هل الزيارات الخارجية دليل تعافي العراق؟
منذ 17 دقيقة
مثنى عبد الله
0
حجم الخط
خلال فترة أسبوع واحد تقريبا زار العراق عدد من المسؤولين العرب والأجانب بمستويات مختلفة. فقد وصل العاصمة بغداد ملك الأردن، وقبله وزير الخارجية الأمريكي، ثم وزير الخارجية الفرنسي، ووزير الخارجية الإيراني، ووزير الدفاع الأسترالي وكذلك الحاكم العام لكندا. وبغض النظر عن الأهداف المعلنة والمخفية التي دفعت هؤلاء للقيام بهذا النشاط الدبلوماسي، فإن الاعلام العراقي التابع للسلطة الحالية، بالغ كثيرا في تفسير طبيعة تلك الزيارات، وأضفى على العراق بسببها عوامل نجاح إقليمي ودولي غير متحققة له في الوقت الحاضر.
فالإشارة إلى أنه بات صمام أمان المنطقة، وفاعلا جوهريا في تحقيق التوازن الاستراتيجي بين العرب وغيرهم في المحيط، وأنه قادر على جمع الأضداد على طاولة واحدة، كلها لافتات وشعارات لا تمت إلى واقع العراق بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، لأن من أبسط المسلمات الأساسية للعب هذه الأدوار، هو أن تكون السلطات قد اعتمدت المصلحة الوطنية أساسا راسخا في منهجها السياسي، كي تنطلق بعدها إلى الخارج في تشكيل علاقات دولية وإقليمية، تحقق مصالح البلد وتعزز أمنه وترسخ استقلاله. كما أن بناء علاقات خارجية رصينة يتطلب أيضا وحدة مصدر القرار، وعدم وجود صُنّاع قرار كُثر ومتعارضين. فالأصوات المتعددة والعناوين الكثيرة تضع العنصر الخارجي إما مترددا في إقامة علاقات صداقة وتعاون جدية، أو تدفعه لاستغلال هذا الحال في إقامة علاقات أحادية النفع يحقق بها مصالحه على حساب مصلحتنا الوطنية. ولو نظرنا إلى الفترة الممتدة من عام 2003 وحتى اليوم، لوجدنا أن الكثير من الدول قد انخرطت بشكل أو بآخر في التواجد على الساحة العراقية، فقد وصل العديد من الوفود العسكرية والاقتصادية والأمنية والسياسية. وافتتح الكثير من البعثات الدبلوماسية والمنظمات الإنسانية والمجتمعية والثقافية والفكرية. كما تحققت زيارات كثيرة تمت على مستوى القمة وما دون القمة. وعُقدت مؤتمرات قمة ووزارية وفنية. كما تواجدت قوات وقواعد عسكرية واستخباراتية، لكن كل هذه النشاطات كانت حصيلتها خاوية، ولم تحقق أي شيء يذكر لصالح العراق، إلى الحد أن البلد مازال حتى اليوم يعاني مواطنوه من نقص كبير في الخدمات الأساسية، في حين أن من المسلمات الأساسية في العلاقات الدولية، استثمارها في تحقيق المصالح، وتبادل الخبرات والمنافع وسد النقص الحاصل في كل القطاعات. ولعل السبب الأساسي في ذلك هو وجود انفصام بين حقيقة ممارسة السلطة والشكل الخارجي للدولة في العراق، أي أن جهاز الدولة ككل قائم، لكن السلطة موجودة في مكان خارج الدولة، إنها موزعة على الزعماء الحقيقيين في البلد، وهم زعماء الكتل والأحزاب والميليشيات والعصابات المسلحة، وهؤلاء كلهم لديهم التزامات خارجية وولاءات طائفية وإثنية تسمو فوق الولاء للوطن، ما يجعل طموح بناء علاقات خارجية سليمة لا يمكن تحقيقه إطلاقا. لذلك وجدنا أن العديد من الزوار وبمختلف المستويات يلتقون أكثر من طرف في هذا البلد، ويتنقلون إلى أكثر من مكان فيه لعقد لقاءات. فالزائر مجبر على لقاء زعامات تمثل الطوائف والإثنيات، لذلك بقي الدور الفرنسي، على سبيل المثال، ضعيفا ولا يتماشى مع اهتماماتها الخارجية، وحتى القروض والمنح والمشاركة العسكرية في محاربة ما يعرف بتنظيم «الدولة»، بقيت كلها ضعيفة ولا تتناسب مع إمكاناتها ودورها في ساحات أخرى.
- اقتباس :
العراق لايزال عاجزا وغير مهيأ للقيام بأي دور في المنطقة، لأنه غير قادر على تشكيل نظرية أمن قومي خاصة به
إن التثقيف بأن العراق بات اليوم مُهيّئا للعب دور الوسيط النزيه بين الأطراف المتصارعة في المنطقة مجرد وهم، وهي كلها مجرد دعايات تكرر الحديث عنها أكثر من مرة، من دون وجود عوامل فاعلة تمكنه من القيام بذلك. فكيف يمكن أن يكون وسيطا نزيها بين السعودية وإيران، أو بين دول الخليج عموما وإيران، في حين أنه يضع كل إمكاناته لدعم السياسات الإيرانية، في سوريا ولبنان والبحرين واليمن؟ بل كيف يمكنه القيام بهذا الدور وهو يضع كل إمكانات العراق المادية والبشرية في خدمة نظرية الامن القومي الايراني؟
إن من يقول بأن العرب وعوا أخيرا بأنه لاعب مهم وأساسي في المنطقة لذلك يسارعون للانفتاح عليه ليس حقيقة. إن محاولة الانفتاح العربية على العراق كانت بدعوات أمريكية وليس بوعي عربي صادق، وتلك الدعوات ليست لسواد عيون العراقيين، بل لجعله ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران. فقد سمح الامريكان لطهران بالتمدد في هذا البلد عندما كانت تغازلها للوصول إلى اتفاق، واليوم وبعد أن انسحبت من الاتفاق راحت تعد العدة لجعله ساحة منازلة.
إن بناء علاقات خارجية صحيحة وصحية بين العراق ودول الجوار وما بعد الجوار، يتطلب وجود استراتيجية واضحة لتحقيق هذا الهدف. أول بنود هذه الاستراتيجية وجود مصدر قرار سياسي واحد، وأن يكون هنالك تناغم تام بين كل القوى المشاركة في الحكم بهذا التوجه. كما أن الانضباط في التصريحات التي تمس الدول يجب أن تكون أحد مضامين هذه الاستراتيجية. فهل من المعقول أن يكون ملك الاردن في بغداد بينما يظهر أحد زعماء الميليشيات علنا لينتقد السلطات الاردنية، ويقول إنهم يميزون بين العراقيين على أساس طائفي في منافذهم الحدودية؟ أو تُعلن أطراف مهمة في السلطة عن احتضان وفتح مكاتب لمعارضات تناكف نظام عربي في هذه الدولة أو تلك؟ وكيف يمكن للدول العربية أن تقوم بتوقيع اتفاقيات تعاون تجارية واستثمارية مع العراق، في حين أن زعماء الميليشيات يقومون علنا بتهديد الشركات العربية من العمل في الساحة العراقية، كي لا تحصل منافسة بينها وبين الشركات الإيرانية؟ ألم تبق عقود المئات من الشركات السعودية، في الانفتاح الأخير في عهد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، مجرد حبر على ورق؟
إن الاحتكار الحصري للسوق الاقتصادية والاستثمارية العراقية من قبل إيران، عامل طارد لكل الشركات الأجنبية ومن ورائها الدول التي تحمل تلك الشركات جنسياتها. وقد برز هذا واضحا في المؤتمرات التي عُقدت من أجل إعادة إعمار العراق، فقد تناقصت أرقام الهبات بشكل كبير، وتراجع الكثير من الدول عن تعهداته بتقديم الدعم المادي، بل تبين أن العديد من الدول التي أعلنت عن تقديم هبات إلى الجانب العراقي قد قامت بتسجيلها كقروض عليه. ولعل السبب في ذلك يكمن في احتكار طرف واحد للسوق العراقية، بينما حين تُقدّم الدول المعونات فإنها تأمل في تحقيق عقود كبيرة تغطي ما قدمت.
العراق لايزال عاجزا وغير مهيأ البتة للقيام بأي دور في المنطقة، لانه غير قادر على تشكيل نظرية أمن قومي خاصة به، ما يعني أنه سيبقى في دور المفعول به وليس الفاعل، أي أن كل العوامل التي صنعت العراق ككيان سوف تبقى حالة استثمار من قبل الآخرين لتحقيق مصالحهم.
*كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية