جائزة كتاب فلسطين ومقاومة تزييف التاريخ
منذ 24 ساعة
لم تكن الهوة بين الشعوب العربية وحكوماتها أكبر وأعمق منها، مما نعيشه، حاليا، حول فلسطين. ففي الوقت الذي سارعت فيه حكومات عربية، الى إعلان التطبيع الرسمي مع الكيان الاستعماري العنصري، تزداد مقاومة الشعب الفلسطيني تجذرا، ونشاطات مناهضة التطبيع الشعبية العربية انتشارا، وحملات التضامن العالمي والانضمام الى حملة المقاطعة تزايدا حول العالم.
لم يعد تبرير استخذاء الحكومات وخضوعها لابتزاز وضغوط شرطي العالم من جهة وتبريرها بأنها تفعل ذلك من أجل « السلام» وانهاء « النزاع الفلسطيني الاسرائيلي» ، من جهة أخرى، ساري المفعول. كما انتهت صلاحية ادعائها بأنها تحقق ما يصبو اليه الجيل الفلسطيني والعربي الجديد. فيوم الأرض، مثلا، لايزال جزءا من الذاكرة التي يحاولون طمسها. وتنوعت مستويات المقاومة، بفضل مبادرات الجيل الجديد الذي يواصل نضال آبائه واجداده ، سواء كان داخل أو خارج فلسطين. يحملون شعلة المقاومة، بأشكالها وتنوعاتها، لوحدهم أو مع المتضامنين مع عدالة القضية الفلسطينية عالميا.
يركز عدد من المبادرات الفلسطينية العالمية على الجانب الثقافي لمقاومة الاحتلال، وأن تكون السردية الفلسطينية أداة حفظ الذاكرة ومواجهة عمليات التزوير. ولنقل الرواية الفلسطينية إلى أوسع جمهور ممكن أطلقت منظمة (ميدل إيست مونيتور) جائزة كتاب فلسطين عام 2011. احتفاء بإنجازات الكُتاب ، أينما كانوا، في الكتابة عن فلسطين ولتشجيع الناشرين على نشر الكتب المعنية بفلسطين ، كما يذكر د. داود عبد الله، رئيس المنظمة. واذا كانت فكرة الجائزة قد بدأت كفكرة بسيطة فانها نمت وتطورت خلال العشر سنوات، نتيجة العمل الدؤوب لفريق مؤمن بفلسطين وأهمية الكتب، وعلى رأسهم الصحافية الناشطة فكتوريا بريتن، والزميل د.ابراهيم درويش، وكان لي شرف الانضمام الى الكادر في العام الثاني للجائزة.
كيف نقيم عمل الجائزة بعد عشر سنوات على تأسيسها ؟ تمكنت الجائزة ، تدريجيا، من جذب انتباه دور النشر والجامعات والمؤلفين المستقلين، في ارجاء العالم ، حيث باتت تتقدم بكتبها الصادرة عن فلسطين ، المستوفية لشروط الجائزة الرئيسية بأن يكون الكتاب عن فلسطين وباللغة الانكليزية وتمت طباعته خلال العام السابق لمنح الجائزة. واذا كان عدد الكتب مقياسا للنجاح فتجدر الاشارة الى ان العام الاول شهد استلام 20 كتابا ووصل العدد في الاعوام الاخيرة الى خمسين كتابا، تغطي موضوعات واسعة، من السياسة والاقتصاد وحقوق الانسان الى القصة والرواية والشعر والمذكرات وكتب الأطفال والرسم والتصوير والطبخ. أما المؤلفون فانهم من جنسيات ودول مختلفة بالاضافة الى الجيل الجديد من الفلسطينيين داخل فلسطين بالاضافة الى المهجرين في ارجاء المعمورة. ما يجمعهم هو التزامهم المبدئي بحقوق الشعب الفلسطيني وايمانهم، ككتاب وأكاديميين وشعراء وفنانين، بمقاومة الاحتلال عن طريق نشر المعرفة عن فلسطين وشعبها وتحدي الصورة النمطية لمظلومية المُستَعمر، مع بقاء معيارها هو الأصالة والإبداع في البحث.
- اقتباس :
قضية الشعب الفلسطيني ليست قضية خلاف أو نزاع بل قضية مقاومة استعمار استيطاني عنصري
وقد تطورت الجائزة لتصبح حدثا سنويا له مكانته ، في الساحة الادبية البريطانية. حيث يتطلع الجمهور المهتم ، الى حضور الامسية المقامة عادة في اليوم السابق لاعلان الفائزين، بلندن، للاستماع ومناقشة مؤلفي الكتب المرشحة للقائمة القصيرة. وكان الاستثناء الوحيد لهذا التقليد، هو ما تم في نوفمبر، من العام الماضي، حيث نوقشت الكتب المرشحة وتم الإعلان عن الفائزين، بواسطة تطبيق زوم على الانترنت ، بسبب الحظر المفروض على الاجتماعات لانتشار كوفيد 19.
في تلك الامسية، كانت د. ريما خلف ضيفة الشرف. والمعروف ان د. ريما كانت قد استقالت من منصب وكيل الأمين العام والأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) عام 2017، عندما رفضت سحب تقرير مؤثر عن معاناة الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي ؛ خلص التقرير إلى أدلة دامغة على أن إسرائيل أقامت نظام فصل عنصري يضطهد ويسيطر على الشعب الفلسطيني ككل ، وفي أي مكان يقطنه. وهي، حاليا، عضو مؤسس ورئيس «المنظمة العالمية لمناهضة التمييز العنصري والفصل العنصري»
لخصت د. ريما ، في كلمتها اثناء الأمسية، الأسباب التي جعلت الجائزة متميزة، ومن بينها «تركيزها على موضوع كان حتى وقت قريب تحت الحصار في معظم دول العالم الغربي. كانت محاولة نشر كتاب عن فلسطين هناك ، ولا سيما كتابًا ينتقد إسرائيل ، بالنسبة للكثيرين، مهمة محبطة، إن لم تكن غير مجدية».
وأعطت أمثلة تبين مدى خوف الناشرين في المملكة المتحدة من نشر كتب قد تسيء ، بنظرهم للصهيونية ، ويتعرضون جراء ذلك لمقاطعة منظمة لجميع كتبهم، حيث « اضطر المؤلف آلان هارت أن يؤسس شركته الخاصة لنشر الطبعة الأولى من كتابه: «الصهيونية: العدو الحقيقي لليهود». كما كانت ترجمة الكتاب إلى اللغة الإنكليزية صعبة بنفس القدر إذا تضمن أي شيء قد يبدو أنه يشوه صورة إسرائيل».
وقد تم ترتيب برنامج يمتد على مدى الشهور المقبلة على موقع المنظمة للاحتفال بمرور العشر سنوات. يضم البرنامج مقابلات مع مؤلفين حازوا على الجائزة وناشرين وشخصيات فلسطينية واجنبية ساهمت بدعم المشروع. بالاضافة الى انتاج فيديو يحكي قصة الجائزة. وسيصدر خلال العام كتاب يضم كلمات ضيوف الشرف بالاضافة الى لوحات فنية وقصائد مختارة.
ان استلام ما يقارب 400 كتاب عن فلسطين ( وهو ليس كل المنشور) على مدى عشر سنوات، دليل مادي على مدى الاهتمام المتزايد بفلسطين كقضية عادلة غير قابلة ، كما يدحض زيف دعاة التطبيع مع المحتل بحجة اقامة « السلام». فقضية الشعب الفلسطيني ليست قضية خلاف أو نزاع بل قضية مقاومة استعمار استيطاني عنصري، وما التطبيع غير تنفيذ المخطط الامبريالي من قبل حكومات عربية مستبدة.
والكتب المؤلفة عن فلسطين ، كأداة انتاج ثقافي معرفي وحفظ للذاكرة، سواء كانت ضمن القائمة المختصرة أم لا ، هي جزء من سيرورة النضال للوصول الى الحل الحقيقي وهو انهاء الاحتلال وتحقيق العدالة كمفهوم للعيش بكرامة ومساواة.
والدرس الأوسع من النجاح النسبي في تجربة جائزة كتاب فلسطين هو امكانية تغيير السردية التي تفرضها الهيمنة السياسية الاستعمارية والصهيونية في المجال الفكري والثقافي، عبر جهد مثابر، ومتواصل يشترك فيه الناشطون من جميع الثقافات. وهو أمر ينطبق على مقاومة تزييف تاريخ الحروب التي شنت تحت لافتة محاربة الإرهاب واهمها جريمة غزو وتدمير العراق، كما على تاريخ الكولونيالية في بلدان العالم الثالث عموما.
كاتبة من العراق