لبعـــث والــديكتــاتــوريــــة ( ح - ٨ ) 1 شبكة ذي قـار
البعـــث والــديكتــاتــوريــــة ( ح - ٨ )1
شبكة ذي قـارصلاح المختار
ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني
علي بن أبي طالب ( ر )
قد يقول البعض ولم المركزية الصارمة مادام هناك بديل افضل وهو الديمقراطية ؟ الجواب الطبيعي على هذا السؤال المنطقي هو منطقي ايضا : نعم دون ادنى شك الديمقراطية هي البديل الانساني الافضل والمنسجم مع طبيعة الانسان وفطرته ، ولكن هل نحن احرار في اتخاذ المواقف بغض النظر عن البيئة والمحيط ؟ هل نعيش في عالم بلا تحديات ام انه عالم التحديات المتنوعة والمتتالية الانبثاق من طبيعة المجتمع الانساني ذاته ؟ هل شهد التاريخ مجتمعا حرا بالكامل مع انه كبير ومتنوع ؟ هل حصل عبر التاريخ ان انسانا واجه الموت امامه وكان على وشك ان يقضمه ان يتصرف كأنه في حفلة موسيقية او عرسا ؟
الجواب كلا التاريخ البشري زاخر بادلة متواترة على ان ثمة فرق كبير بين الطموح والامكانات المتوفرة لتحقيقه ، فنحن مقيدون بالمؤثرات والبيئة وكلما زادت المؤثرات المحيطية تناقصت حريتنا في الاختيار واصبحنا نواجه خيارات لم تكن بالحسبان مسبقا لانها كانت مستبعدة في قياسات الوضع الطبيعي . فكيف نوفق بين الضرورة ، وهي احترام حرية الانسان وتعبيرها السياسي الديمقراطية ، وبين بيئة مقزمة للخيار الديمقراطي بكل ما تعنيه كلمة مقزم من معان سلبية ؟ هنا نقف امام اهم الحقائق وهي تقرير الصلة بين الحرية وشروط ممارستها الواقعية وتقدير ايهما اسبق الحرية ام شروط ممارستها ؟ الحرية ام البقاء ؟ الحرية ام ضمان الحاجات الاساسية للانسان والتي تحرره فعليا من الابتزاز بكافة اشكاله وتوفر له فرصا حقيقية لممارسة الديمقراطية كما سنرى؟
لقد اثبتت كافة تجارب البشرية خصوصا في القرن الماضي بأنه كي نمارس الحرية لابد من توفير شروط مسبقة محددة ابرزها اهمها ليس حرية الاختيار الشكلية بل حماية بقاء الانسان من الموت والعذابات اليومة المتزايدة ثم تحرير الاختيار من المؤثرات التي تجبره على تغيير اولياته نتيحة واقع شديد المرارة يواجه الناس . ثم بعد تحرير الارادة من تحديات البقاء الحر يفرض سؤال اخر نفسه وهو : هل الديمقراطية شكل واحد بغض النظر عن الاختلافات البيئية والظرفية ؟ واذا كانت البيئة والظروف تحدد اشكال الممارسة الديمقراطية ما هي الديمقراطية المناسبة لنا ؟ هل تولد الحرية حقا اذا تبنينا نوعا من الديمقراطية مناقض لواقعنا رغم ان ما يترتب عليه واقع اخر اشد خطورة من الاستبداد وهو واقع الفوضى العارمة التي تضرب المجتمع بسبب التناقض الحاد بين نوع الديمقراطية وطبيعة ثقافة وتقاليد وهوية المجتمع ؟ واذا انتشرت الفوضى هل تبقى حرية وتزدهر الديمقراطية ؟
الجواب القاطع على هذه الاسئلة نراه حيا امامنا بكل كوارثه المدمرة في الكثير من الاقطار العربية خصوصا في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والتي تعرضت لتنفيذ خطط لا تصلح لهذه الاقطار فتحت غطاء نشر الديمقراطية بنوعية ليبرالية واضحة ارادت امريكا ، وهي تعرف مسبقا وتنتظر نتيجة ذلك بشغف مصلحة ستراتيجية ، انتشار فوضى مدمرة لا وصف يناسبها سوى انها هلاكة .
ان فرض نوع من الديمقراطية يناسب مجتمعا متطورا ورأسماليا متبلور الكيان مثل امريكا الشمالية وغرب اوربا – كما فعل بول بريمر في العراق بعد الاحتلال - وليس فيه بقايا اقطاع او عبودية ولا عشائرية ولا هويات فرعية تطغى على مبدأ المواطنة المتساوية مثلما هو حالنا نحن العرب لا نتيجة لهذا الفرض سوى الفوضى وتقطيع صلات المجتمع ونفيه الى عالم التغييرات الفوضوية الى ان يصل الى حالة الانهيار الشامل غير القابل للاصلاح ! وتلك هي اهم متطلبات وشروط تقسيم الاقطار العربية تحت غطاء اصلاحي وديمقراطي زائفين اريد بهما توريط الالاف من الساعين بصدق للخلاص من الاستبداد والفساد في المشاركة في تدمير اقطارهم وخدمة المصالح السوبرستراتيجية لاعداءهم ( الغرب والاسرائيليتين الشرقية والغربية ) في وقت يعتقدون فيه انهم ينفذون عملا اصلاحيا حتميا !
هنا نصل الى اهم شروط اقامة نظام ديمقراطي حقيقي فقد اشرنا الى ان الانسان عندما لا يملك ما يوفر له الحياة الحرة فانه يضطر الى تقديم تنازلات من حريته الطبيعة ومن ارادته الحرة ، واول تحد لارادة الانسان هو انه مضطر لقبول عمل لا ينسجم مع تطلعاته واحلامه ، وتلك قضية عامة نعرفها جميعا فغالبا نحن نعمل في وظيفة لا تتطابق مع رغباتنا ، وعندما يكون الانسان مضطرا للعمل تحت امرة شركة – وهي حالة اغلب الناس - عليه قبول شروط العمل فيها والتي قد تكون غير منسجمة مع نزعته للحرية لكنه يقبل بالعمل من اجل توفير الطعام والسكن وتكاليف العلاج والدراسة لعائلته ...الخ .
وفي مجتمع رأسمالي فان قوانين العمل ومهما كانت فان رب العمل قادر على وضع العامل لديه امام حالة انعدام الخيارات الحرة فيحول الانسان الى الة تعمل وتنتج بلا اي حرية وتسرق حقوقه بطرق قانونية ، رغم وجود دولة مؤسسات كما في امريكا وبعض اوربا . وردا على تلك الحالة من الاستغلال وسلب حرية الانسان وجهده نشأت حركات الرفض والتغيير والاصلاح . وعندما يريد الانسان الاختيار في الانتخابات فانه قبل ذلك وخلال حياته اليومية يتعرض لتأثيرات كثيرة تحدد خياراته فهو لا يعرف الذي سينتخبه لكنه شاهد صورته في الاعلام وعرف بواسطته وليس مباشرة من هو ولم تتح له الفرصة لتدقيق ما زود به من معلومات ، ولهذا فانه ينتخب بناء على تقييم وسيط وهو غير نزيه ولا محايد بل هو تابع لمن يقدم المال للمؤسسة الاعلامية .
ولكي يفوز المرشح عليه ان يصرف مليارات الدولارات في دعايته الانتخابية والا لن يفوز بسبب جهله من قبل الناس في مجتمع فيه ملايين البشر ، وليس مثل المجتمع الاثيني – اليوناني- المقتصر على مئات الناس ، وانعدام فرص اللقاء المباشر بالمرشح ، وبما ان اغلب الناس لاتملك الملايين وتقتصر ملكيتها على نخبة صغيرة فان من يفوز رئيسا او عضوا في البرلمان والكونغرس هو الثري او من يدعمه اثرياء فقط ولذلك تضيع اهم شروط من يمثل الشعب وهي الكفاءة والتأهيل الثقافي والاستقامة فيفوز الغبي مثل بوش الصغير او المراهق الزاحف خلف الجنس مثل بيل كلنتون او المزور مثل نيكسون ، وتلك من اهم عيوب الديمقراطية في مجتمع رأسمالي متطور .
ولئن كان بالامكان افساد الديمقراطية وتسخيرها لخدمة الفاسدين والمتخلفين عقليا في مجتمع ما يسمى ب( الدولة القومية ) Nation state ، اي المتجاوزة لكافة اشكال علاقات ما قبل الامة مثل العشائرية والطائفية والمناطقية وغيرها والقائمة على مبدأ المواطنة المتساوية وتحكمها مؤسسات قانونية وتقاليد ديمقراطية كيف يكون الحال في دولة فتية لم تكتمل مؤسساتها بعد وتواجه تحديات خطيرة مثل دول العالم الثالث ؟ وهل تبقى ديمقراطية حقيقية عندما ننتخب من لانعرفه الا بواسطة اخطر الة تزييف لارادة البشر وهي الاعلام الغربي المتصهين ؟ وهل نحن نمارس ديمقراطية حقيقية عندما يكون تأثير المال وسطوة الاقطاع واستبداد الحكام هي المقرر لانتخاب النائب وليس الاختيار الحر والواعي ؟
ما جرى في العراق المحتل يقدم لنا صورة دقيقة عن دور الاعلام في التزييف وقلب الحقائق بعد اشتراك الاف الناس في انتخاب عناصر اغلبها تافهة وساقطة وطنيا واخلاقيا ولا تملك الحد الادنى من الكفاءة والتجربة فكانت النتيجة هي برلمان اميين فاسدين وبلا اخلاق بغالبيتهم فكان طبيعيا ان يدمر العراق بواسطتهم وتمرر قوانين جائرة تشرع الفساد وتحمي الحرامية ومنتهكي حرية الانسان ، وبهذه الطريقة اكملت امريكا سيطرتها رسميا وتحت غطاء الديمقراطية !
هل ما تقدم يؤكد بان هناك ما هو اهم من الديمقراطية بالنسبة للانسان والمجتمع ؟ نعم بالتأكيد فلا ديمقراطية الا عندما تنشأ في بيئة صحية ، والبيئة الصحية لا تعني قيام الفرد بالانتخاب بدون عنف ظاهري – كما في امريكا وغرب اوربا - بل تعني تحرره المسبق من الامية وتأهيله ثقافيا كي ينتخب من يخدمه حقا ومنع تأثيرات المال والحاجة وابتزاز القوي له وتأثيرات الاعلام المسخر لخدمة فئة ما في ظل غياب القانون او تسخيره لخدمة افراد او جماعات بعينها . فما الذي يجب ان يسبق الديمقراطية ويمهد لقيامها على اسس صلبة تحميها من تسخيرها لخدمة اهداف غير ديمقراطية ؟
ان اهم ما يجب توفيره للانسان مسبقا كي يكون حرا في ممارسة حقوقه الديمقراطية هو توفير الاحتياجات الاساسية للانسان كالطعام والامن والتعليم والصحة والسكن وحماية القانون ليكون حرا وبلا ابتزاز المال والحاجة والجهل ، ويمارس الديمقراطية بطريقة صحيحة ولخدمة الانسان والمجتمع في ان واحد . لذلك فان اهم مقدمات الديمقراطية والسابقة لقيامها هي توفير الاحتياجات الاساسية للانسان التي ذكرناها وعندما نوفر تلك المتطلبات نحرر الانسان من تأثيرات المال والامية والسلطات الجائرة وعندها ينتخب من يمثله فعلا ويؤسس برلمان حقيقي يمثل الشعب .
فهل هذه الشروط كانت قائمة في العراق عندما استلم البعث الحكم ؟ وهل ادرك ان التمهيد للديمقراطية اهم من الديمقراطية ذاتها ؟ وهل وضع ممهدات الديمقراطية بجدية ونماها ام فشل ؟ من خرب الخيار الديمقراطي في العراق وابعده عن التطبيق الفعلي : البعث ؟ ام خصومه في الداخل واعداءه في الخارج ؟ وكيف جرت عملية اجهاض الخيار الديمقراطي العراقي ؟ وما تأثير جدليات الصراعات المعقدة والمتداخلة في بلورة انماط من التفكير الشاذ لدى كافة او اغلب الاطراف ؟
يتبـــــــــع .Almukhtar44@gmail.com
١١ / تمــوز / ٢٠١٥