أي إرادات ستشكل الحكومة العراقية المقبلة؟د. مثنى عبداللهMay 29, 2018
بعد مهزلة انتخابية كبرى مازالت تتكشف يوميا حجم الخروقات التي تمت فيها، لابد من التذكير دائما بأن من وصلوا إلى البرلمان وصلوا بشرعية 44 في المئة، حسب بيانات المفوضية المستقلة للانتخابات، أو بشرعية 16 ـ 20 في المئة حسب بيانات واستطلاعات مستقلة.
معنى ذلك أن ما يقارب 70 في المئة من الشعب العراقي لا يثقون بمن وصلوا إلى البرلمان الجديد. وإذا أضفنا إلى ذلك إرادات وإملاءات واشنطن وطهران المتدخلتين في الساحة العراقية، تتوضح لنا تماما صورة الحكومة المقبلة بصورة شخوصها، وبنهجها السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي. فالحرب الإعلامية الدائرة اليوم بين أمريكا وإيران، وادعاءات واشنطن بمحاولة تقطيع أوصال الأذرع الايرانية في المنطقة، تعطي انطباعا بأن نتائج الانتخابات التي رفعت مقتدى الصدر إلى مرتبة الفائز الأول، سوف تعطيها فرصة كبرى للدفع بحلفائها العرب للوقوف مع الرجل ودعمه وتقوية موقفه، من خلال دفع بعض القوائم المحسوبة والمدعومة من المحيط العربي بالتحالف معه، لتشكيل الكتلة الاكبر. على أعتبار أن مقتدى الصدر يقف في الجانب الاخر المضاد للموقف الإيراني والتشكيلات المتفرعة منها في الساحة العراقية.
وقد ظهرت بعض الإشارات الدولية والعربية التي تعبر عن ارتياح واضح لفوز قائمة «سائرون» التي يتزعمها الصدر في الانتخابات الأخيرة. وهنا لابد من التذكير بأن هذا الفعل فيه مؤشرات مُكلفة وليست مؤشرات عادية، وكلفتها تتعدى الصعيد الشخصي إلى الصعيد العام. فالتحرك بهذا الاتجاه يعطي طهران صورة بأن واشنطن تبحث عن رجل الهدف المطلوب منه مواجهة إيران. وفي هذه الحالة سيواجه مقتدى الصدر السيناريو نفسه الذي واجه والده في تسعينيات القرن المنصرم. آنذاك شغرت الحوزة العلمية في النجف من المرجع الاعلى، فتدخلت السلطات العراقية في الموضوع بغية سحب المرجعية من التأثيرات الإيرانية وجعلها عربية، فدعمت والد مقتدى الصدر العربي الأصل علنا للوصول إلى هذا الموقع. ولما لمرجعية النجف من سطوة على مقلديها في العالم، التي يمكن استثمار سلطانها سياسيا في التنافس القائم بين العرب وإيران، تم اغتيال والد مقتدى الصدر في ظروف غامضة. قيل وقتها إن إيران هي التي قامت بذلك الفعل لقطع الطريق على محاولة تسنم عربي لهذا الموقع الحساس. فهل يتكرر السيناريو نفسه اليوم لنجله مقتدى؟ يقينا أن مقتدى كان قد أثار زوبعة كبرى في الاوساط السياسية والدينية الشيعية، حينما زار عدة دول عربية مؤخرا، خاصة أن تلك الدول تعتبر من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. صحيح أن رئيس الوزراء زار الدول نفسها لكنه سياسي وليس رجلا بعمامة كمقتدى الصدر. هنالك فرق كبير بين الحالتين. قد لا تتجرأ إيران على تصفية الصدر، وتحاول تحجيمه بأذرعها الفاعلة في المشهد العراقي، لكن من يضمن أن لا تقوم جهات محسوبة عليها بالفعل، خاصة أن مراكز القرار في طهران كثيرة متشعبة؟
أما على الصعيد العام فلن تسمح إيران لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي بانفراط عقدها. هي اليوم تواجه المشهد الذي واجهته في انتخابات عام 2010، حينما فاز الشيعي إياد علاوي في الانتخابات، فأجبرت تلك الاحزاب على التحالف وتشكيل الكتلة الأكبر لإقصاء الأخير، على اعتبار أنه علماني ولا يؤيد التواجد الايراني في البنية السياسية العراقية. نعم إنه تقريبا المشهد نفسه تراه أمامها. صحيح أن الفائز مقتدى الصدر ليس علمانيا ولكنها تعتبره ليس على منوالها. فيه رائحة تآمر غربي عربي ضدها، كما تعتقد. كما أن تحالفه يضم شيوعيين ومدنيين وعلمانيين وبعضها أحزاب عريقه. فمن يضمن ألا يسيطر هؤلاء على التيار الصدري، الذي يضم أناسا بسطاء لا يفهمون ألاعيب السياسة، فتتكرر سيطرة الحزب الشيوعي على رئيس الوزراء، الذي قد يختاره تحالف الصدر، كما حصل في عهد عبدالكريم قاسم في خمسينيات القرن المنصرم؟ وهل يُعقل أن تعزز إيران تواجدها في سوريا بعد كل الذي فعلته لإيقاف بشار الاسد على قدميه مرة ثانية، كما تعزز وجودها في لبنان من خلال حزب الله، الذي تقدم كثيرا وعزز مواقعه السياسية أكثر من قبل في الانتخابات النيابية الاخيرة قبل أسابيع، ثم تسمح للآخرين بأن يأخذوا منها العراق، الذي هو أقرب إلى حدودها وفيه مرجعية النجف، ويُصدّر خمسة ملايين برميل نفط يوميا، وأهم من كل من سوريا ولبنان بالنسبة لمشروعها؟
يقينا لا يمكن أن يتخيل العقل الإيراني حدوث هذا السيناريو، لذلك في جعبة صانع القرار في طهران ثلاثة مسارات. المسار الأول إعادة تجميع أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، وتطعيمهم بحلفاء لها من السنة والكرد، لتشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر التي تصوت على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. هنا ستصبح قائمة «سائرون» التي يتزعمها مقتدى الصدر ليست صانعة الملوك. وطهران تدرك جيدا خطورة الموقف في هذا المسار، لأن التيار الصدري خصوصا وحلفاءه عموما سيشعرون بأنهم تعرضوا إلى مؤامرة خادعة أقصتهم من المشهد. عندها ستعم الفوضى البلاد ويتقاتل الجميع مع الجميع، وهنالك تحذيرات صادرة من التيار الصدري تحديدا، تسري اليوم في الشارع من حدوث سيناريو كهذا.
أما المسار الثاني الذي قد يسلكه صانع القرار الايراني فهو، الإيعاز لقوائم هي من صنعتها وفازت في الانتخابات، بالانضمام إلى تحالف «سائرون» وتشكيل الكتلة الاكبر في البرلمان. هنا هي تراهن على محدودية الخبرة السياسية للتيار الصدري، وعدم وجود كوادر لديه قادرة على إدارة الدولة. وبالتالي ستكون إمكانية احتوائه أكبر من الدفع به خارج المعادلة، كما في المسار الأول. كما أن التيار سيبقى منتشيا بأنه من شكّل الكتلة الاكبر والحكومة، وهذا مكسب معنوي كبير لهم، حيث سيقولون إن الفقراء هم من شكلوا السلطة هذه المرة.
المسار الثالث هو تشكيل معارضة قوية في البرلمان من تحالف المالكي والعامري، يقف بالرصاد لأي تحرك حكومي لا يخدم أهدافها وتوجهاتها.
أين الارادة الامريكية في مشهد تشكيل الحكومة العراقية المقبلة؟ سؤال مهم يظهر في هذا المسرح. هذه الارادة تُراهن على التجديد لرئيس الوزراء الحالي لولاية ثانية، وإعادة تشكيل ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، سنة وشيعة وأكرادا، وهي أمنية أوروبية كذلك، كما أن لديها قابلية كبيرة للتعايش مع الارادة الايرانية في هذا البلد في كل الظروف والاحوال. ومنذ خمسة عشر عاما ولحد اليوم لم تستطع توفير البديل، ولم تكن قادرة إطلاقا على الدفع بأحد مريديها للوصول إلى الموقع الاول، لان كل من دعمتهم في أيام المعارضة خدعوها وباعوا ولاءاتهم إلى إيران. لذلك هي اتخذت طريق البحث عمن لديه نزعت الخروج من العباءة الايرانية كي تدعمه. ولم تكف يدها عن التدخل في الانتخابات التي حصلت لدعم هذا الطرف ضد ذاك. فهنالك منظمات تابعة لها وبأغطية كثيرة تتدخل بعمق وبصورة جوهرية في العملية الانتخابية، لكن الاوراق التي بيد طهران أكثر عددا من التي بيدها.
اليوم تعلم الولايات المتحدة وبعد انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، وتحقيق مكاسب برلمانية لقوى ميليشياوية تابعة لطهران في العراق، باتت تعرف بأن تحول البلد إلى ساحة حرب وارد تماما، وبالتالي هي ستراهن على حلفائها العرب وتركيا لتشكيل طرف سياسي قادر على موازنة الفعل الايراني، لكنها ستبقى تمارس اللعبة الدفاعية في المشهد عكس التوجه الهجومي الايراني.
باحث سياسي عراقي
أي إرادات ستشكل الحكومة العراقية المقبلة؟
د. مثنى عبدالله
- Share on Facebook
- Click to share on Twitter
- Click to share on Google+
- Click to email this to a friend