صفوت الشريف وابتزاز الفنانات ... شهود على انحرافات رجل المخابرات
القاهرة- العربي الجديد/ محمد كريم:تقول العبارة الشهيرة "لا تبقى للراحل سوى سيرته الطيبة". لكن وفاة صفوت الشريف فجر الخميس الماضي أثبتت أن هذه المقولة ليست حقيقية بالضرورة. فمع إعلان خبر وفاته عن 87 عاماً جراء مضاعفات إصابته بفيروس كورونا وسرطان الدم في مستشفى وادي النيل التابع للمخابرات العامة، عادت إلى الواجهة تفاصيل سيرته الطويلة التي تعمّدت بالفساد منذ سنواته الأولى في العمل الأمني.
فمنذ أكثر من ثلاثة عقود تلاحق اتهامات الفساد الشريف، من دون أن ينفيها أو يقاضي من ادعاها ونشرها في ثمانينيات القرن الماضي. وهو ما جعل تلك الأخبار تترسخ بصفتها حقائق لا شك فيها. وتتمحور هذه الاتهامات حول سنوات الشريف في عهود كل من الرؤساء جمال عبد الناصر ثّم أنور السادات، ثمّ المخلوع محمد حسني مبارك، والأساليب التي استخدمها في إدارة العمل الأمني.
مبكراً التحق الشريف بجهاز المخابرات العامة بعد تخرجه من الكلية الحربية. وقد خرج اسمه إلى العلن للمرة الأولى في ستينيات القرن الماضي حين بدأت التحقيقات الخاصة بقضية "انحراف جهاز المخابرات" إضافة إلى بعض المؤلفات الفضائحية عن تلك الحقبة من تاريخ مصر.
في يونيو/حزيران 1988 أصدرت الفنانة اعتماد خورشيد كتابها "شاهدة على انحرافات صلاح نصر". وقد أثار مضمون الكتاب جدلاً كبيراً، بعدما سلّط الضوء على دور صفوت الشريف في تجنيد الممثلات للعمل معه عبر الإيقاع بهن وتصويرهن في أوضاع شخصية وخاصة للسيطرة عليهن، كل ذلك تحت إشراف رئيس جهاز المخابرات صلاح نصر.
وذكرت خورشيد أسماء بعض الفنانات اللواتي تعرضن للاستغلال والابتزاز الجنسي، بعد تصويرهن. وقد صدرت تصريحات وحقائق بعد سنوات جعلت رواية خورشيد أقرب إلى التصديق. فعلى سبيل المثال كشف الفنان الراحل عمر الشريف أن صفوت الشريف طلب منه إقامة علاقة مع ممثلة لبنانية تمهيدًا للوصول إلى والدها وتصفيته.
في تلك السنوات كان الاسم الأمني للشريف هو الرائد موافي، وقد انتهت هذه الحلقة من تاريخه بفصله من جهاز المخابرات العامة سنة 1968 بعد تحقيقات سرية. وفي سنوات حكم مبارك الأخيرة خرجت إلى العلن ما قيل إنها وثائق مسربة للتحقيقات مع الشريف يعترف فيه بدوره في عمليات التجنيد والابتزاز هذه. وقتها وضعت هذه التسريبات في إطار المعركة التي خاضها جمال مبارك لتصفية الحرس القديم من رجال والده تمهيداً لتسلمه السلطة.
وخلال مقابلتها في برنامج "أنا والعسل" مع الإعلامي اللبناني نيشان ديرهاروتيونيان عام 2012، كررت خورشيد وهي الزوجة السابقة لصلاح نصر، الاتهامات الموجّهة إلى صفوت الشريف. وأكدت أنه كان يسيطر على عدد من السياسيين والوزراء في كل الحكومات. كما أنه كان يبتز مبارك نفسه، وهو ما جعل الجميع يخشونه حتى وهو داخل السجن. وذهبت خورشيد أبعد من ذلك متهمة الشريف بقتل العازف والممثل عمر خورشيد (ابن زوجها أحمد خورشيد والأخ غير الشقيق للفنانة شريهان) بعدما تجرأ هذا الأخير على تهديده للابتعاد عن سعاد حسني والتوقف عن ابتزازها.
https://www.youtube.com/watch?v=FDXo5-ktXnA&feature=emb_title
كتاب اعتماد خورشيد لم يكن الإصدار الوحيد الذي تناول تلك الحقبة، وعلاقة الشريف بعمليات تجنيد الفنانات بعد ابتزازهن جنسياً. الصحافي عادل حمودة نشر كذلك كتاب "نساء صفوت الشريف"، كما اتهمت جنجاه عبد المنعم وهي شقيقة سعاد حسني في كتابها "سعاد: أسرار الجريمة" (2016) صفوت الشريف رسمياً بقتل حسني عام 2001 بعدما أعلنت هذه الأخيرة أنها بصدد نشر مذكراتها.
وقد أوردت عبد المنعم في كتابها نص التحقيقات مع الضابط موافي (أي صفوت الشريف) في 29 فبراير/شباط 1968، يؤكد فيها أنها كان مكلّفا الحصول على صور أو أفلام جنسية لبعض الأشخاص، بينهم فنانات، يمكن استغلالها لتجنيد هؤلاء الأشخاص. يوضح في التحقيقات نفسها أن هذه الخطة بدأت بين العامين 1962و1963، وأن سعاد حسني كانت ضحيته الأولى، مفصلاً كيف جهّز الشقة والكاميرات، لتصويرها مع أحد رجال المخابرات.
كل ما سبق طفا على الوجه في الأيام الثلاثة الأخيرة. فما نشرته عبد المنعم لم يكن وحده الدليل ضدّ إدانة صفوت الشريف. فبعد شهر واحد على إطاحة مبارك في فبراير/شباط 2011، نشرت صحيفة الوفد الحزبية المصرية، نص التحقيقات مع "الرائد موافي"، في قضية "انحرافات المخابرات"، اعترف فيها بأنه قاد عمليات السيطرة والإيقاع بدبلوماسيين عرب وأجانب، مستخدماً شخصيات نسائية شهيرة. وأفاد أنه شارك بنفسه في عمليات تصوير الفنانات – وأبرزهن سعاد حسني ــ وذلك في أوضاع جنسية، ثم المداهمة والتهديد بالفضح، بغرض ابتزازهن وإرغامهن على العمل لصالح الأجهزة الأمنية. ووفقاً للصحيفة فإنها حصلت على أربعة تقارير صادرة عن جهاز أمن الدولة وتحمل صفة سري للغاية، موقعة من العقيد حسن صلاح إبراهيم.
وشملت التقارير خطة التخلص من سعاد حسني تنص على مراجعة التحريات المبدئية حولها، ليتبين أنها تعاني من أمراض واضطرابات نفسية بسبب طول فترة علاجها في الخارج. وبناء عليه صدر القرار بتصفيتها عن طريق إلقائها من شرفة منزلها في لندن.
ومع نشر خبر وفاة صفوت الشريف فجر الخميس، صرّحت جانجاه عبد المنعم لأحد المواقع الإخبارية قائلة "ربنا موّته بأقل مخلوقاته (أي الفيروس)، كل هذا الجبروت مات بأقل مخلوقات المولى عز وجل، سبحانك يا رب، أنت سبحانك المنتقم الجبار".
وبعد إسقاط مبارك في 11 فبراير/شباط 2011، وجهت لصفوت الشريف تهم عدة، منها قتل المتظاهرين في ميدان التحرير، والشروع في قتل آخرين، وتنظيم وإدارة جماعات من البلطجية للاعتداء على المتظاهرين وقتلهم، واستغلال النفوذ للإثراء. وبعدما نال البراءة مع متهمين آخرين في القضية المعروفة إعلاميا بقضية "موقعة الجمل"، أفرج عنه في فبراير/شباط 2013 بضمان محل إقامته، مع استمرار التحقيق معه في تهم فساد أخرى. وفي سبتمبر/أيلول 2020، أيّدت محكمة النقض، الحكم الصادرضده بالسجن 3 سنوات وغرامة مالية، إثر إدانته في قضية كسب غير مشروع.