الملا مصطفى البارزاني في الذكرى ال (١١٨) لميلاده
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
الملا مصطفى البارزاني في الذكرى ال (١١٨) لميلاده
نعم الملا مصطفى البارزاني ، هو من استطاع تغيير المعادلة باتجاه حل القضية الكردية في العراق حلا سلميا ، ديموقراطيا ، وذلك عندما وافق على خطوة حزب البعث العربي الاشتراكي ، وهو من كان قد استولى على السلطة يوم 17 من تموز سنة 1968 .
وكما هو معروف فقد سبقت ذلك مشاريع لحل القضية ومنها ما طرحه الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق والذي عرف ب (بيان 29 حزيران – يونيو 1966) والذي كان يهدف الى تسوية القضية الكردية وقد اعترف البيان بالقومية الكردية بشكل قاطع في الدستور وباللغة الكردية لغة رسمية مع اللغة العربية في المناطق التي تسكنها اغلبية كردية .واعرب البيان عن استعداد الحكومة لتأكيد ذلك في قانون المحافظات المقترح آنذاك الا ان البيان ظل حبرا على ورق مما ادى الى عودة الحركة المسلحة واستمرت حتى قيام انقلاب 17 تموز – يوليو 1968 ومجيء حزب البعث الى السلطة التي عملت على حل القضية الكردية من خلال اصدار قانون الحكم الذاتي .
ان من الحقائق التاريخية التي لابد من التأكيد عليها ، ان الاسرة البارزانية في العراق ، ومنذ اواخر العهد العثماني ، كان لها دور كبير في تبني قيادة الحركة التحررية الوطنية الكردية ، وبدون الدخول في التفاصيل ، وانا من تناولت هذا الموضوع في رسالتي للماجستير التي قدمتها الى جامعة بغداد عن (ولاية الموصل 1908-1922) سنة 1975 تحدثت عن ذلك واشرت الى موضوع عنوانه : ( الشيخ عبد السلام البارزاني والقيادة البارزانية 1908-1914 ) ، وقلت ان الاسرة البارزانية اكتسبت مكانة دينية بمرور الزمن ، وتنتمي هذه الاسرة الى الشيخ تاج الدين ، وكان عالما دينيا ومؤسسا للمشيخة البارزانية في منطقة بارزان (وكلمة بارزات تعني بالكردية المتطلع الى الشمس) ونفوذ الشيوخ في بارزان كان منذ سنة 1825 حينما اسند الشيخ طه النهري خليفة الشيخ خالد النقشبندي ، الطريقة النقشبندية الى الشيخ تاج الدين وهو من اسرة عريقة في الزيبار من بارزان .وكانت قيادة الشيخ عبد السلام تمثل بالنسبة لتاريخ الاكراد الحديث في العراق مقدمة للكفاح الكردي في مجاليه السياسي والعسكري ، وعندما ثار الشيخ عبد السلام على السلطة الاتحادية العثمانية القت القبض عليه وحوكم امام المجلس العرفي واعدمته في الموصل شنقا مع ثلاثة من انصاره في 3 كانون الاول –ديسمبر 1914 وقبره لايزال في الموصل .
الحركة التحررية الكردية اقترنت بالشيخ احمد البارزاني فيما بعد ثم بالملا مصطفى البارزاني وعبر اكثر من نصف قرن ، وكان مما يميز الملا مصطفى انه كان رجلا واقعيا عمليا وقائدا متمكنا من ادوات القيادة وكان لايألوا جهدا في ان يستفيد من كل من يقدم الدعم لحركته وكان يردد :" انا رجل اعمى وفقير جالس في باب الجامع ولايهمني من يضع بيدي نقودا" .
كان الملا مصطفى على صلة بكل القيادات الكردية في المنطقة ومنها ايران لذلك اختاره قاضي محمد عندما قام بحركته في ايران واسس جمهورية مهاباد 1946 وعينه وزيرا للدفاع ومع ان المحاولة فشلت الا ان ذكرياتها لاتزال تتردد بين الاكراد لأهميتها ورمزيتها في ان يستطيع الكرد ان يفعلوا شيئا .
كان الملا مصطفى يدرك انه يحمل هموم شعبه ويطالب بحقهم في الحرية
وقد وجدت ان كتابا عراقيين وعرب واجانب كتبوا عن الملا مصطفى منهم عسكريون ورجال مخابرات ورحالة ومنهم اكاديميون
.كما كان الملا مصطفى موضوعا لقصائد وممن كتب عنه شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري وله قصيدة تعود الى سنة 1962 بعنوان (كردستان يا موطن الابطال ) تعرض فيها لنضال الملا مصطفى ودوره الفاعل تجاه قضايا شعبه .
قلبي لكردستان يُهدى والفم
ولقد يجود بأصغريه المعُدم
الملا مصطفى بن الشيخ محمد البارزاني من مواليد قرية بارزان يوم 14 من اذار – مارس سنة 1903 ولم تمض سنوات طويلة عليه الا وفتح عينيه على قصة اعدام شقيقه الاكبر الشيخ عبد السلام البارزاني في الموصل كما سبق ان قدمت وقد اعتقلت السلطات الاتحادية مصطفى ووالدته وحبستهما في سجن الموصل لبضعة اشهر وكان لوالد الملا مصطفى وهو الشيخ محمد اربعة اولاد هم : الشيخ عبد السلام ، والشيخ احمد ، ومحمد صديق ، وبابو وبرز منهم الشيخ احمد والملا مصطفى وكان الملا مصطفى شجاعا ذكيا ، يحسن القنص والصيد ، انغمس في قضية شعبه وكرس حياته من اجلهم ..
ومن المناسب الاشارة الى انه تعلم تعليما دينيا درس القرآن الكريم والحديث النبوي وقضا العقيدة والشريعة والفقه على ايدي معلمين دينيين خصوصيين واستمر يتعلم بضعة سنوات وبعدها اكمل دراسته الدينية في مدينة السليمانية .
واتجه الملا مصطفى للعمل السياسي والعسكري وكان معجبا بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي في السليمانية ضد الاحتلال البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى واحتلال الانكليز للسليمانية والموصل سنة 1918 و1919 وقد قاد قرابة 300 مسلح مع الشيخ محمود في حركته المسلحة سنة 1919 .كما كان على صلة بحركة الشيخ سعيد بيران بتركيا 1920 وفي السنوات 1931-1932 قاد الملا مصطفى البارزاني قوة من المقاتلين للدفاع عن محور ميركه سور – شيروان ضد قوة عسكرية بريطانية واضطر الى الهروب الى تركيا سنة 1934 ثم عاد الى العراق ونقي مع اخيه الشيخ احمد الى جنوب العراق واستمر ذلك قرابة عشر سنوات.
وعمل مع تنظيم سري يعرف ب (هيوا ) أي (الامل) ، وهرب من السليمانية في تموز – يوليو سنة 1943
لكنه عاد الى منطقته بارزان في السنة ذاتها ، وبدأ بتجميع صفوف المسلحين وخلال شهرين تجمع حوله (2000) مسلح .
وحاولت الحكومة العراقية التفاوض معه ووقف المقاومة في خريف سنة 1943 لكنه لم يجدها جادة في ذلك ورفض لكن اخاه الشيخ احمد وبعد عودته من النفي وافق على الدخول في مفاوضات وقدم عددا من المطالب وافق عليها نوري السعيد في حينها ومنها اصلاح المناطق الكردية والتدريس باللغة الكردية
وعندما لم يجد الحكومة صادقة في تنفيذ وعودها اعلن حركة مسلحة سنة 1943-1945 وكما قلنا اشترك في حركة قاضي محمد في اعلان قيام جمهورية مهاباد الكردستانية في كانون الثاني 1946 وفي 16 آب –اغسطس سنة 1946 اسس الحزب الديموقراطي الكردستاني وانتخب رئيسا له الى يوم وفاته .
في سنة 1947 اضطر الى اللجوء للاتحاد السوفيتي وبقي هناك حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 وعاد الى العراق واستقبله العراقيون استقبالا حافلا وكان الرئيس القائد الخالد جمال عبد الناصر قد استقبله وهو يعود من الاتحاد السوفيتي ودعمه ودعم قضايا مطالبة الكورد بحقوقهم القومية وقد كتبت في هذا مقال بعنوان (عبد الناصر والاكراد) متوفر على شبكة المعلومات العالمية –الانترنت .
كانت علاقة الملا مصطفى البارزاني بالزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية بعد ثورة 14 تموز 1958 جيدة وقد استقبله في 7 تشرين الاول – اكتوبر سنة 1958 لكن الزعيم لم يكن جادا في موقفه من القضية الكردية فاضطر الملا مصطفى البارزاني الى قيادة حركة مسلحة تعرف بحركة ايلول – سبتمبر 1961 استمرت حتى سنة 1975 ضد الحكومات العراقية المتعاقبة لكنه كما قلت وافق على مقترح الحكومة العراقية وتوصل معها الى بيان 11 اذار –مارس سنة 1970 وصدر قانون الحكم الذاتي
.لكن هذا الاتفاق انتكس باتفاقية الجزائر بين العراق وايران في 6 اذار –مارس سنة 1975
ومع هذا استمرت الحكومة العراقية في بغداد في تنفيذ الاتفاق واقامت هياكل الحكم الذاتي ومؤسساته ، لكن البرود ظل قائما بين الملا مصطفى البارزاني والحكومة ولاشك ان القوى الاقليمية والدولية قامت بدور في تخريب العلاقات بين الحكومة القائمة آنذاك والقيادة البارزانية .
مرض الملا مصطفى البارزاني ، ونقل الى الولايات المتحدة للعلاج لكنه توفي في الاول من اذار – مارس سنة 1979 واعيد جثمانه بعد ذلك ليدفن في بلده .رحمة الله عليه وطيب ثراه وجزاه خيرا على ماقدم لقومه ووطنه .