احتكار المآسي في أولمبياد الضحايا العرب
هيفاء زنكنة
May 17, 2016
حضرت، في الاسبوع الماضي، نشاطين تضامنيين أولهما عن المهجرين السوريين في لبنان، نظمته جامعة فيينا، وساهم فيه أكاديمي مصري- لبناني. النشاط الثاني عن النازحين العراقيين والسوريين والفلسطينيين، داخل العراق، نظمته مجموعة «تضامن» مع المرأة العراقية، التي تأسست عام 2006، بلندن، من قبل ناشطات في مجال حقوق الانسان وتحقيق العدالة الاجتماعية ومبدأ المواطنة.
أثار النشاطان اهتماما من المتابعين لأنهما عالجا موضوعا انسانيا واخلاقيا، بالاضافة إلى المسؤولية القانونية الدولية عن قضية لم يعد بالامكان تجاهلها واخفائها، بعيدا عن الغرب المحصن. إلا ان ملاحظتين، أبديتا اثناء النقاش، تستحقان الوقوف عندهما لما تحملانه من مضامين عميقة.
الملاحظة الأولى، اثارها شاب غاضب بين حضورالنشاط الاول، اتهم فيه المنظمين باستبعاد الصوت السوري، مستطردا بانه كان بالامكان دعوته للحديث، مثلا، مع العلم ان ما قدمه الضيف الاكاديمي كان معلوماتيا مع ادانة السياسة الغربية. اما منظمات النشاط الثاني فقد تلقين اتهاما من نوع آخر، من قبل ناشطين في منظمة أخرى، تتضمن استنكار اقامة نشاط باللغة الانكليزية «مع عناصر لا هي عربية ولا هي مسلمة» وتشبيه النشاط التضامني عن النازحين بـ»الاستنجاد بالأمريكان والانكليز لتنفيذ كل هذا التدمير للعراق». مما دفعني إلى مراجعة تفاصيل ندوة «تضامن» لأفهم اسباب الاتهام، وانعكاساته على تشجيع أو احباط مبادرات العمل التضامني العراقي – العربي بشكل عام.
ساهم في ندوة « تضامن»، على مدى اربع ساعات، أربعة متحدثين عراقيين، من بينهم بروفسور ياسين العيثاوي الذي تحدث عن «التغيير الديمغرافي والهوية الوطنية»، ود. فريال أحمد عن تجربتها في «العمل مع النازحين في اقليم كردستان»، والتربوي منذر الاعظمي عن «واقع النازحين الحالي بالخرائط»، بالاضافة إلى جوان بيكر عن «تأثير النزوح على تعليم ونفسية الاطفال» وهي ناشطة من منظمة «أطفال الحروب». أدار الجلستين والنقاش الحيوي الذي أعقب المداخلات، بريطانيان قضيا جل حياتهما في مناصرة القضية الفلسطينية ومناهضة الحرب على العراق هما مايك فيبس، المحرر في مجلة يسارية عمالية، ونشرة نصف شهرية تصدر عن منظمة «ضد إحتلال العراق»، وفيكتوريا بريتون، محررة صحيفة «الغارديان» سابقا. كما تم عرض فيلم بعنوان «غرباء في وطنهم»، عن اسباب النزوح ومسؤولية الاحتلال، والانظمة العراقية، وداعش عن نكبة المهجرين. ولأن الندوة مقامة بلندن، وليس ببغداد مثلا، وهدفها توعية ومخاطبة البريطانيين، عموما، وليس الاصغاء لأنفسنا فقط، كانت اللغة الانكليزية هي لغة الخطاب. السؤال المطروح اذن لماذا استفز النشاط الاكاديمي عن مهجري سوريا ونشاط «تضامن» بعض العاملين في حقل النشاط التضامني، مع اقراري بأن المخاوف من سلب أصواتنا حقيقية وليست محض احساس بالمؤامرة ؟
عند اجراء مسح سريع لعمل المنظمات التضامنية العراقية والعربية، في الغرب، تتبدى ملامح المنافسة والصراع الذي يطغى، أحيانا، على هدف التضامن الذي تأسست من أجله. أسباب ذلك كثيرة، لعل اهمها، أولا: غلبة الدافع الايديولوجي المترسخ عميقا في مؤسسي المنظمة « التضامنية»، مما يجعلها أسيرة الخطاب والموقف السياسي لحزب الاشخاص المؤسسين، مهما أدعت من استقلالية الموقف والقرار. ثانيا : الجهة الداعمة ومصدر التمويل الذي يتحكم بطبيعة عمل المنظمة، بدرجات متفاوتة، حسب درجة الحاجة لوجود منظمة تعالج موضوعا معينا دون غيره، في فترة زمنية معينة.
ففي المرحلة السابقة لغزو العراق واحتلاله، مثلا، تم تأسيس عشرات المنظمات، في بريطانيا وأمريكا، وخلال فترة زمنية قياسية، لتسويق الاحتلال بحجة التحرير، وارساء الديمقراطية، وتطبيق حقوق الانسان. استخدمت هذه المنظمات لفترة محددة ثم تم قطع تمويلها بعد انتفاء الحاجة اليها. هناك، أيضا، نقطة ثالثة، تتعلق بشخصيات مؤسسي المنظمات. وهو جانب لا يولي ما يستحقه من اهتمام، عادة، أما لأننا نعتبر الهم الوطني كبيرا فنؤجل موقفنا من شخصيات لا نرضى العمل معهم في ظروف أو لأننا نستنكف من ذكرها باعتبارها ثانوية لا تستحق الذكر، مقارنة بالمواقف السياسية والاقتصادية. فنقوم بوعي او لاوعي بفصل العام عن الخاص ـ أي جوهر الكينونة الأنسانية / المجتمعية، مركزين على الظاهر السياسي الايديولوجي وستر الخصل الشخصية المخفية، ومن بينها الرغبة بالاستحواذ على السلطة والطموح الشخصي الكبير بالهيمنة والغيرة والحسد من الآخرين. ويصل الجانب الذاتي للناشطين، بأوضح صوره حين ينظر إلى ما يقدمه الناشطون الآخرون بعين «التنافس المهني»، والوصول إلى درجة اعتبار نشاط الآخرين تقليلا من دورهم. هنا تتحول المنافسة إلى تشويه واتهام للتقليل من اي نشاط لا يقودونه هم أنفسهم. وهو، بالحصيلة، انعكاس واضح لما تتميز به احزابنا السياسية.
تتداخل هذه العوامل، منفردة أو مجتمعة، مع عمل منظمات ومجموعات التضامن، في الغربة، وفي اجواء يطغى عليها الاحساس بالضعف، وخطر تعرض الهوية والانتماء للذوبان في المجتمعات الجديدة، بالاضافة إلى يأس المغتربين العام من قدرة الانظمة (واحيانا الشعوب) العربية على اجراء تغيير حقيقي لصالح المواطنين. فتنعكس على تفاصيل ويوميات العمل التضامني مهما تشابهت الاهداف النهائية، إلى حد يصبح فيه وجود بعض المنظمات، عائقا امام تحقيق الاهداف بل ومضرا. هذا مع افتراض حسن النية.
يواجه العمل التضامني العراقي والعربي صعوبات جمة في البلدان الغربية لعل أهمها كيفية المحافظة على الاستقلالية المادية والفكرية، والابتعاد عن الادعاء بتمثيل الجميع في الوطن الأم وغيره، فالقضايا العادلة ملك للجميع ولا يمكن ان نجعل الدفاع عنها حكرا على فئة معينة، مهما كانت نواياها سليمة.
النقطة الأهم التي يتوجب علينا الاعتراف بها هي ان مآسينا على ضخامتها ليست فريدة من نوعها، فالتاريخ حافل بأمثلة كثيرة. وأن لا نقع، بحكم ضيق مساحة الاهتمام العام بكثرة المآسي، في مطب أحتكار المآسي والمزايدات وتشويه «الآخر» طمعا بالفوز في اولمبياد الضحايا.
٭ كاتبة من العراق