قعدَ الخليفة المهدي يوماً للناس يدخلون عليه، هذا الذي يرفع إليه شكوى، وذاك الذي يمدحه بشعره، ولما انتصفَ النهار دخلَ عليه رجل وفي يده حذاء، ثم قال: يا أمير المؤمنين هذه نعلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئتُ أهديها لك!
فقام المهدي عن كرسيه، وأخذ النعل وقبّلها، وقال للرجل: نِعمَ ما جئتَ به يا هذا!
وأمرَ له بعشرة آلاف درهم فأخذها الرجل وانصرف!
بعد أن غادر الرجل مجلس الخليفة، قال المهدي لجلسائه:
واللهِ إني لأعلمُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرَ هذه النعل فضلاً عن أن يكون لبسها! غير أني لو كذبته لقال للناس: جئتُ أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّها عليَّ! وكان من يُصدقه أكثر ممن يُكذبه فشأن العامة الميل إلى أشكالها، ونصرة الضعيف على القوي ولو كان الضعيف ظالماً، فاشترينا لسانه، وقبلنا هديته، وصدقنا قوله، ورأينا الذي فعلنا أنجح وأرجح وأسلم!
في القصة درس عظيم للحياة مفاده:
أحياناً عليكَ أن تُراعي الناس لتسلم، فإنك لو وقفتَ لكل قائل عند قوله، ولكل فاعل عند فعله، لصرتَ أنت الجاني مع أنك الضحية، وقد صدق الإمام أحمد يوم قيل له: تسعة أعشار العقل في التغافل، فقال: بل العقل كله في التغافل!
وقد صدق الشاعر حين قال:
ليسَ الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي!
اللهم احسن خاتمتنا