القدس في رمضان ممنوع الدخول
علاء الريماوي
في كل عام من رمضان تعمد دولة الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية التشديد والرقابة على مداخل القدس المغلقة أصلاً ، كما تشرع بالإعلان عن تحديد الأعمار الممكن لها الدخول إلى المسجد الأقصى والتي لا تقل عن الخمسين عاماً باشتراط وجود التصاريح اللازمة لذلك.
القلة القليلة من الناس يحالفها المزاج( الإسرائيلي) والكثرة الغالبة تتعاون في ما بينها للبحث عن منفذ يخترق فيه الجدار العازل والأسلاك الشائكة التي تمتد على حدود القدس من جهاتها الأربعة والتي معها يتمكن الجند من صد الوافدين إلى رحاب المسجد ، أو اعتقال المئات منهم ، وأحيانا يتم إطلاق النار على البعض وإصابتهم .
في خطبة الجمعة المكتوبة من الأوقاف في مدينة رام الله نوه الخطيب بضرورة الذهاب إلى المسجد الأقصى وبين فضل الصلاة فيه ، وشدد على حبه والدعاء له .
الشوق الملتهب أصلا للقدس فتح جرحه الشيخ وذكرني بمصف الناس الذين يقفون في أعلى هضبة تطل على مدينة القدس في بلدة العبيدية قضاء بيت لحم و التي أصبحت موقف الحافلات التي منها ترى ليلاً أضواء المدينة ومسجدها بصورته الحزينة المسجونة ، والتي معها تشاهد من الجموع الدمع يجتاح العيون في المكان مع سحابة من الحوقلة والدعاء .
في ليلة القدر من العام الماضي ابتدع الفلسطيني طرقاً للوصول إلى المسجد الأقصى منها: الركوب مع مهربي العمال إلى القدس حيث تصل تكلفة الداخل الواحد أكثر من 150 دولارا .
"عمر" أحد اللذين دخلوا القدس بالطريقة هذه روى لنا التفاصيل التي بدأت برجل جاء لا يعرفونه ، أجلسهم تحت مقاعد سيارته ومنعهم الحركة ، ودخل بهم طرقاً ترابية وعرة محيطة بالقدس .
في تعليقه على الرحلة وصف المشهد على أنه جرح لم يشعر بذله من قبل ... تعامل مع مهربين ، ودفع أتاوة ، وتحمل ذل الاختباء تحت مقاعد السيارة ، غير خوف الاعتقال و كمائن التسليم التي يقوم بها بعض أصحاب السيارات الذين تبين أنهم يعملون في شبكة مع جنود الحواجز وضباطها مقابل المال بحسب الصحف العبرية .
حديث الصعوبة في الوصول للمسجد الأقصى يأتي في سياق الجدل الكبير حول دعوة بعض العرب لزيارة الأقصى ، وفتوى الشيخ القرضاوي بحرمة الزيارة لمن يقطن خارج فلسطين للقدس بعلة أن دخول القدس للعربي تطبيع وإمعان في إخفاء إجرام (إسرائيل) في المدينة المقدسة .
في متابعتي لردة الفعل على فتوى الشيخ وجدت الحديث وحجة أصحابه تنم على عدم فهم الواقع المقدسي ولا حتى الفلسطيني ، ولا طرق نصرته ، و لا آليات الدفاع عنه وخاصة أن الأكثر نشاطاً في الدعوة هذه بعض العمم المحسوبة على النظام العربي الرسمي ، الذي تنجح مواقفه في المساهمة العملية لتصفية القضية الفلسطينية .
كما هو الحال في ملف المفاوضات ، والمصالحة ، وحل قضية اللاجئين الذين تسحب وثائقهم الشخصية ، مع عيش في الحصار الخانق ، ومنع للعمل ، والطرد من دول كالخليج العربي ، وتظل لبنان الشقيقة النموذج الأسوأ في ذل الفلسطيني داخل المخيم .
الحديث في هذا طويل ومحزن ولكنه ليس موضوع المقال ، لكن ما يهمنا في مقالتنا اليوم ما تكتبه الأوراق الإسرائيلية بوضوح حول مستقبل القدس ، وتحديدا المسجد الأقصى ، الذي يراد له أن يصبح مكان الهيكل .
حيث يجري تجهيز محيط المسجد ليكون جاهزاً لإعلاء الهيكل وخاصة بعد نجاح (إسرائيل) اختبار الأمة وردة فعلها من خلال افتتاح كنيس الخراب والإعلان عن بناء ثلاثة كنس أكبر منه في الأعوام السبع القادمة بجوار أسوار المسجد الأقصى لطمس الصورة الإسلامية التي بدأت تغيب أمام أكثر من سبعين كنيساً ومدرسة دينية في البلدة القديمة وحدها .
مضافاً إلى ذلك كم المصادرات للأراضي والبيوت وطرد المواطنين بالمئات حيث بلغ عددهم منذ احتلال المدينة قرابة 14 ألف أسرة مقدسية .
صحيح أن زيارة القدس مهمة وضرورة في الوضع الطبيعي ، لكن الأهم قبل الزيارة النصرة للمسجد الأقصى ، و الدفاع عنه ، و حمايته ، ورعاية حراسه وأبطاله الذين يغيب شيخهم رائد صلاح ونواب القدس ووزيرها ما بين السجن والحصار، ومقاطعة ومجابهة محتليه ، لإجبارهم على رفع احتلالهم وتدنيسهم وسرقتهم للقدس .
أما الادعاءات المبتورة التي تأتي في سياق الفرقعة الإعلامية يعرف المقدسي الرد عليها من خلال الدرس الذي كان لائقاً بأحد وزراء الدول العربية الذي دخل موكبه تحت حراسة دوريات الاحتلال وقواته الخاصة التي تفننت قتل الأطفال في القدس ومدن فلسطين.
في رمضان وغير رمضان تمنع دولة الاحتلال دخول القدس ، وتسجن كل من يحاول الوصول إليها، وحين نجاح الوصول إلى المسجد يكون اللقاء يتيما حزيناً لأن الفرصة لن تتكرر في العام القادم ، وخاصة وأنت تشاهد حجم المخططات التي تريد القدس ماضياً منسياً من غير نصير كما هو الحال الذي نراه على الحقيقة يا دعاة الفداء الكاذب.
...