هدوء لا يخمد نارا تحت الرماد في البصرة
سكان البصرة يستأنفون أعمالهم وسط هدوء حذر على اثر تعليق الاحتجاجات بعد أسبوع دام تخللته أعمال عنف وحرق لمقرات أحزاب شيعية ومقار حكومية، لكن تعليق الاحتجاجات لا يعني بالضرورة انتهاء الأزمة طالما لم تنته أسبابها.
الأحد 2018/09/09
عودة الهدوء إلى شوارع البصرة بعد أسبوع دام من المواجهات مع قوات الأمن اسفرت عن مقتل 12 عراقيا
احتجاجات البصرة تعيد خلط أوراق التحالفات السياسية
الصدر يعدل بوصلة التحالفات نحو الفتح والعبادي أكبر الخاسرين
مظاهرات البصرة خلقت حراكا سياسيا بلا أفعال تنهي الأزمة
البصرة (العراق) - عاد الهدوء اليوم إلى البصرة بعد أسبوع دام تخللته أعمال عنف ومواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، إلا أن أسباب التوتر لاتزال كامنة، فيما لا تعني عودة الحياة إلى طبيعتها انتهاء الأزمة طالما لم تنته أسبابها.
واستأنف سكّان البصرة الأحد أعمالهم وسط هدوء حذر بعد أسبوع من التظاهرات الدامية في المدينة الجنوبية الغنية بالنفط غداة خلط أوراق التحالفات السياسية في بغداد، لكن ذلك لا يعني تراجع الأهالي عن مطالبهم.
وفي أول أيام الأسبوع في العراق، استعادت البصرة نشاطها مجدّدا، بعد عدة ليال من أعمال عنف أودت بحياة 12 متظاهرا على الأقل وأسفرت عن حرق عدة مؤسسات في المدينة الساحلية.
ويقول فائق عبدالكريم (44 عاما) وهو صاحب استوديو لتصوير الأعراس على جانب طريق تمرّ في وسط مدينة البصرة "بعد أسبوع مليء بالنار والغضب، عادت الأمور إلى ما كانت عليه، الحمد لله".
وعلى مقربة منه وفي السوق التي يبيع فيها البيض يوميا على بسطته، عاد فالح مانع (50 عاما) ليلاقي زبائنه.
ويؤكّد هذا الرجل بجلابيّته البيضاء بلون شعره أن "اليوم الحياة طبيعيّة جدا، اليوم عاد السوق إلى نشاطه، حتى حركة السيارات عادت هي أيضا".
أمّا محمّد شاكر (30 عاما) فيقول إنّه كان قد دأب مع آخرين منذ بداية يوليو/تموز على تنظيم تظاهرات ضد الفساد الذي أوصل المحافظة الغنية بالنفط إلى أزمة اجتماعية وصحّية غير مسبوقة، لكنّه قرّر السبت مع المنسّقين الآخرين للتظاهرات، تعليق هذه التظاهرات نأيا بالنفس عن أعمال العنف التي رافقتها.
لكن الناشط الشّاب يؤكد أن تعليق التظاهرات لا يعني انتهاء الحراك، موضحا أن "المتظاهرين حقّقوا الكثير. تمكّنوا من خلق وعي جماهيري، وبثّ النَفَس الشجاع في مجابهة الفساد وجها لوجه".
ويشدّد شاكر على أنّ المتظاهرين "جعلوا الساسة يتحدّثون عن مظلومية البصرة بصوت مرتفع بعد الذي شاهدوه من غضب عارم اجتاح محافظة البصرة بأسرها".
ويؤكّد منسّق تجمّع شباب البصرة منتظر الكركوشي أن "المتظاهرين حقّقوا مكسبا وهو أنّ الطبقة الحاكمة ستفكّر مرّتين في كيفية التعامل مع الشارع".
وشدّد على أنّه "لا يمكن القول إنّ الحراك انتهى في البصرة، طالما لا توجد مشاريع فعليّة أو خطوات حكوميّة جادّة" لحلّ أزمة تلوّث المياه التي تسبّبت بتسمّم أكثر من 30 ألف شخص والانقطاع المزمن للكهرباء والبطالة ومسألة الإفلات من العقاب في بلد يحتل المرتبة الـ12 على لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم.
وترجمت هذه المشاكل نقاشا عقيما وتصعيدا سياسيا في البرلمان العراقي السبت، وسط تبادل الاتّهامات بالمسؤولية بين رئيس الوزراء حيدر العبّادي ومحافظ البصرة أسعد العيداني.
مشادات كلامية حادة بين العبادي ومحافظ البصرة واتهامات متبادلة بالمسؤولية عن الأزمة في المحافظة النفطية
وقال العيداني الذي استلم منصبه قبل عام واحد إن "البصرة تحترق. بيوتنا احترقت ومنشآتنا احترقت. المحافظة مديونة بـ160 مليار دينار وحتى اليوم لم نسدّد الديون. قلت لكم مئة مرة إن قائد الشرطة مرتش".
وتعليقا على هذا التصريح قال عبدالله البصري (29 عاما) إن "موقف السيد المحافظ أشفى صدورنا ولو بقليل الكلام ونتأمّل الخير".
وبُعيد تلك المشادّة، خلطت أزمة البصرة أوراق التحالفات السياسية في العاصمة، وتحديدا في البرلمان.
وبدا أن الضحيّة الكبرى لأزمة البصرة هو رئيس الوزراء، فالعبّادي الذي كان يعوّل على تحالفه السياسي مع ائتلاف "سائرون" بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر وبالتالي تسميته رئيسا للوزراء لولاية ثانية، وجد نفسه في موقف صعب بعد مطالبة الكتلة نفسها باستقالته.
ومن المفترض أن يتيح هذا الوضع الجديد، وفقا لخبراء، انتهاء شلل البرلمان في جلسة مرتقبة السبت المقبل.
ويجب خلال تلك الجلسة، أن ينتخب النواب رئيسا للبرلمان بعدما فشلوا في ذلك خلال الجلسة الافتتاحية في الثالث من سبتمبر/أيلول.
وتلفت مصادر في البرلمان إلى إمكانية تقديم موعد الجلسة.
وقال النائب أحمد الأسدي المتحدّث باسم تحالف "الفتح" الذي يتزعمه هادي العامري الموالي لإيران "سنعمل سريعا خلال الساعات المقبلة لتشكيل الحكومة. نحن وسائرون على خط واحد لتشكيل الحكومة الجديدة ولبناء العراق، وواهمٌ من يعتقد أننا مفترقون".
وجاء هذا الموقف بعد انضمام "الفتح" الذي يتزعّمه هادي العامري المقرّب من إيران، إلى "سائرون" في دعوة العبّادي إلى الاستقالة.
الحشد الشعبي ينقلب على العبادي ارضاء لإيران وامتثالا لأوامرها
وبعد تعرّضه لانتقادات داخل البرلمان، كان العبّادي أيضا محطّ انتقاد نائب قائد الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.
وقال المهندس في مقابلة تلفزيونية ليل السبت "ليس للقائد العام للقوّات المسلّحة (العبّادي) أي دور في إحراز النصر على داعش وإنما تمّ ذلك نتيجة استبسال الجندي العراقي وأبطال الشرطة الاتّحادية وجهاز مكافحة الإرهاب وتلاحمهم مع إخوانهم في الحشد الشعبي".
وحمل المهندس بشدة على العبادي في تعليقات نشرت على صفحته بتويتر، تشير إلى أزمة متصاعدة بين الحشد الشعبي ورئيس الوزراء المنتهية ولايته وإلى تصفية حسابات عنوانها أزمة البصرة لكن جذورها تعود إلى ما قبل اندلاع الاحتجاجات في المحافظة النفطية.
والحشد الذي أعلن العبادي دمجه في القوات الأمنية ودافع عنه بشدة بوصفه مكونا وطنيا هو في واقع الأمر من اشد الموالين لإيران وتلقت فصائله تدريبات ودعم من فيلق القدس برئاسة الجنرال قاسم سليماني المسؤول عن عمليات الحرس الثوري الإيراني في الخارج.
ويبدو أنه ليس هناك فرصة أنسب من احتجاجات البصرة لتصفية الحسابات مع العبادي كما يبدو أيضا أن غيران حرّكت رجالها وأذرعها في العراق لإبعاد رئيس الوزراء المنتهية ولايته ورئيس ائتلاف النصر الذي كان يمني النفس بولاية جديدة بدعم من كتلة سائرون بزعامة الصدر.
ويبدو الصدر أيضا كمن بدّل تحالفاته ضمن حسابات سياسية جديدة مبنية على حقيقة أن إيران رقم صعب في المعادلة السياسية العراقية وهو ما لا يمكن تجاهله للوصول إلى السلطة.
الحشد الشعبي الموالي لإيران يستثمر أزمة البصرة لتصفية حساباته مع العبادي
والسبت قال أبومهدي المهندس منتقدا العبادي إنه يسعى لتشكيل حكومة طوارئ واتهمه بالفشل في ادارة الدولة على مدى الأربع سنوات الماضية.
كما اتهم الولايات المتحدة التي تنافس إيران على النفوذ في العراقي، بـالتدخل في الشأن العراقي. وقال إن هناك إصرار أميركي غريب على بقاء العبادي لولاية ثانيبة.
وقربت أزمة البصرة بين تحالف سائرون وتحالف الفتح على الرغم من تباين مواقفهما في ما يتعلق بالصلة بإيران من جهة وبوضع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي رئيس كتلة دولة القانون التي تحالفت مع "الفتح" لضمان الحصول على الغالبية البرلمانية التي تخول لها تسمية رئيس الحكومة.