جذر الإرهاب في السعودية أم في بغداد؟
د. مثنى عبدالله
July 27, 2015
■ لسنا في وارد الدفاع عن السعودية، فلها أقلامها وصحفها وقنواتها الفضائية التي تستطيع القيام بهذه بالمهمة، لكن ما أورده النائب الأول لرئيس جمهورية العراق ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، جعلنا نقف في هذا الموقع.
فالرجل لا يكف عن التنظير السمج، ولا يدع بوق الطائفية، الذي يمسك به، من دون نفخ في كل مناسبة. وإذا أردنا أن نعدد للرجل مناقبه السيئة وخصاله الطائفية المقيتة وجهله الذي أتى بالكوارث على العراق وأهله، تصبح عملية التثقيف الطائفي التي يحاول القيام بها، وتوزيع الاتهامات داخليا وخارجيا في كل مرة كلها مبررة. سائل يسأل ما الذي دفعه إلى وصف السعودية بأنها جذر الإرهاب في مقابلة تلفازية الاسبوع الماضي، وهو في منصب تشريفي لا تنفيذيا؟ وما الذي دفعه للقول عنها في مناسبة سابقة، عندما كان رئيسا للسلطة التنفيذية، بأنها من دول الاعتدال في المنطقة، التي يمكن التعاون معها لصد الإرهاب؟
قد يبدو للوهلة الاولى أن التناقض واضح في القولين، لكن الحقيقة أن مصلحة القائل في القولين واحدة. كان في موقع المسؤولية يبحث عن ترطيب الاجواء مع الرياض بأوامر أمريكية، فيحصل به على الرضا والقبول الخليجي، عل المحافظات التي كانت ثائرة ضده تستكين، على اعتبار أنهم من أهل السنة والسعودية مرجعيتهم، وكان يتوسل في البحث عن المباركة الايرانية، كي تكبح ميليشياتها وزعاماتها وأحزابها في العراق، للقبول به مرجعية سياسية وحيدة، عندها تتعزز سلطاته ويمتد ظل سلطانه على الجميع، سنة وشيعة، فيظهر بلباس التقوى الوطنية زعيما عراقيا يتم التمديد له لولايات عشر قادمة رئيسا للوزراء. أما اليوم فالوضع مختلف تماما، هو في موقع النائب الاول لرئيس الجمهورية، وهذا المنصب لا يعطيه الحق في التدافع السياسي، وكسب الانصار بجهد الدولة المادي والمعنوي، حتى منصبه أمينا عاما لحزب الدعوة بات مهلهلا بعد أن خرج عليه رفاقه واحتلوا كرسي الوزارة بدلا منه، لذا لم يعد لديه الا غلّه على كل من كان سببا في إزاحته من السلطة، يدفعه للقيام بدور آخر وزعامة أخرى، فالاتجاه السياسي الحالي في العراق هو بداية صعود زعامة سياسية أخرى قادمة من حضن الحشد الشعبي، شاء من شاء وأبى من أبى، وأن جميع الاطراف السياسية وعلى رأسها سنة العملية السياسية قد رفعوا لهم الراية البيضاء، وباتوا يحاولون مد حبال الوصل معهم، ويفاوضونهم من خلف ستار، للفوز بالرضى والقبول، حتى لو كان على حساب دماء من انتخبهم. وليس سرا فإن المالكي خسر المنصب الوزاري، لكنه ربح الزعامة السياسية والجهادية، كما يسمونها على حشود الحشد الشعبي، خاصة أن منظمة بدر لازالت نصيرا قويا للمالكي، وأن عصائب أهل الحق لازالت توجه الانتقادات اللاذعة إلى خليفته في السلطة، وكلاهما من أعمدة الحشد الشعبي، مما يصب في مصلحته. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الحشد الشعبي تدريبا وقيادة وعقيدة دينية وعسكرية كلها ذات مرجعية إيرانية، وأن التناقض في الاتجاهات السياسية الاقليمية والدولية مازال صارخا بين السعودية وإيران، فإن التصريحات الاخيرة لنوري المالكي ضد السعودية لابد أن تكون بهذه الصيغة، لأن الدور الحالي والقادم له يتطلب موقفا كهذا. لكننا لو نظرنا فعلا إلى جذر الارهاب، كما سماه المالكي، وبحثنا في امتداداته لوجدنا أن أول من خطط ونفذ أجنداته كان حزب المالكي نفسه، ولسنا بحاجة لتكرار قصة السيارات المفخخة التي ضربت مؤسسات الدولة العراقية في الداخل والخارج إبان الثمانينات من القرن المنصرم وقتلت الابرياء، والتي كانت تتبعها بيانات الحزب متبجحة بهذه الافعال البطولية. أما عندما أصبحوا في السلطة فإن رعايتهم للارهاب كانت بإمكانات الدولة وجهدها المادي والمعنوي، فتحركت تجارة الرعب في العراق بشكل هائل، فلأجل محاربة الارهاب والوقاية منه نشأ سوق هائل للخدمات، استفادت منه الميليشيات والزعامات السياسية بعقود وهمية أو شكلية كانت تدر أرباحا خيالية عليهم، ما جعل مكافحة الارهاب قطاعا مهما من الاقتصاد العراقي، واستحوذ على النسبة الكبرى من الميزانية، إلى الحد الذي بات فيه الارهاب ظاهرة اقتصادية وسياسية في العراق. كما كانت إيران عاملا رئيسيا في استمرار هذه الظاهرة لأن الحفاظ على النفود الاستخباري في دول الاضطراب أسهل، فاستمرت بدعمها للمليشيات التي قامت بانشائها أيام الحرب العراقية الايرانية كي يستمر نفوذها، كي تبعد العراق عن حالة الاستقرار الذي تخشاه، لان الاستقرار يعيد إنتاج العراق كخصم جيوسياسي لايران، وحائط صد متقدم ضد كل اشكال الهيمنة التي تريدها.
لقد كانت المنطقة بعيدة عن كل أشكال العنف والعنف المضاد الذي نراه اليوم، ولم نكن نعرف كل هذا التمييز الطائفي والعرقي الذي نعيشه، لكن انهيار الجدار العراقي ووصول من مارسوا الارهاب في أيام المعارضة إلى السلطة السياسية، خلق حالة من الاضطراب اللامحدود في المحيط كله، وأنتج الميليشيات الطائفية الحكومية واسعة الصلاحيات والامكانات، وغيبوا المؤسسات المهنية الوطنية كالجيش العراقي، حتى باتت أدوارها عابرة للحدود، تقاتل بأجندات مشبوهة لمصالح بعيدة كل البعد عن الاهداف الوطنية، لقد ذهب الجيش العراقي إلى دمشق في واجب قومي لحمايتها من العدو الصهيوني، واليوم تذهب المليشيات إلى المكان نفسه كي تخلق الفوضى والاضطراب لحساب أجندات طائفية، وتجتاح محافظات عراقية كي تحررها من تنظيم الدولة، لكنها تسحق جماجم الابرياء وتحرق ممتلكاتهم انتقاما منهم من دون مبرر. وفي ظل هذه الصورة التي بات يعرفها الجميع، فإن الارهاب يقينا جذره في بغداد وليس في السعودية، لان بغداد باتت الراعي الرسمي لهذا الفعل بسياساتها الطائفية المقيتة، وبتسخيرها كل جهد الدولة لرعايته والحفاظ عليه وزيادة فعله في العراق وفي المنطقة، لكن ذلك لا يعفي السعودية من مسؤولية ما حصل في العراق، وما وصل اليه الحال فيه، فقد كانت إحدى أدوات وصول هؤلاء إلى السلطة، عندما دعمت المعارضة قبل عام 2003، ولملمت أوصالها من شوارع لندن وباريس وغيرها من دول أوروبا، ووفرت لبعضهم التمويل والمساحة الاعلامية عبر صحفها وقنواتها، ومازالت تحتضن من شاركوا في الجريمة عبر صفحات صحفها في الخارج، بل لازالت بعض القنوات الفضائية المحسوبة عليها حتى اليوم، تفضح صناعة الموت لدى ميليشيات، وتخجل من التطرق إلى صناعة الموت الذي تقوم به ميليشيات أخرى. كما استجابت للضغوط الامريكية فأعادت تسمية سفير لها في بغداد، وشجعت دولا خليجية اخرى للقيام بالخطوة نفسها. إننا نفهم الدعوات التي تقول بضرورة الوجود العربي في بغداد، وعدم إعطاء كل الساحة للوجود الايراني، لكن ما فائدة سفير وسفارة وكادر دبلوماسي محتجز في المنطقة الخضراء لا يستطيع التواصل مع أهل العراق، بينما يجوب الكادر الدبلوماسي والاستخباراتي الايراني العراق من شماله حتى جنوبه بحرية تامة؟ إبحثوا عن جذر الارهاب الفكري والديني والسياسي والامني، يقينا ستجدونه في بغداد يشرب ماءه من طهران.
٭ باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله