسامية والحجم الكلي للقطعة.
د - قد ينصهر واحد أو أكثر من مكونات المزيج المؤلَّف من أذرة أكثر من معدن واحد, والطور السائل الناتج قد يكون قابلاً للاندماج في بعض المكونات الصلبة على شكل محاليل صلبة, أو إِذابة بعضها في محلول سائل يتبلور فيما بعد إِلى محلول صلب أو إِلى عدة أطوار صلبة, وقد يقضي وجود الطور السائل على الفراغات المسامية كلياً أو جزئياً. وهكذا فإِن البنية الصلبة للمزيج قد تتغير كلياً, وتتغير تبعاً لذلك الخواص كافة. لهذا فإِن الحصول على البنية المطلوبة والخواص اللازمة, يتم عن طريق التحكم في العوامل الرئيسية المؤثرة في عملية التلبيد وهي درجة الحرارة التي يتم فيها التلبيد, وزمن إِبقاء المزيج في هذه الدرجة, والتركيب الغازي لجو الفرن.
منتجات تعدين الأذرة:
إِن المنتجات المصنوعة بطريقة تعدين الأذرة (منتجات الخزف المعدني), كثيرة ومتنوعة, ولا يتسع المجال لحصرها, غير أنه يمكن تصنيف أهمها وأكثرها استعمالاً في مجموعات, بحسب مواصفاتها الأساسية ومجالات استعمالها وذلك على النحو التالي:
1ـ القطع ذات المسامية العالية:
وتشمل الكثير من أنواع الحدبات cams وكراسي المحاور, في المحركات والمكنات التي تمتاز بعامل احتكاك صغير ومقاومة جيدة للتآكل, كما أن مساميتها العالية تسمح بتشريبها بالزيوت لتكون ذاتية التزليق أو بتسريب الغازات والسوائل إِليها لتستعمل في تصفية بعض السوائل من الشوائب العالقة بها. وأكثر المعادن والعناصر استعمالاً في هذا المجال مزيج الحديد والغرافيت, وخلائط البرونز المختلفة التي كثيراً ما يضاف إِليها الغرافيت أيضاً.
2ـ قطع الآلات وعناصرها:
إِن الكثير من عناصر الآلات يكون من الصعب تصنيعها بالطرائق العادية, أو إِن كثرة العمليات التكنولوجية التي يجب أن تخضع لها تجعلها باهظة التكاليف, فيكون تصنيعها بطرائق تعدين المساحيق أو الأذرة أيسر وأقل تكلفة, ومن هذه القطع بعض أقراص نقل الحركة ومسنناتها وموانع تسرب الزيوت في محركات الاحتراق الداخلي وغيرها.
3ـ المواد والقطع الاحتكاكية:
وهي مواد ذات عامل احتكاك كبير وتستطيع المحافظة عليه في درجات الحرارة المختلفة, قليلة التآكل وجيدة الناقلية للحرارة, وتصنع غالباً من أذرة معدنية تضاف إِليها مواد غير معدنية مثل الأمينت, وتستعمل في صناعة أقراص الفصل والوصل وشكائم كوابح وسائط النقل وغيرها.
4ـ أدوات القَطْع:
مثل بعض أدوات قطع المعادن المصنوعة من الكربيدات القاسية لبعض المعادن, وأحجار الجلخ المستعمل في تصنيعها مسحوق الألماس.
5ـ مواد الصناعات الكهربائية:
وهي كثيرة ومتنوعة, ومنها: القواطع, وفراشي تجميع التيار في المحركات والمولدات, والأسلاك المتوهجة في المصابيح والصمامات, ووشائع التسخين, والمواد المغنطيسية (العازلة والقاسية واللينة مغنطيسياً).
6ـ المواد الحرارية:
وهي التي تتحمل درجات الحرارة العالية, وتختلف باختلاف درجات الحرارة التي تستعمل عندها. وتصنع هذه المواد من المعادن المقاومة للصهر مثل التنغستن والموليبدينيوم والتيتانيوم والزركونيوم, أو من بعض المركبات المعدنية, وتستخدم في المحركات النفاثة وتبطين الأفران والمفاعلات وغيرها.
7ـ المواد والسبائك ذاالاستعمالات الخاصة:
وهي كثيرة ومتنوعة, منها: عناصر الوقود في المفاعلات الذرية التي أساسها أكسيد الأورانيوم, وسبائك الباريليوم المستخدمة في الصناعات الفضائية, وخلائط بعض المواد المستخدمة في طب الأسنان, وغيرها.
منقول