مقابلة مع الدكتورة فريدة محمد غزال حاورها د. ماجد خليل

مقابلة مع  الدكتورة فريدة محمد غزال حاورها د. ماجد خليل

اقتباس :

تسألني عن ألق الخيال،إنّه ذلك العالم الرحب ،عالم الحريّة المطلقة،تجوب فيه على سجيتك،لا رقيب ولا حسيب،في ذاك العالم تنفرد بذاتك تخترق الحواجز وتطلق العنان لروحك لتحلق في الأجواء أو تغوص في الأعماق،هناك فقط تلتقي وجها لوجه مع صورتك الحقيقية

طعم الواقع،يتغير بتغير الأوقات والشهية للحياة،فتارة يكون حلوا حتى أنّنا لا نشبع منه ونتمنى لو أن هذا المذاق لا يمحى فنرى الألوان كلها بنفسجية ،وتارة يكون مرّا كالعلقم فتسودّ الدنيا أمام أعيننا ونفقد تلك الشهية وبفقدانها نرى الأشياء على حقيقتها
إذا سأل أهل اللغة العربية : من انت جملة وتفصيلا، فبما عساك تجيبهم شعراً ونثراً؟

ــــــــــــــــــــــــــ من أنت ؟

أنت نقطة
في فضاء رهيب....سحيق
ليس له
نهاية
أنت ذرّة
في حبائل شمس.... ضاربة
على وجه البسيطة
أنت قطرة
من مطرة
ولدتها سحابة قاتمة
عصفتها الرياح....تلقّفها التيّار
إلى مجرى الحياة
أنت نقطة...ذرّة...قطرة...
أنت زهرة
مثلها زهيرات كثيرة
على نفحات الطبيعة تتهادى
فوق الغصون
ضمّتها العيون.... أذبلتها السنون
سحقتها النهاية
وإذا أنت....في يوم ما...كأن لم تكن


ـ 1 -كيف ترى اليوم حال (أهل العربية) القدماء؟ تراهم أضاعوها واتبعوا ما لا ترجى فائدته، وصاروا ممن خلفوا الذين قضوا قبلهم، فأضاعوا العربية الفصحى واتبعوا أهواءهم مقتفين أثر كل ما لا يفصح ولا يبين؟ أم أنهم حفظوها وقدروها حق قدرها؟ ثم كيف هو حال الشعر العربي المعاصر؟
لا أحد ينكر أن لنا إرثا ثقافيا هائلا يزخر بالعلوم والابداع في شتى المجالات،ولكنه مع الأسف الشديد تبدد وعبثت به الأنفس التي استحوذت عليها الأنانية ولعبت بها شهوة السلطة وأهواء المجد،
فلو تكلمت صراحة عن حال أهل العربية اليوم لقلت هم في حالة يرثى لها ،كثير من التهميش وتنصل جلي من الهوية العربية وذلك جرّاء تراكمات عدة سياسية واجتماعية ،حروب أكلت الأخضر واليابس فعم الفقر والجهل وأصبحت الحروف لا تسمن ولاتغني من جوع،ثمّ تهافت رهيب على التقليد الأعمى حتى أضعنا خطوتنا وابتعدنا عن الطريق القويم،أمّا الشعر العربي المعاصر ففيه الغثّ والسمين،ويجب أن لا ننكر دور الاعلام ومواقع التواصل،فهي بالرغم من أنها أتاحت الفرصة وفتحت الباب على مصراعيه للمتطفلين على الشعر وعلى الأدب عامّة،إلا أنّها أيضا سلطت الضوء على الكثيرين من المواهب الّذين تشبثوا بلغتنا الأمّ فأبدعوا وأثروا الساحة بعطاء محترم يليق بلغة الضاد،

ـ 2 -هل بلغ الشعر والنثر العربيان اليوم بعضاً من ذروتهما قديماً؟ وهل أخذا المكانة اللائقة بهما في عالم الأدب الراهن؟
نستطيع أن نقول أن هناك صحوة اليوم،واجتهاد واضح في استرجاع مجد لغة الضاد ،خاصة بانتشار وسائل التواصل التي مكنت الجميع من ابراز قدراتهم،ويظهر ذلك جليا في وفرة المنابر الأدبية والشعرية التي تسعى جاهدة لتحفيز الأدباء والشعراء بتكريمهم وتشجيعهم على تقديم الأفضل

ـ 3-هل ثمة بالفعل أجناس نثرية وشعرية عربية، أم أنه الأدب أو الشعر والنثر وكفى؟
بالفعل هناك أجناس نثرية وشعرية عربية،مختلفة ومتنوعة ومواكبة لعصرنا هذا ،أي عصر السرعة والاختصارمع ابداع مكثف و جمال في الصياغة و النسج و السرد حد الإبهار
ـ 4- ما حقيقة الأساليب النثرية والشعرية العربية قديماً وحديثاً؟
الأساليب النثرية والشعرية قديما وحديثا مرت وتمرّ بتغيرات تبعا للتأثيرات التاريخية والبيئية،فمسألة مقارنة النثر بالشعر والسؤال أيّهما أبلغ وذو قيمة أكثر ما زال قائما إلى يومنا هذا،فقديما كان الشعر المقفى هو الطاغي،كذالك كان فنّ الخطابة والرسائل محل اهتمام كبيرين لأهميتهما في تبليغ الآراء والأفكار،واليوم أخذ النثر الصدارة لامكانية التعبير دون قيد أو وزن معين
ـ 5 - كيف ترى الرسائل الشعرية المتبادلة بين الشعراء؟ وهل سبق لك أن راسلت بعض الشعراء شعراً؟
الرسائل الشعرية بين الشعراء فن رائع لا يتقنه الكثيرون ،وتقام في بعض الملتقيات ما يسمى سجالا سواء حرّا أو بين شخصين وأجد متعة كبيرة في متابعة هذه اللقاءات الشعرية،غير أنّ مشاركتي اقتصرت على السجال الحر لأني تنقصني سرعة البديهة والشعر عندي هو تمخض عن احساس ما يطغى على ذهني ويجبرني على التشبث به في اللحظة، وإلّا فهو يتبخر كالدخان.
ـ 6 - ما هي القصيدة العربية التي بقيت راسخة في ذهنك بعد أن قرأتها؟ وهل من ديوان شعر سبق أن قرأته وتجد له مقاماً محموداً في نفسك؟
قرأت و أقرأ الكثير وتعجبني قصائد كثيرة خاصة الشعر الجاهلي ولكني لا أحفظ القصيدة بأكملها بل آخذ بيتا أبيتين أستدل بهما في كتاباتي أو ردودي،أمّا الشعر الحديث فيعجبني أبو القاسم الشابي ،ومحمود درويش،ونزار قباني
ـ 7 - ترى هل يقوم العنوان الشعري مقام القصيدة الشعرية ويشغل مكان الديوان الشعري؟ وهل هو بالفعل جزء منهما، أم أنه كائن مستقل بنفسه عنهما؟
ممّا لا شك فيه أن للعنوان الشعري أهمية قصوى تضاهي أهمية القصيدة الشعرية والديوان،فهو جزء منهما من ناحية الدلالة وارتباطه بالمعني ولكنّ،يمكن أن نعتبره كائن مستقل بنفسه من ناحية الأهمية وما يحتويه من رموز وشفرات تقتضي حلها للعبور إلى معنى ودلالات القصيدة

ـ 8 - ما القيمة الأدبية والنقدية التي تنطوي عليها المشاهد المرئية في واقع الحياة الإنسانية، والأصوات المسموعة مقارنة مع سائر الذي يتم التعبير عن طريقه من شعر أو نثر؟
كل المشاهد المرئية والمسموعة في واقع الحياة الانسانية يشتمل على قيمة أدبية ونقدية في نفس الوقت
وهذه المشاهد ما هيّ إلا تعابير فنية اعتمدها الانسان ليعبر بها عن حالة ما ،كالتمثيل والرقص والموسيقى والرسم ...أمّا بالنسبة للشعر أو النثرفالاحساس يكون أعمق حسب رأيي وذلك ليس تقليلا من شأن الفنون الأخرى، الحياة بأعبائها كالفقر والبؤس والمرض والظلم والحروب و...و...و...ترهقنا عندما ننشغل بها وطبعا عندما نشعر بكلّ هذه المآسي نتألّم وبالتّالي نكتب، لأنّ الوحيد الّذي سيتحمّل شكوانا وشجوننا هوالقرطاس ومن يخطّها هو القلم.فالألم وهو احساس صادق يولّد الطاقة للكتابة والابداع.فتكون هذه الكتابة انفجارا ،يولّد انفراجا وهي تأخذنا قسرا عندما يكتظّ داخلنا بمشاعر وأفكارتنوء أكتافنا عن حملها فلا نجد متنفّسا الّا القلم والقرطاس فنلجأ للكتابة ليخفّ الحمل ويعود التوازن الى النفسية المتعبة بعد لحظات التأمّل الفلسفية الّتي تولّد لدينا الحيرة والشعور بالفراغ.
فتجدنا دائما نتأرجح بين مدّ وجزر،بين أخذ وردّ،بين بوح ينهمر فيدخل للنّفس الفرح والرضى وبين لحظات عجز تامّ وكأنّ المعين نضب.فينتابنا الشعور بالاحباط والخيبة.وهذا الشعور هو الّذي يبعث في أنفسنا فكرة الاعتزال.ولكن تبقى هذه الأفكار حينية سرعان ما تنمحي بهطول الالهام.
ورغم كلّ هذا ،فنحن لا نستطيع أن نرمي بالقلم جانبا حتّى ولو أردنا.لأنّ القلم هو مفتاح الحياة.والكتابة هي فعلا الحياة بكلّ ما فيها من صفو وكدر من فرح وحزن،من طمأنينة وقلق.والكاتب يعيش هذه الأحاسيس بعمق أكثر من غيره لرهافة حسّه.لذا تراه متقلّبّ المزاج،متوتّرا وعندما يصل به المطاف إلى مرحلة القنوط واليأس حينئذ تنفرج الأزمة ويُنفّس عن خاطره بالكتابة ويُبعث للحياة من جديد.
وطبعا يجب أن لا ننكر أنّ الكتابة تحقق لنا نصيبا لا بأس به من الفرح،خاصّة لحظات ما بعد البوح.عندما نشعر أنّنا بلّغّنا أفكارنا وما يجول بخاطرنا إلى القرّاء وعندما نتأكّد أنّ ما كتبناه لامس مشاعرهم.تلك هي لحظات السعادة في زمن شحّت فيه السعادة والفرح.
ـ 9 - أما زلت تذكر أولى كتاباتك الأدبية، وتحتفظ في ذاكرتك بأولى نظمك الشعري؟
كتاباتي الأولى كانت على شكل مذكرات،لازلت أحتفظ بالبعض منها ،هي خربشات مراهقة ،صادقة فيها كم من المشاعر البريئة والعميقة،هي أوّل ارتطام بأحاسيس الحياة المختلفة،أما القصائد فكانت قصيدة بالفرنسية وقصيدة قلتها للتعبير عن حزن عميق ألم بي أنذاك
ـ 10 - ما عساها كانت تعنيه تلك الكتابات وذلك النظم بالنسبة إليك بالأمس؟ وما الذي تدل عليه اليوم في رأيك؟
كانت كتاباتي الأولى مجرد تفريغ شحنة من مشاعر المراهقة والتعبير عن أحاسيسي ومتنفس ألجأ إليه لأبثه أشجاني،وتبقى تلك الكتابات تحمل كلّ عفويتي وكل ذكرياتي بحذافيرها،أعود إليها فينتصب الماضي أمام عيناي بكل جزئياته،فأشعر بالحنين لتلك الأيام وتلك المشاعر

ـ 11 - هل صحيح أن الشعر العربي سيظل ديواناً للعرب دون منازع له في هذه الصفة أو منافس له في مكانته؟
نعم الشعر العربي هو ديوان وسيظل كذلك،علينا فقط الحفاظ عليه والاهتمام به وتشجيع الشعراء على مزيد العطاء والابداع ليزدهر ،فلغة الضاد باذخة ومبهرة تمكن متقنها من صياغة بلاغية متناغمة و تمكنه من تمثيل الصورة و نحتها بما يرتقي بالقصيدة أو النص إلى مستوى الابداع
ـ 12 - كيف تنظر إلى ضمير المتكلم "أنا" في الأعمال الأدبية النثرية والشعرية؟
الكتابات التي تجسد الأنا هي أصدق الكتابات ولذلك هي تدخل وتمس شغاف القلوب دون استئذان
هي نابعة عن تجارب وأحاسيس معاشة،وكل قارئ سيجد نفسه فيها من قريب أو من بعيد.

ـ 13 . ما نصيب الإلقاء الشعري من اهتمام وعناية الشعراء العرب المعاصرين؟ وما الذي يعنيه بالنسبة إلى القصيدة العربية؟
الإلقاء الشعري هو جزء لا يتجزأ من جمالية القصيدة ويضفي عليها رونقا وسحرا،لكن مع الأسف ينقصنا هذا الفن فهو في نظري لا يحضى بالاهتمام الذي يليق به

ـ 14- ترى هل سبق لك أن صادفت في قراءاتك قصصاً وسيراً ذاتية شعرية؟
طبعا قرأت الكثيرولكن مهما حاول الشاعر الابتعاد عن الذاتيه في أشعاره فهو لن يتمكن وإن تمكن فلن يكون ناجحا ولن تلامس أشعاره القلوب
ـ 15 - ما الذي تراه في شأن صلة الأدب شعره ونثره بالخلق الرفيع؟ وهل تستوي دعوة من ينادي بأن الأدب يجب أن لا تكون له غاية سوى الأدب مع من يرفع صوته بالدعوة إلى أن يكون الأدب وسيلة من أجل الرقي بالحياة الإنسانية إلى ما يزكيها، والسمو بها إلى ما يحييها؟
من دخل عالم الأدب ولم يتهذّب ذوقه في لبسه وهندامه وخاصّة منطقه في الكلام كإختيار الألفاظ المناسبة للتعامل مع البشرلأنّ كلامه وأفعاله يجب أن تكون قدوة حسنة و لم يتحلّى بالأخلاق الحسنة والتفكير الرزين وبالتالي فإن هذا العقل المفكر يجب أن يستخدمه حامله العاقل الرزين في حياته خير استخدام من خلال تفكير جيّد يساعده على التعامل بلباقة مع محيطه كما أن القراءة يجب أن تكون دافعا ومحفزا لتطور الأخلاق واكتساب القيم الإنسانية فيكتسب الإنسان كلّ الجمال ... جمال الروح والطباع والاخلاق والعقل الرزين والقلب الطيب والكلمة الصادقة النابعة من القلب .
فمن لم يكن يتحلّى بهذه الخصال فهو يعاني من عقم التفكير وضحالة الثقافة وهو في نظري الشخصي لا يمتّ للأدب بصلة ،والأدب بريء منه ولو كان معه ألف شهادة ماجستيروألف دكتوراه.
ـ ترى ما نصيب تجلياتك في كتاباتك الأدبية نثرها وشعرها؟ وما حظ وجود ذات زياد في قراءاتك؟
كتاباتي فيها شذرات من حياتي،صور ولوحات تعكس جوانب من رحلة عمر اصطبغت بكثير من الذاتية،دون أن يغيب عنها الموضوعيّ،ذلك أنّ الذاتي والموضوعي وجهان متلازمان لشيء واحد هو الوجود الانساني ،لذلك يجد فيه كثيرون صورا من حياتهم،مرايا تحكي أحداثا ووقائع عاشوها وإن اختلفت جزئياتها لكنها حياة كلّ امرئ بكل تناقضاتها،فيها السعادة ولا تخلو من شقاء،يكتنفها الأمل، ولا يغيب عنها اليأس،يتحلى الفرد فيها بالقوّة في محطّات منها ويضعف في أخرى،وهكذا دواليك...ذلك وجه من أوجه الأدب،وهل يكون الأدب أدبا إذا لم يصوّر حياة أصحابه؟
فريدة محمد غزال

[rtl]






أتقدم بوافر الشكر والتقدير والعرفان للمجلس الأعلى للإعلام الفلسطيني وللدكتور الموقر لطفي الياسيني و للدكتور ماجد خليل لاتاحة الفرصة لحرفي أن يعبر عن خوالجه، كلي فخر واعتزاز بهذه اللفتة الكريمة،وكم اتشرف واعتز بثقتكم الغالية و تحية للهيكل الاداري والى كل نبض في هذه الدار الوارفة بالعلم والمحبة والخير والسلام
دمتم ودام صرحكم الرائد وبوركت مساعيكم لنشرالثقافة والأدب[/rtl]