[size=36] كيف تنظر اسرائيل الى الادارة الامريكية الجديدة.. وما هي نظرة هذه الادارة الى القضايا العربية
[/size]
د. سعد ناجي جواد
كيف تنظر اسرائيل الى الادارة الامريكية الجديدة.. وما هي نظرة هذه الادارة الى القضايا العربية
في حالة نادرة في تاريخ العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة اختلف موقف الحركة الصهيونية واليهود في امريكا عن موقف الحكومة الاسرائيلة بشان الرئيس الامريكي الجديد والسابق. لقد ظل موقف الحكومة الاسرائيلية مع بقاء الرئيس ترامب، بسبب القرارات التي اتخذها في صالح الكيان مثل اعتبار القدس الشريف عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الامريكية من تل ابيب اليها والموافقة على ضم الجولان والضفة الغربية. ولو ان الحكومة الاسرائيلية امتعضت في ايام حكمه الاخيرة من موافقته على بيع طائرات فانتوم المتطورة (اف 35) الى دولة الامارات العربية، على الرغم من علمها المسبق بان هذه الطائرات سوف لن تستخدم ضدها. بالمقابل فلقد اشتكى ترامب بعد الانتخابات من ضعف التصويت اليهودي له، في حين ظهر ان اللوبي اليهودي-الصهيوني في اميركا كان في غالبيته اكثر تاييدا للرئيس بايدن. وربما هذا يفسر موافقة ترامب على صفقة الطائرات قبل مغادرته البيت الابيض، بالاضافة الى تفكيره المادي البحت.
صحيفة الجيروزاليم بوست الصهيونية- اليهودية كان لها وجهة نظر اخرى بشان انتخاب بايدن. فلقد نشرت الصحيفة مقالا يسترعي الانتباه عنوانه ( يوم تنصيب بايدن كتابة لتاريخ يهودي جديد). تقول الصحيفة ان انتخاب بايدن ونائبته هاريس يعد حدثا فارقا في تاريخ اليهود. فبايدن (المسيحي الكاثوليكي، هو اول رئيس للولايات المتحدة يكون كل احفاده يهود، حيث ان ابناءه وابنته قد تزوجوا من يهود وانهم جميعا تزوجوا وفق الطقوس اليهودية ويحرصون على تنشئة ابناءهم على اتباع الديانة والتقاليد اليهودية. وتعزو الصحيفة هذا الامر الى التغيير الذي حصل في الموقف اليهودي من الزواج من خارج الدين، حيث تقول الصحيفة ان الانفتاح اليهودي في هذا المجال جعل نسبة اليهود، نساءا ورجالا، من الذين يتزوجون من خارج المجتمع والدين اليهودي تقفز الى ٥٨٪، بعد ان كانت لا تتجاوز ١٠٪. وهذا الامر نابع من التطور الذين حدث داخل تفكير رجال الدين اليهود في الولايات المتحدة، الذين تساهلوا في هذا الامر واباحوا مثل هذه الزيجات، شريطة ان تتم هذه المراسيم في المعابد ومن قبل الحاخامات اليهود انفسهم، لكي يعتبر الابناء يهود ايضا، (كما هو معلوم ان الانتماء لليهودية يتبع الانتساب الى ام يهودية وليس الاب. ولكن يبدو ان هذا العرف قد تغير بالنسبة للعديد من الحاخامات اليهود في امريكا). وتقول الاحصائيات ان ٤٥٪ من هذه الزيجات ينتج عنها ابناء متمسكين بيهوديتهم. من ناحية اخرى فلقد نُقِل عن بايدن اقوال وافعال تمثل اعتزازه بهذه المصاهرات ومشاركته كل الاحتفالات والطقوس التي اقيمت في مناسبات الزواج او الولادة الجديدة لاحفاده، او مراسم اثبات انتمائهم الى الدين اليهودي بعد بلوغهم سنا معينا. طبعا تذكر الصحيفة ان هذه الحالة ليست حكرا على الرئيس بايدن، بل انها نسخة مكررة لحالة الرئيس الاسبق بيل كلينتون التي اقترنت ابنته الوحيدة بنفس الطريقة. والكل يعلم الدور السيء الذي لعبه زوج ابنة ترامب اليهودي في الشرق الاوسط خدمة لاسرائيل.
كما تذكر الصحيفة ان نائبة الرئيس كاميلا هاريس، المسيحية من اصول اسيوية، (اول سيدة تشغل هذا المنصب)، تعتبر هي الاخرى يهودية، حيث انها متزوجة (هي الزوجة الثانية) من امريكي يهودي (دوغ امهوف) وحسب التقاليد اليهودية، بالاضافة الى ان زوجها متمسك جدا بيهوديته وانه استطاع ان يجعل منها تحذو حذوه، حيث انها اعلنت اكثر من مرة اعتزازها وتمسكها بالتقاليد اليهودية، وحتى اولاده من زواجه السابق فانهم ينادونها باسم (مامولا) وهو اسم من اللغة اليهودية القديمة (اليديشة). وقالت صحف اخرى ان امهوف سيكون اول يهودي يحمل لقب ( السيد الثاني) الذي سيسكن المنزل الرسمي الثاني المخصص لنائب الرئيس المجاور للبيت الابيض، بعد ان كان هذا اللقب حكرا على السيدات.
اختيارات بايدن للمناصب الرئيسة في ادارته جاءت اغلبها ليهود، تعتبرهم اسرائيل من اصدقاءها. وتضم هذه القائمة وزير الخارجية انتوني بليكن ونائبته ويندي شيرمان، وزيرة المالية جانيت يلين، وزيرة الشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، مدير وكالة الاستخبارات المركزية وكالة ديفيد كوهين، رئيس هيئة الادعاء العام ميريك جيرلاند، وزير الامن الوطني اليخاندرو مايوركاس، مديرة استخبارات الامن الوطني (الداخلي) افريل هينس، كبير موظفي البيت الابيض رون كلاين، ووزراء اخرين لوزارات اقل اهمية. كما احتوت تعيناته بعض الاشخاص الهندوس. الملفت للنظر ان كل التعينات والترشيحات لم تضم مسلما امريكيا واحدا.
بعض الاطراف الرسمية في اسرائيل وبعض المقالات الصحفية ابدت قلقا واعتراضا على قسم من هذه الاسماء، حيث وصفت الوجوه الحديدة بانها (يهودية يسارية) وليست يمنية متطرفة في دعم اسرائيل. فوزير الخارجية مثلا اعتبر بانه من المشاركين الفاعلين في انجاز الاتفاق النووي مع ايران، وانه من مؤيدي العودة للاتفاق (بالتشاور مع اسرائيل كما صرح هو)، كما وصِفَ بانه من محبذي حل الدولتين بالنسبة للمشكلة الفلسطينية ولو انه يعترف بصعوبة هذا الحل. ومع ذلك فلقد نقل عنه وعن الادارة الجديدة بانهم لن يتراجعوا عن قرارات نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وان الادارة الجديدة تدعم عمليات الاعتراف العربية باسرائيل.
الملفت للنظر ان الصحافة الامريكية ذكرت قبل تسلم بايدن لمنصبه ان الصداع الاكبر والاول الذي سيواجهه الرئيس الجديد هو الازمة او المعضلة العراقية، الا ان المجلة الامريكية الشهيرة والمطلعة على بواطن الامور (فورين بولسي) ذكرت في اخر اصداراتها ان اهمية العراق في السياسة الامريكية الجديدة معدومة، واعتبرت المجلة ذلك خطاءا كبيرا. وفي العراق هناك خوف لدى الشريحة التي تريد له ان يكون مستقلا وغير تابع لاي من الاطراف الخارجية، من ان يتم حل الخلافات الامريكية – الايرانية على حساب المصلحة الوطنية العراقية.
في المحصلة النهائية وكما يبدو من افكار وتصريحات رجالات الادارة الجديدة فان الاهتمام الاساسي لهم يتركز على الامور الامريكية الداخلية، وان اهمية الوطن العربي بالنسبة للرئيس الجديد وادارته ستبقى في مواقع متدنية، ولا تتعدى العمل على استنزاف الموارد العربية المادية والنفطية، وتشجيع عملية الاعتراف باسرائيل. وستبقى سياسة دعم وتسليح اسرائيل والتستر على جرائمها هي السياسة الامريكية للمرحلة القادمة، وحتى تجد الولايات المتحدة من يقف بوجهها من الحمام العرب من ويرفض سياستها وسياسة اسرائيل التوسعية.