[size=32]
برهم صالح يتعثر في محاولته ترسيخ صورة الرئيس موضع الوفاق
[/size]
هيبة الرئاسة العراقية اضمحلت بفعل تعدّد الرؤوس وكثرة المراجع، واجتماع تشاوري يتحوّل من مناسبة لجمع الفرقاء إلى منبر لتكريس الانقسام.
العرب / عنكاوا كومما قيمة الكاريزما في غياب الصلاحياتالحراك الكثيف للرئيس العراقي برهم صالح ومحاولته استخدام شبكة علاقاته الدولية وما يتمتع به من كاريزما شخصية، لم تكن كلّها كافية لاستعادة موقع رئاسة الجمهورية لهيبته التي اضمحلّت، ليس فقط بفعل طبيعة النظام القائم في العراق، ولكن على وجه الخصوص بفعل تعدّد الرؤوس وكثرة المراجع وتشتّت مراكز القرار.
بغداد - فشلت جهود الرئيس العراقي برهم صالح في تحقيق اختراق يسهم في تجاوز حالة الجمود التي تهيمن على الأجواء السياسية في بغداد ليتحوّل لقاء رفيع استضافه في قصره إلى مناسبة للكشف عن عمق الانقسام بين الفرقاء.
وباغت صالح المراقبين بالإعلان عن استضافته لقاء سياسيا يحضره كبار القادة والزعماء في البلاد تحت عنوان “الاجتماع التشاوري” بهدف “التشاور حول رؤية وطنية تلبي وتعزّز مساعي النهوض بواقع العراق”.
وبدا لمتابعين للشأن العراقي، أنّ الخطوة التي أقدمت عليها الرئاسة العراقية، جاءت متسرّعة ودون استيفاء لما تتطلّبه من تحضير مسبق.
وأرجع مصدر سياسي تحدّث لـ“العرب” ذلك إلى ما سمّاه “فشل الطاقم المحيط بالرئيس برهم صالح وسطحيته في قراءة المشهد السياسي المتشعّب وعدم إدراكه لعمق الخلافات القائمة بين مكوّنات ذلك المشهد، بحيث يستحيل جمعها بمجرّد دعوة من الرئاسة”.
وعبّر ذات المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، عن شكوكه بأن “أقصى هدف من الاجتماع كان تكريس صورة برهم صالح كرئيس مختلف قادر على التأثير وجمع الفرقاء حول شخصه على موقف موحّد من القضايا الكبرى للبلاد”.
وأوضع أنّ “صالح تحرّك منذ تسلّمه منصب الرئيس بكثافة وفي كلّ اتجاه مستخدما ما يتمتع به من كاريزما وما لديه من شبكة علاقات دولية، لإثبات فاعلية دوره في المشهد ولتجاوز عقدة صورية منصب الرئيس وشكليته وافتقاده للصلاحيات”.
تحرك برهم صالح منذ تسلمه منصبه في كل اتجاه لإثبات فاعلية دوره في المشهد ولتجاوز عقدة صورية منصب الرئيس
ومع بدء ورود الصور الأولى من قصر الرئيس مظهرة وصول رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ازدادت التوقعات بأن يسفر اللقاء عن كسر الجمود الذي يعيق استكمال الكابينة الوزارية. ولكن الساعة الأولى من اللقاء كشفت تخلف شخصيات بارزة عنه لأسباب مختلفة.
وعلمت “العرب” أن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي تخلف عن حضور اجتماع “قصر الرئيس” بسبب وجود المالكي، فيما غاب زعيم تيار الحكمة عنه بسبب مشاركة زعيم المشروع الوطني خميس الخنجر فيه، بينما امتنع زعيم تحالف الفتح هادي العامري عن الحضور بسبب “وجود شخصيات لا يرغب في لقائها”.
أما زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي فلم يُكمل اللقاء وانسحب في منتصفه، لأسباب غامضة حاول مكتبه تفسيرها بالحديث عن أزمة صحية عارضة ألمّت به، في حين أرسل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ممثلا مغمورا إلى اللقاء.
واللافت أن الرئيس العراقي دعا إلى هذا اللقاء بعد عودته مباشرة من جولة خارجية شملت مصر وفرنسا ما أوحى بوجود ملفات طارئة. لكن المقاطعة السياسية التي تعرض لها فضلا عن تضمن بيانه الختامي حديثا عاما قلّلا من أهمية اللقاء.
وتجنب البيان الإشارة إلى حسم الموقف السياسي من ملفين حساسين الأول يتعلق باستكمال الكابينة الوزارية المنقوصة والثاني يتعلق بمستقبل الوجود الأميركي العسكري في العراق.
وقال المتحدث باسم رئيس الجمهورية لقمان الفيلي إن “الاجتماع بحث تطورات الأوضاع السياسية والأمنية وآخر المستجدات في الحرب ضد الإرهاب والموقف من التواجد العسكري في البلاد وما تم تنفيذه من البرنامج الحكومي والعمل على تجاوز الخلافات”.
وأضاف أن “المجتمعين ناقشوا ضرورة اعتماد رؤى وأفكار تساعد راسمي القرار السياسي في إدارة البلاد وتحقيق نهوضه وازدهاره وحلحلة الإشكاليات التي تعترض العملية الديمقراطية في العراق.
كما تم التطرق إلى التشريعات الأساسية التي تهم المواطن والعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية”، موضحا أن رئيس الجمهورية أشار إلى “نتائج جولاته العربية والإقليمية ومشاركته في مؤتمر القمة العربية الأوروبية التي تعكس انفتاح العراق على الأشقاء والأصدقاء”.
ومن جهته قدّم رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي “شرحا مفصلا حول تطورات الوضع الأمني وخصوصا في المناطق المحررة (المستعادة من تنظيم داعش) واستعدادات القوات الأمنية في هذا الشأن، إضافة إلى خطط الحكومة في معالجة ملف الخدمات”، فيما استعرض “رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أهم الملفات التي سيعالجها المجلس في فصله التشريعي القادم والاستحقاقات الدستورية التي تنتظر مناقشتها من قبل أعضاء مجلس النواب بعد استئناف المجلس لجلساته الأسبوع القادم”.
وقال الفيلي إن “المجتمعين أكدوا على أن أولويات القيادات العراقية حفظ سيادة البلاد وانتهاج سياسة النأي بالنفس والابتعاد عن سياسة المحاور وإبعاد البلاد عن النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية وأن يكون ساحة للتلاقي وتغليب مصلحة الشعب العراقي والعمل على تبني شعار العراق أولا”.
ولفتت مصادر سياسية عراقية إلى أنّ اللقاء جاء على خلفية جدل سياسي بشأن استئثار كل من مقتدى الصدر وهادي العامري بملف تشكيل الحكومة واقتصار مفاوضات تسمية الوزراء وتوزيع المناصب الحساسة عليهما.
ومنذ أسابيع توقفت اللقاءات بين لجنتي التفاوض الممثلتين لتحالف الإصلاح الذي يضم مقتدى الصدر وحلفاءه وتحالف البناء الذي يضم هادي العامري إلى جانب عدد من الكتل والتيارات، وتحولت المفاوضات إلى لقاءات تقتصر على ممثلين عن تحالف سائرون الذي يتبع الصدر وتحالف الفتح الذي يتزعمه العامري.
اجتماع يعمق الانقساموقال محمد الربيعي وهو نائب عن كتلة صادقون التابعة لزعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وهي جزء من تحالف البناء “لا يمكن اختزال تحالف الإصلاح بسائرون كما لا يمكن اختزال البناء بتحالف الفتح”.
وتدور جل مفاوضات تحالفي سائرون والفتح حول تسمية وزير للداخلية، إذ تريد كتلة الصدر منع كتلة العامري من إيصال مرشحها فالح الفياض المعروف بولائه لإيران إلى هذا المنصب.
ويقول الربيعي إن “عقد اجتماع بين الإصلاح والبناء يحتاج إلى إرضاء الأطراف كافة للمشاركة فيه وهذا قد يؤخر من موعد انعقاده”، مشيرا إلى أن “الخلاف بين تحالفي الفتح وسائرون هو ما أخّر حسم اختيار وزير ليتولى حقيبة الداخلية، لذلك عقدت الاجتماعات الثنائية بين الجانبين بغية التوصل إلى حل نهائي والخروج بمرشح واحد لهذه الوزارة”.
ويعتقد على نطاق سياسي واسع في بغداد أن الصدر والعامري عزلا معظم أركان الطبقة السياسية في البلاد عن التأثير في ملف تشكيل الحكومة وهو ما قد يعرّضها إلى هزات سياسية تأتي من البرلمان، بما في ذلك من قوى متحالفة مع كل منهما.
لكن تنسيق الصدر والعامري مع كل من رؤساء الحكومة والجمهورية والوزراء ربما يوفر حصانة مؤقتة لكابينة عبدالمهدي، وفقا لمراقبين.
428K Google +11.5K 10.8K 5512 5152 1623