انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين في العراق.. "ردّة تشرين" أم "حركة تصحيحية"؟
عارف (أقصى اليسار) في مؤتمر صحفي بعد انقلاب فبراير/شباط 1963 (الصحافة العراقية)
طه العاني- الجزيرة نت:في الـ18 من نوفمبر/تشرين الثاني 1963م شهد العراق حركة انقلابية قام بها رئيس الجمهورية العراقية حينها عبد السلام محمد عارف لإقصاء البعثيين، حيث نجح في إحكام سيطرته على الحكم بالتعاون مع شخصيات سياسية وضباط وتنظيمات ثورية.
الحركة التصحيحية وفقا لرأي قادتها، أو "ردّة تشرين السوداء" وفقا لرأي معارضيها كانت حلقة ضمن مسلسل انقلابات شهدها العراق في تلك الفترة.
انقلاب عارف
لم يكن عبد السلام عارف حزبيا أو بعثيا، وجيء به كرمز من رموز الحركة القومية في العراق، وذلك عندما سيطر البعثيون على السلطة في الـ8 من فبراير/شباط 1963، وفقا للدكتور محمد مظفر الأدهمي.
ويرى أستاذ التاريخ السياسي الحديث والمعاصر -في حديثه للجزيرة نت- أن وقوف عارف ضد عبد الكريم قاسم في بعض السياسيات جعلته يظهر كبطل قومي.
ويضيف الأدهمي أنه عند اندلاع حركة 8 فبراير/شباط، أو ما تعرف بثورة 14 رمضان دعي عارف إلى أن يتسلم منصب رئاسة الجمهورية، وتسلم أحمد حسن البكر رئاسة الوزراء.
ويبيّن أستاذ تاريخ العراق والشرق الأوسط الدكتور سيار الجميل أن عارف الذي نصّبه البعثيون رئيسا للعراق دون انتخابات استغل الوضع الحرج للبعثيين، واتفق مع بعض الضباط المحسوبين عليه لإطاحة حكم البعث، وبمؤازرة الناصريين والقوميين.
ويؤكد الجميل -للجزيرة نت- أن عارف لم يعدم أحدا من البعثيين باستثناء المدانين بالقتل، وقام بتسفير الأمين العام للحزب ميشال عفلق وأعضاء مكتبه وكل رفاقه، ومنهم الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ حيث كان يوجد ببغداد، ليصبح عارف سيد العراق بلا منازع.
في حين نوّه أستاذ التاريخ السياسي الحديث والمعاصر عادل محمد العليان إلى إصدار عارف العديد من قرارات العفو عن أعضاء حزب البعث والشيوعيين المتسببين بحالة الفوضى في الشارع.
ويضيف للجزيرة نت، أن عارف كانت لديه فلسفة خاصة بالحكم مبنية على 3 مبادئ تتلخص في التسامح السياسي، والاشتراكية الإسلامية، وإيمانه بالوحدة العربية، حسب العليان.
صورة أرشيفية تجمع عبد السلام عارف (أقصى اليسار) وأحمد حسن البكر (بجانبه)
أسباب ومحطات
هناك أسباب فكرية وتنظيمية دفعت عبد السلام عارف إلى حركته الانقلابية، كما يقول الأدهمي.
ويؤكد أن الانشقاق الذي حدث داخل حزب البعث عندما اعتُبر علي صالح السعدي وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء ومجموعة من الحزبيين على أنهم متطرفين يساريين، ذلك كان من أبرز الأسباب التي أدت إلى قيام "حركة 18 نوفمبر/تشرين الثاني"، أو ما يعرف بانقلاب عبد السلام عارف.
ويشير الأدهمي إلى أن حزب البعث والحرس القومي وفرع قيادة بغداد كانوا يرون أن العسكريين -خصوصا البعثيين منهم- لا يهتمون بهم، ويعتقدون أن على الجيش ألا يتدخل في شؤون الحزب، ولذلك أدت الخلافات إلى انعقاد مؤتمر قطري استثنائي حدثت فيه صدامات قوية بين كتلتي أحمد حسن البكر، وعلي صالح السعدي.
ويتابع "كان عارف يقف إلى جانب العسكريين ولم يقف مع المدنيين في حزب البعث، ولذلك استُهدف، حيث قرر منذر الونداوي ومجموعة معه القضاء على عارف وقصفوا القصر الجمهوري، لكن عارف نجا من القصف".
ويسترسل الأدهمي في حديثه عن تحرك عارف لتسلم السلطة بقوة الجيش، فقد كان الحرس القومي المؤيد للبعث لا يمتلك سوى أسلحة بسيطة ولا يمتلك دبابات ولا مدرعات، فهو أمام الجيش لا يمثل قوة كبيرة.
وتمكن الجيش من السيطرة على بغداد بقيادة عارف وكان معه أعضاء من القيادة القطرية، كما تمكنوا من إنهاء سيطرة قيادة فرع بغداد والحرس القومي على بغداد وتسلّموا السلطة، وأصبحوا هم الذين يسيطرون في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1963، حسب الأدهمي.
أما المؤرخ سيار الجميل فيعتقد أن عارف انقلب على البعثيين كونه شعر بأنهم نصبّوه لتوظيف اسمه كواجهة، فضلا عن التجاوزات التي ارتكبت بحق العراقيين.
ويضيف أن عارف المتشبث بتقاليده الدينية لم يرض أبدًا أن يجد ميشال عفلق يأمر وينهى في العراق، حسب الجميل
شخصيات مشاركة
وعن أبرز المشاركين في انقلاب عارف، يرى الأدهمي أنه يمكن معرفة الشخصيات التي شاركت، عن طريق التعديل الوزاري الذي حدث في الـ16 من نوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل أن يتسلم عارف السلطة بيومين.
ويضيف "أجري تعديل وزاري بحجة أن الحكم وقع في أخطاء، فأخرجوا عددا من الوزراء وغيروا بعضهم"، ومنهم: صالح مهدي عماش وزير الدفاع، وحميد خلخال وزير الإسكان، والدكتور أحمد عبد الستار الجواري وزير التربية، وغيرهم من الشخصيات المعروفة.
في حين أشار الجميل إلى أن أغلب المشاركين هم من العسكريين المقربين من عارف، وعلى رأسهم سعيد صليبي، كما اعتمد على رشيد مصلح وطاهر يحيى، فضلا عن الضباط القوميين والناصريين أمثال ناجي طالب وصبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان. وحسب الجميل، فهناك أيضا الضباط المستقلون أمثال عبد العزيز العقيلي، بالإضافة إلى بعض الضباط البعثيين المنشقين.
هل نجح عارف؟
كانت خطة الانقلاب محكمة حيث بدأت بتطويق قاعة مؤتمر حزب البعث من قبل الجيش بقيادة رشيد مصلح، وفقا للمؤرخ سيار الجميل.
ويضيف "جرى اعتقال القيادات البعثية وكان من بينهم ميشال عفلق الأمين العام للحزب، وأمين الحافظ رئيس سوريا الأسبق -حيث كان يزور العراق لحضور المؤتمر-، وتمت السيطرة على الأوضاع بعد إعلان بيان عبد السلام عارف قلب النظام البعثي".
ويتابع الجميل "أصدرت الأوامر بعد ذلك بحل الحرس القومي، وتسليم أسلحتهم إلى مخافر الشرطة، ولم تحدث أية مقاومة منهم".
وبالعودة إلى الأدهمي فهو يرى أن حركة عبد السلام عارف نجحت، وكان تأثيرها واضحا في حزب البعث، حيث إن البعثيين اضطهدوا في زمن عارف، وألقي بالكثير منهم في السجون، وأصبح ممنوعا على البعث العمل في السياسة.
ردّة تشرين أم حركة تصحيحية؟
لم تكن ردّة ولا حركة تصحيحية، بل كانت الحركة واحدة من سلسلة انقلابات عسكرية مرّت بالعراق، كما يقول الجميل.
ويوضح المؤرخ العراقي أن "الردة" هي تسمية البعثيين للانقلاب بمعنى ارتداد عبد السلام، في حين إن الأخير لم يكن بعثيا حتى يرتد.
كما أن الحركة ليست تصحيحية -حسب الجميل- فقد تغير نظام الحكم برمته، وأطلق عبد السلام عليها تسمية "الثورة" ولقّب نفسه بـ"أبي الثورات الثلاث"، ويعني انقلابات يوليو/تموز 1958، وفبراير/شباط 1963، ونوفمبر/تشرين الثاني 1963.
وهذا ما يؤيده الأدهمي، ويقول إن البعث بعد أن خرج من السلطة وأصبحت بيد عبد السلام عارف والقوميين العرب، اعتبروا هذه ردة تشرين، لأن عارف انقلب عليهم مع بعض أعضاء القيادة القطرية.
أما عارف فقد عدّها حركة تصحيحية، أي إنهم لم يرتدوا عن الثورة بل صححوا مسيرتها نتيجة الانشقاقات التي حدثت داخل الحزب، حسب الأدهمي.
العراق بعد الانقلاب
ويلفت العليان إلى أنه بعد حركة نوفمبر/تشرين الثاني، وخلال حكم عبد السلام عارف تم توقيع اتفاقيات مع دول عديدة لبناء العراق.
ويضيف أستاذ التاريخ الحديث أنه "أعيد أيضا تفعيل خطط مجلس إعمار العراق، والتي بدأت خلال الحكم الملكي بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي وألمانيا، لكنها لم تكتمل بسبب وفاة عارف".
واستمر عارف في السلطة حتى وفاته في 13 أبريل/نيسان 1966 بحادث سقوط طائرة مروحية كان يستقلها هو وبعض وزراءه بين مدينتي القرنة والبصرة جنوبي العراق في زيارة تفقدية للوقوف على خطط الإعمار. ثم تولى رئاسة البلاد شقيق عارف عبد الرحمن.
وينوّه الجميل إلى أن حركة نوفمبر/تشرين الثاني بقيت غصة عند البعثيين حتى استعادوا السلطة من جديد في انقلاب 17 يوليو/تموز 1968.
ويشير إلى أن البعثيين وصلوا إلى السلطة بالتحالف مع ضابطين في القصر الجمهوري، وسرعان ما انقلبوا عليهما في الـ30 من يوليو/تموز 1968، وساد البعثيون في السلطة حتى عام 2003.