الكهرباء بين شموخ التحدي وعار الخيبة
سحبان فيصل محجوب - مهندس استشاري
الكهرباء بين شموخ التحدي وعار الخيبة
من المعروف أن إنشاء محطات الديزل بأنواعها وتشغيلها لا يستغرق من الوقت إلا شهوراً معدودة وهي وسيلة معتمدة لسد النقص الحاصل في الطاقة الكهربائية في أثناء حالات الطوارئ أو لتجاوز نتائج حوادث الأعطال في المنظومات الكهربائية العاملة لتفادي حالات الانقطاعات الطويلة بالتيار الكهربائي.
في العام ٢٠٠٢ وفي خضم العمل المكثف لتأمين ما يمكن من طاقة كهربائية لتضاف إلى قدرات المنظومة العراقية العاملة، حيث كانت الحاجة ماسة إلى توظيف كل ما هو متاح من وسائل لضمان ديمومة عمل هذه المنظومة المجهدة نتيجة الصعوبات التي ألقتها تداعيات الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على العراق للسنوات (1٩٩١ - ٢٠٠٣) والذي مكن الدوائر الخارجية التي انتجته في منع وتعطيل استيراد الكثير من المواد الحاكمة ذات المساس المباشر بصيانة الوحدات التوليدية وعملها مما حدا بالمعنيين في قطاع الكهرباء الى وضع برامج لتقنين تجهيز التيار الكهربائي لمرافق المجتمع العامة ودور المواطنين، حينها وأمام هذه التحديات جاء ما يعزز مساعي التخفيف من تأثيرات الأزمة الكهربائية عندما سخرت مبالغ محددة من موارد الاتفاقية العراقية - السورية لدعم النشاط الاستيرادي لقطاع الكهرباء حيث جرى التعاقد مع إحدى الشركات الفرنسية لتجهيز هيئة الكهرباء بمحطة توليد ديزل متكاملة بطاقة إجمالية تبلغ ٢٣٠ ميكاواط وخطط لتنصيبها في قضاء حديثة وأذكر هنا (حينها كنت مديراً لهيئة الكهرباء) شروع الدوائر المعنية في الهيئة بالعمل على إنجاز متطلبات أعمال الهندسة المدنية في موقع المشروع والذي أطلق عليه (محطة التحدي) وكذلك إتمام إجراءات تعيين كوكبة من الشباب الخريجين من مختلف الاختصاصات وإخضاعهم الى منهاج تدريبي في مواقع العديد من المحطات وكذلك مركز التدريب المهني للكهرباء بهدف تأهيلهم للعمل في تنصيب وحدات هذه المحطة وتشغيلها حال وصولها الى موقع المشروع على وفق خطة محكمة تؤمن ذلك بعيداً عن عيون المراقبين الدوليين لإجراءات تطبيق الحصار حيث كان التعاقد على هذه الصفقة خارج إطار موافقات الأمم المتحدة التي تمنحها اللجنة الدولية للعقوبات (سيئة الصيت) والمشكلة على وفق القرار الأممي ذي الرقم (٦٦١) حيث يعد ذلك خرقاً كبيراً للحصار ولوائحه القاسية المعتمدة.
لم تنجز هذه المحطة نتيجة للعدوان الحاصل سنة ٢٠٠٣ والذي حال دون وصول معداتها الى العراق فبقيت جاثمة في إحدى ساحات الموانئ السورية في ظروف خزن رديئة، بعد ما يزيد على عشرة سنوات تمكنت وزارة الكهرباء أخيراً من إتمام تنصيب هذه المحطة وكان ذلك سنة ٢٠١٢ لتضاف الى محطاتها العاملة حاملة اسم ( محطة كهرباء ديزلات حديثة) .
على الرغم من عدم إكمال هذه المحطة وربطها بالشبكة نتيجة للظروف القاهرة الا إنها تعد من صفحات التحدي الكبيرة المتعاقبة التي خاضها العاملون في قطاع الكهرباء حيث حملت توصيفاً لمحاولات اختراق الحصار الظالم ببسالة تضاف إليها الاجراءات السريعة والمتناغمة باتجاه الانجاز بمدة عمل استثنائية لا تتجاوز السنة الواحدة، في حين كانت المدة الزمنية لإتمام فعاليات نقلها من الموانئ السورية وتركيبها في الموقع بعد الاحتلال قد تجاوزت العشر سنوات وفي ظروف خارج الإعاقات المختلفة والمتعمدة نتيجة لإجراءات الحصار.
أمام هذه الحالة من ملاحم البناء التي خاض صعوباتها رجال أشداء تحكمهم روح المثابرة والتحدي ومعاني المواطنة بإرادة مستقلة شجاعة تظهر حالات غريبة من حالات التخبط والخنوع أفرزتها ظروف وتداعيات الاحتلال البغيض بعد سنة ٢٠٠٣ حيث كان أخرها عندما روجت وزارة الكهرباء العراقية مقترحاً يقضي بتمليك محطات توليد كهرباء عاملة مقابل بناء محطات توليد جديدة على إثر الطلب المقدم من إحدى الشركات الخاصة بتمليك محطتي الرميلة وشط البصرة لها مقابل قيامها ببناء محطة توليد بقيمة تلك المحطات!؟
يشير هذا المقترح الغريب إلى حدوث انهيار شامل وخطير لمفاهيم العمل المعروفة والسليمة في إدارة ممتلكات المؤسسات الحكومية وفي حالة تطبيقه فسيكون من عوامل فقدان إحدى الركائز الأساس المهمة في المحافظة على توفير المستلزمات الضرورية والحاكمة لتوفير خدمة تجهيز الكهرباء ويعد تهديداً واضحاً لمتطلبات صون الامانة وذلك بالحفاظ على الممتلكات العامة وعدم التفريط بها تحت أي مسوغ أو عنوان.