هل موقف الشباب العراقي من « إسرائيل ودي»؟هيفاء زنكنةJun 12, 2018
يروج نظام الاحتلال الصهيوني، بالتعاون الخفي وشبه العلني، مع عدد من حكومات الاستبداد العربية، لفكرة « السلام»، الآن، بدون الفلسطينيين. ترجمة هذه الفكرة، عمليا، هي استمرارية سياسته لتفريغ فلسطين، المحتلة، من أهلها حصارا وتهجيرا وقتلا. وهي سياسة، أثبتت العقود، فشلها الذريع. وما حملة التصفية الإجرامية الأخيرة ضد متظاهري مسيرات العودة، المطالبين بواحد من أبسط حقوق الإنسان، ألا وهو حق العودة إلى ديارهم، وإلغاء الحدود المختلقة بين أبناء الشعب الواحد، غير إثبات آخر على فشلهم من جهة وعدالة المطلب المتجسد بدماء الشهداء وحملات التضامن العربية والدولية الشعبية من جهة أخرى.
في محاولة لفتح منفذ يمرون من خلاله إلى شباب البلدان العربية، لكسر حلقة التضامن الشعبي، خاصة مع تزايد الانضمام العربي إلى حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها والمقاطعة الثقافية والأكاديمية ( أنظر: حملة استح لمقاطعة المنتجات الصهيونية في الأردن)، بادرت مؤسسات الأمن الصهيوني وأجهزته المختلفة، في السنوات الأخيرة، إلى استخدام صفحات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك وتويتر» والمدونات، بالإضافة إلى أجهزة الإعلام، لخلق ثغرة يستميلون من خلالها الشباب بأساليب متنوعة تتماشى مع عمر الشباب المستهدف والبلد الذي ينتمون إليه.
بالنسبة إلى الشباب العراقي، جرت محاولات عديدة، منذ الغزو الانجلو أمريكي للبلد عام 2003 ، لمخاطبتهم وخلق أوجه لـ «التبادل والحوار الثقافي والسياسي» معهم، من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، خاصة وأن سياسة المحتل الانجلو- أمريكي ، كانت واضحة وصريحة. «إنسوا فلسطين» مقابل ترسيخ أبوة الكيان الاستيطاني. وهو ما كان متوقعا في ظل المحتل البريطاني، صاحب وعد بلفور، والأمريكي الراعي اليومي، بمليارات الدولارات، لوجود إسرائيل. وهو ما حدث، بشكل جزئي، رسميا، سواء كان السبب هو الانشغال بمقاومة المحتل، أو انتشار إرهاب المحتل والحكومة وميليشياتها، أو إرهاب منظمات بذرت ف أرض العراق بعد الاحتلال، أو سياسة تشويه صورة الفلسطيني باعتباره «صداميا إرهابيا»، أو شراء ساسة عراقيين عرضوا أنفسهم للبيع.
شعبيا، اختلفت الصورة. ففلسطين ليست رمزا عربيا وإسلاميا فحسب بل «إن القضية الفلسطينية جزء من النضال الوطني والاجتماعي للشعوب المقهورة» كما يذكر الكاتب العراقي كاظم محمد تقي. ليس هناك اختلاف في التعامل مع القضية الفلسطينية ولكن هناك تعاطفا عاما في التعامل مع قضية اليهود العرب العراقيين الذين تم تهجيرهم إلى إسرائيل جراء مؤامرة صهيونية حققت ما أرادت من خلال ترحيلهم. وهي نقطة مفهومة، لم تعد بحاجة إلى التوضيح لدى شعوب العالم، للتمييز بين الدين كدين وتأسيس دولة احتلال عنصرية تتبنى الدين.
يقول أحد المعلقين العراقيين على صفحة «فيسبوك» خلقتها وزارة الخارجية الإسرائيلية «نحن ليس بيننا وبين اليهود أي عداوة. نرحب بهم كما نرحب بالديانات الأخرى ولكن المشكله مع الكيان الصهيوني المتطرف». تستغل الأجهزة الأمنية الدعائية الصهيونية مشاعر العراقيين تجاه اليهود العرب العراقيين، لابتكار طرق وأساليب متجددة، بين الحين والآخر، للتمدد الدعائي في الوعي الشعبي العام. ففي العام الماضي، حسب صحيفة الشرق الاوسط، ظهرت صفحة عامة على «فيسبوك» باسم « العراق مع إسرائيل»، « لم يُعرف صاحبها الحقيقي. ونُشرت فيها بيانات ومنشورات لمتعاطفين مجهولين مع إسرائيل لم يظهروا وجوههم أو أسماءهم الصريحة بل مرة ( أبو زين) وأخرى المفوض (أبو ضرغام) ومنشور فيها بيان غريب ممن يقولون أو يقول إنه متعاطف مع إسرائيل ضد الإرهاب الفلسطيني!
في 22 مايو/ايار، العام الحالي، فتحت صفحة بعنوان «سفارة جمهورية العراق في إسرائيل» أو «السفارة العراقية الافتراضية في دولة إسرائيل» – استخدمه هنا كما هو بأخطائه الإملائية – بتوقيت يتوافق مع مرور شهرين على بدء مسيرات العودة، ومع ارتفاع حملات التضامن مع مقاومة الشعب الفلسطيني. طبلت الصحافة الإسرائيلية لهذه « المبادرة» ، وبدأت تعزف على أكذوبة « ما بين الشعبين من أواصر وعلاقات تاريخيه تعود إلى آلاف السنين»، لتوحي بأن علاقة الشعب العراقي، بكل أديانه، تاريخية ليس مع أبنائه من جميع الأديان بل مع النظام الصهيوني. خطاب هذه الصفحة وغيرها يمثل سياسة النظام في تقديم نفسه « ضحية» تدافع عن نفسها ضد الإرهاب الفلسطيني، مبررا جرائمه في الاحتلال والقتل والتطهير العرقي، أمام العالم كله، بأنه حق من حقوقه المشروعة بخطاب يجعل من الجلاد ضحية.
لإضفاء صبغة أكاديمية على مشاريع الأجهزة الأمنية يمتد التضليل الإعلامي ليشمل الباحثين عن الصفحة. تقول باحثة تدعى رونين زيدل في مقال نشر لها منذ أيام «أقام متصفحو العراق مؤخرا صفحة على الفيسبوك بعنوان «سفارة العراق الافتراضية في إسرائيل». وهي أكذوبة مبتذلة لأن بيان الصفحة يقول « أنشأت وزارة الخارجية هذه الصفحة» لجذب الشباب العراقي « للتقارب و العمل بجد كبير لصنع التاريخ معا «. من بين الادعاءات الترويجية الأخرى للصفحة، حسب الباحثة» يظهر عدد متزايد من الشباب العراقيين اهتمامهم بإسرائيل وديمقراطيتها وثقافتها». وتقول وزارة خارجية الكيان الصهيوني «إن حوالي ثلث أتباع موقع الوزارة باللغة العربية (حوالي نصف مليون) وإن العراقيين، وموقفهم من إسرائيل إيجابي بشكل عام وودي».
بعض الأكاذيب المذكورة مثل انجذاب الشباب إلى « ديمقراطية إسرائيل وثقافتها» مهترئة لفرط تكرارها، كما أن ذكر عدد «اتباع الموقع»، لايستحق التوقف عنده، فآلة إنتاجه أساسها دعائي مفضوح يستهين بعقلية الناس. أما القول بأن موقف الشباب العراقي « من إسرائيل إيجابي بشكل عام وودي»، فإن قراءة التعليقات على الصفحة، ومحاولة فرز ما هو حقيقي وزائف، يدحض ذلك. نجد أثناء مراجعتها، أن هناك قلة من المعلقين كتبوا متمنين زيارة إسرائيل ولكن ليس إعجابا بـ «ديمقراطيتها وثقافتها» بل شماتة على فساد الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال. وهو أساس لمنطق يشي بالإحباط واليأس يماثل منطق الملتحقين بالمنظمات الإرهابية كبديل وحيد لتخليص العراق من نكبته. أما أغلبية المعلقين من الشباب، فإن قراءة تعليقاتهم توضح الصورة. يقول أحدهم « يبقون صهاينه أعداء وتبقى فلسطين البوصلة مهما حاولوا حرفها أما من يريدهم فليذهب لهم» ، ليضيف آخر: «انتوا اغتصبتوا أرضهم رجعوها لهم وهلا بيكم». بحسرة، يقول شاب: « لو كانت هناك سلطة قويه و تطبق القانون بحذافيره لما كان حالنا هكذا لكن مع الأسف …» ، ولأدراك زيف ادعاء مؤسسي الصفحة بأن موقف الشباب العراقي « من إسرائيل ودي»، يختار أحد الشباب توجيه الرسالة التالية « هذه إلى المتعاطفين مع الكيان الصهيوني. نص المادة (201) من قانون العقوبات العراقي المرقم (111) لسنة (1969) بموجب قانون التعديل الثالث المرقم (130) لسنة (1975). ( يعاقب بالإعدام كل من حبذ أو روج مبادئ صهيونية بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها أو ساعدها ماديا أو أدبيا أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها).
كاتبة من العراق