قتل المرأة في العراق حلال! هيفاء زنكنة Oct 02, 2018
أضيفت الى سلسلة التصفيات المستشرية، في جميع انحاء العراق، أخيرا، حملة تصفية، منهجية، تستهدف نساء يعملن في المجال العام. يفصل بين ارتكاب الجرائم فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الأسابيع، وأحيانا، أياما معدودة. ففي شهر آب/ أغسطس أعلن عن وفاة اثنتين من خبيرات التجميل هما رفيف الياسري ورانيا الحسن في «ظروف غامضة»، بقيت بلا تفسير من الجهات المعنية. تلاها اغتيال ثلاث نساء هن الدكتورة سعاد العلي، عضو منظمة الود لحقوق الانسان، وكانت ناشطة بشكل خاص اثناء انتفاضة البصرة، على مدى شهور، وسحر الإبراهيمي مديرة مركز مساج والموديل تارة فارس ذات الحضور اللافت للانتباه على صفحات التواصل الاجتماعي.
ولأن ما يجمع النساء المستهدفات هو العمل، في المجال العام، على اختلاف طبيعته، تم تسليط الضوء، على اغتيالهن أكثر من عمليات الاغتيال الأخرى سواء كانت سياسية أو بفعل الانتقام الشخصي، سواء من قبل افراد او ميليشيات أو جهات حكومية. ومع انتشار التفاصيل، بدون القاء القبض على الجناة او تقديم توضيح من الجهات المسؤولة، امتد تأثير اغتيالهن ليرسخ حالة الخوف بين النساء خصوصا بين الناشطات من جهة والنساء العاملات في مجال التجميل من جهة أخرى..
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف النساء بالعراق، بل ان هناك من الاحصائيات والتقارير الحقوقية المحلية والدولية ما يثبت ان المرأة استهدفت، لمنعها من ممارسة أي نشاط عام أو غير عام، بشكل مستمر، ومستويات مختلفة، وبأشكال متعددة من الصعب حصرها، تراوح ما بين الاختطاف والقصف والتهجير والاعدام، منذ ان وطأ الغزاة أرض العراق، بذرائع مختلقة، كان من بينها «تحرير» المرأة. حتى باتت مفردة «التحرير» تساوي، عمليا، التحرير من الحياة.
وإذا كان المحتل مسؤولا، بشكل مباشر، عن ارتكاب جرائم قتل واغتصاب شملت النساء والرجال، معا، بحكم طبيعة المحتل المبنية، بجوهرها، على تركيع أهل البلد المحتل، تحت مسمى ديمقراطية وحقوق انسان انتقائية فأن ساسة حكومات الاحتلال، العراقية، المتعاقبة، أضافت الى ذلك النكهة المحلية، المتمثلة بما يسمونه، تباهيا، «تقاليدنا وعاداتنا وموروثنا الديني». وكلها، كما أثبتت سنوات حكمهم، تقاليد وعادات وتشريعات دينية، منتقاة بشكل دقيق، لتلائم الساسة الذين نجحوا في مأسسة وتكريس قيما مجتمعية، جديدة، مبنية على الفساد العام، الشامل، لكل النواحي الأخلاقية والمالية والإدارية. هكذا ساهموا، بشكل فعال، في تخريب ما لم يتمكن المحتل من تخريبه بداية وهو اللحمة المجتمعية الوطنية وبوصلته الأخلاقية.
من هذا المنطلق، وضمن الجدل الواسع الذي تخللته الشائعات والاقاويل، كتب البعض، على صفحات التواصل الاجتماعي، معلقا على حملة اغتيال النساء، باعتبارها استهدافا سياسيا منهجيا لبنية المجتمع. بينما كتب آخرون تعاملوا معها من منظور قمع حرية المرأة، وابقائها حبيسة التقاليد العشائرية البالية والفتاوى الدينية، وقتلها بذريعة الدفاع عن الشرف أو « غسل العار»، خاصة مع تزايد اعداد الشباب المنضمين الى الميليشيات، ذات القوة المطلقة، والمعصومة من العقاب بحكم قوة السلاح و»القوة الإلهية» المقدسة التي يتسربلون بها.
وفي الوقت الذي تعددت فيه أسباب ادانة قتل النساء، عموما، تصاعدت، أصوات تركز على التمييز ما بين اغتيال امرأة وأخرى. أصوات من الواضح انها تؤيد، فكرة قتل نساء معينات، دون غيرهن، وتشرعن جريمة القتل وفق منظورها الشخصي أو المجتمعي أو الديني. هنا تصبح ادانة ارتكاب الجريمة مشروطة بتفسيرات تتيح للقتلة تنفيذ جريمتهم بل والتفاخر بها. لتصبح جريمة قتل المرأة وساما يتقلدونه وليس فعلا اجراميا يستحق المساءلة القانونية والعقاب.
وقد برزت شرعنة قتل المرأة بأوضح صورها في محاولة البعض توجيه تهمة الدعارة الى المرأة ـ الضحية. كان من بينهم مقدم البرامج، في شبكة الاعلام العراقي، حيدر زويد، الذي أرسل تغريدة أثر اغتيال تارة فارس، واصفا إياها بأنها عاهرة. مما يمكن ترجمته، على ارض الواقع، بأنها استحقت القتل في وضح النهار.
وهذه ليست المرة التي تقتل فيها امرأة أو يحط من قيمتها كإنسانة من خلال اتهامها وتلويث سمعتها بهذه التهمة. فقد شهدت مدينة البصرة، مثلا، منذ 2003 – 2008، حملة قتل جعلت النساء حبيسات البيوت رعبا. بلغ عدد ضحايا القتل، بأبشع صوره، ما يزيد على الثلاثمائة أمرأه، عثر على جثث، أغلبهن، في الشوارع بعد تعذيبهن. أيامها، عاشت نساء البصرة تحت سيف ميليشيات مسلحة أرادت اخضاعهن للمفهوم الميليشياوي للإسلام، واجبارهن على ارتداء الحجاب والامتناع عن وضع الماكياج أو الانتقام الشخصي او العشائري، وتم ذلك كله في ظل صمت حكومي مدو. من بين الميليشيات التي ساهمت في الحملة جيش المهدي وحركة ثار الله بالإضافة الى فيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني. وكانت لمقولة مقتدى الصدر، قائد التيار الصدري، وجيش المهدي، التي تم بثها تلفزيونيا حول ارتداء الحجاب بأن كل شعرة ظاهرة من شعر المرأة ستكون نارا تلسع الحسين، اذنا شرعيا بجواز تهديد والاعتداء على كل من لا ترتدي الحجاب.
الجدير بالذكر ان توجيه تهمة الدعارة لا يقتصر على المليشيات والتقاليد والتأثير الديني المتطرف، ولا تقتصر التهمة على العاملات في مجال عروض الأزياء أو خبيرات التجميل، بل طالما استخدمت، من قبل الأجهزة الأمنية، لعديد الحكومات، ضد الناشطات مجتمعيا أو المنخرطات بالنشاط السياسي، لمنعهن من مزاولة أي نشاط عام أو حتى العمل خارج البيت. فالمعروف، انه حالما يتم القاء القبض على المرأة حتى يبدأ رشها بالبذاءات واتهامها، مهما كانت خلفيتها الاجتماعية أو السياسية، بأنها عاهرة. وفي هذا يتساوى الجلاد الإسرائيلي الصهيوني مع أمثاله من الجلادين العراقيين والتونسيين، في التفنن بالبذاءة اللفظية والتعذيب الجسدي، كما حدثتني اسيرات فلسطينيات، محررات، وسجينات تونسيات، وعراقيات. انها أداة تشهير معروفة تستهدف اقصاء المرأة وتهميش دورها، بشكل عام، ولا تسلم منها أية امرأة مهما كان موقعها. ولن تتمكن المرأة، من التحرر من هذه الصبغة وغيرها من القيود، الا حين يتم إرساء دولة المواطنة وتطبيق القانون على الجميع بلا تمييز، وان يكون «الشرف» قيمة مجتمعية، يتميز بها ويحافظ عليها الجميع بلا تمييز أيضا.
٭ كاتبة من العراق