بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هيئة علماء المسلمين: موازنة 2021 الأعلى بهدر المال العام في العراق
شبكة البصرة
أكد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين بالعراق أن موازنة العام 2021 هي الأعلى في هدر المال العام وإضاعته في مجالات غير ضرورية.
جاء ذلك في تقرير صادر عن قسم حقوق الإنسان في الهيئة تضمن دراسة اعتمدت على المعلومات المتاحة والتسريبات بشأن ما تم تخصيصه في موازنة 2021، وفيما يلي نص التقرير:
يظل إقرار الموازنة السنوية للعراق في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة مرهونًا بصفقات سياسية ومصالح شخصية وحزبية للأطراف المشاركة بالعملية السياسية وفق المحاصصة التي فُرضت على العراق بعد الغزو الأمريكي للبلاد، كي تبقى الجهات الخارجية الداعمة لهذه الحكومات هي المستفيدة، ولاسيّما أمريكا وإيران، بعيدًا كل البعد عمّا تقتضيه المصلحة العامة أو المخصصات التي يحددها القانون الذي وضعه المشاركون في العملية السياسية الحالية أنفسهم، متجاهلين قضايا كثيرة تمس حياة الشعب العراقي ولاسيّما توفير مقومات النهوض بواقع النظام الصحي المنهار في ظل جائحة كورونا ومعالجة العشوائيات المنتشرة في بغداد وعدد من محافظات البلاد وتجاهل صرف التعويضات للمغيبين والمختفين قسريًا الذين تزيد أعدادهم على مليون شخص، وعدم التعامل مع قضية تأمين متطلبات توفير بيئة آمنة وكريمة لعودة طوعية للنازحين والمهاجرين العراقيين الذين أجبرتهم الحرب على ترك مناطقهم واللجوء إما إلى مخيمات بائسة ومهملة أو إلى دول أخرى أكثر أمنًا، إلى جانب إهمالهم ملف إعمار المدن المنكوبة بفعل الحرب وتعزيز أمنها واستقرارها وتقديم الخدمات الأساسية لأهلها، ناهيك عن قضايا مهمة أخرى كتوفير المتطلبات الضرورية للتدهور المزمن لقطاع التعليم في العراق وإعادة تأهيل المنظومة القضائية ومعالجة مشكلات الاقتراض الخارجي وتشجيع الاستثمار وتفعيل قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة، وحصة حكومة كردستان وغيرها.
كسابقاتها؛ لا مشاريع جديدة في الموازنة
افتقرت الموازنات في السنوات السبع عشرة الماضية إلى استحداث مشاريع جديدة؛ وكالعادة جرى تمرير الموازنة الحالية دون البحث في العراقيل الحقيقية التي تفاقم الأوضاع الأمنية والخدمية والإنسانية المتدهورة في العراق، وستظل الخلافات السياسية بشأن تقسيم ثروات العراق وموارده قائمة وعميقة تسعى إلى تكرار قضية عدم تقديم كشوفات ختامية عنها كي لا يعرف أحد أين تذهب تلك الأموال. وما تزال القوى السياسية المتنفذة تعرقل بشكل متعمد تمرير مشروع قانون الموازنة خدمة لمصالحها ومصالح داعميها الخارجيين.
استمرار سياسة هدر المال العام
نستعرض في هذا التقرير جانبًا من دراسة أعدها قسم حقوق الإنسان بالاعتماد على المعلومات المتاحة والتسريبات التي حصل عليها بشأن ما تم تخصيصه وفق مواد وفقرات الموازنة للعام الجاري 2021، الموازنة التي تشكل مجموع ميزانيات دول عربية وإقليمية قامت بإنشاء محطات انتاج كهرباء عملاقة ومحطات تحلية مياه ضخمة وتعزيزات هائلة للبنية التحتية والتنموية فيها، ومع ذلك فإن أثرها على البلاد يبقى متواضعًا في مجالات عدة أو معدومًا في مجالات أخرى؛ فقد استقطعت مبالغ تعادل 47% من الميزانية المقرة لسداد بعض الديون المتراكمة بقيمة تقدر بأكثر من 61 ترليون دينار، بما يعادل 40 مليار دولار، إلى جانب ذلك حددت الموازنة ما قيمته نحو 14 مليار دينار (أكثر من 10% منها) للمستلزمات الخدمية لمكتبي رئاستي الجمهورية والوزراء، وما قيمته 6 مليارات و379 مليونا و500 ألف دينار (أكثر من 5% منها) مبلغا سنويا خصص للتنظيف والمستلزمات الخدمية لمكتب صندوق استرداد الأموال.
يُزاد على ذلك تم رصد 2 مليار دينار لتغطية نفقات نشر “إنجازات” الحكومة، وتخصيص نحو 9 مليارات دينار مصاريف يومية لديوان وزارة الخارجية، بمعدل يومي 235 مليون دينار، ورصد تخصيصات جديدة الى وزارة الدفاع تصل الى أكثر من 600 مليار دينار لـ”تطوير” الدفاع الجوي والقوات البرية والبحرية وغيرها من القوات التابعة إلى وزارة الدفاع الحالية.
في العراق أكثر من 10 ملايين شخص تحت خط الفقر
على الرغم من الثروات الهائلة التي يمكن أن تجعل العراق في مصاف الدول الأغنى في العالم؛ ما يزال ملايين العراقيين يرزحون تحت خط الفقر بسبب الفساد المتجذر بالدوائر الحكومية كافة والصراعات السياسية والمحاصصة الحزبية، وغياب حكومات وطنية تعمل على تفعيل استثمار الموارد وإنعاش اقتصاد البلاد.
ووفق دراسة أجرتها وزارة التخطيط الحالية في النصف الثاني من العام 2020، بالتعاون مع البنك الدولي، تبلغ نسبة الفقر في العراق نحو 25% وهذا يعني أن أكثر من 10 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، وما تزال محافظات الجنوب تتصدر معدلات الفقر، وفي مقدمتها محافظة المثنى بنسبة 54%، وتليها محافظة الديوانية بـ 49%، وذي قار بـ48%، ثم تأتي بقية المحافظات تباعا بنسب مختلفة، حيث وصلت نسبة الفقر إلى 40% كمعدل عام في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى متأثرة بظروف الحرب وما نتج عنها من تهجير وخراب، وكانت كربلاء والنجف الأكثر تضررا بتداعيات جائحة كورونا بسبب اعتمادها الكبير على السياحة الدينية.
ويؤشر مراقبون إلى وجود أسباب أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية أدت إلى زيادة نسبة الفقر، فضلا عن انخفاض أسعار النفط والصراع السياسي والفساد المستشري.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى تأريخ إعداد هذا التقرير لا يوجد قانون خاص بالقضاء على الفقر ومعالجته في العراق، وكل ما هو موجود محاولات من قبل وزارات المالية والتخطيط والعمل لتقديم معونات متواضعة جدًا للطبقات الهشة الفقيرة في المجتمع.
العراق يقترض لـ”تسديد” نفقات الحشد الشعبي
أقرت مصادر مطلعة بأن حصة هيئة الحشد الشعبي من الموازنة التي تم إقرارها تزيد على 3 ترليون دينار بما يفوق تخصيصات الحصة التموينية بأربع مرات، مؤكدة أن العراق ما يزال يقترض لـ”تسديد” نفقات الموازنة التشغيلية لهيئة الحشد الشعبي، وأن جزءًا كبيرًا من هذه القروض تأتي من وكالة التعاون الدولي التابعة لوزارة الحرب الأمريكية بحسب ما مذكور في موازنة 2021، وتجدر الإشارة إلى أن العراق يقترض من وكالة التعاون الدولي وهي المؤسسة الرسمية الوحيدة المعنية بإطلاق المساعدات العسكرية الى كافة بلدان العالم، وتقدر الأموال التي يقترضها العراق بنحو 500 مليون دولار سنويًا، لا تأتي على شكل أموال وإنما تأتي على شكل معدات وتجهيزات عسكرية وأسلحة مختلفة، يذهب جزء كبير منها إلى فصائل الحشد بعلم الجهة المانحة.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية يزيد الفقراء فقرًا
استمرار منهجية التخطيط العشوائي ولاسيّما في الجانبين الاقتصادي والمالي يجعل من الموازنة السنوية الحالية –كسابقاتها- مجرد وعاء لوضع الاشياء كيف ما اتفق فيها وتدوير المشاكل المتفاقمة من سنة الى اخرى دون ايجاد حلول حقيقة لها؛ الأمر الذي من شأنه مواصلة ترهل الموازنات مع نسبة عجز كبيرة غير متلائمة مع حاجة السوق والقدرة المالية للمواطن وسببًا في زيادة نسبة الفقراء اكثر مما وصلت اليه الان؛ الأمر الذي تسبب بزيادة الفقراء فقرا بعد ان ارتفعت اسعار المواد الضرورية وخصوصا المستوردة او المنتجة محليا وعدم توزيع مواد البطاقة التموينية الضرورية.
تخصيصات استثمارية زهيدة في الموازنة
استمرارًا في نهج التخريب ولاسيّما في الجانبين الاقتصادي والمالي؛ ما تزال التخصيصات الاستثمارية في الموازنة ضئيلة جدًا ولا توفر أقل المطلوب للقطاعات الانتاجية في العراق؛ فقد خصصت 0,6 % من الموازنة لوزارة الزراعة، بقيمة تصل إلى 900 مليار دينار، علمًا أن الزراعة قامت باستيراد مادتي البطيخ والطماطم من إيران بأربعة أضعاف هذا المبلغ، فيما جرى تخصيص 1% من الموازنة لكل من وزارتي الصناعة والتشييد والإسكان، و 0,3% لقطاع الماء والمجاري والصرف الصحي، فيما كان نصيب وزارة الصحة 4.4 %، التي بحسب كوادر طبية تم جمع مبالغ مالية منهم لشراء مستلزمات طبية إلى مستشفى مدينة الطب ببغداد، في المقابل وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم تحديد 17% من الموازنة للأمن والدفاع، وأكثر من 14% خصصت للإدارات العامة.
مبالغ خيالية لـ”برامج حكومية” غامضة!
أكد خبراء اقتصاديون أن الأرقام الكارثية لبعض الفقرات الخدمية لا مبرر لها، وأن هناك نفقات في الموازنة يصل ناتج مجموعها إلى 29 مليار دينار، ويتكرر الأمر في أكثر من فقرة مما يؤكد أنها أرقام لا أصل لها، فضلا عن وجود فقرات تحت عنوان “برامج حكومية” رُصدت لها مبالغ خيالية دون تفاصيل، مما يخلق تساؤلات كثيرة عن طبيعة تلك البرامج التي من حق المواطن معرفتها، ويعدّ استمرار سكوت الجهات المسؤولة في البرلمان عن المطالبة بتوضيح العديد من بنود الميزانية تواطؤا مفضوحًا للاستفادة المشتركة من الأموال.
ويظل الغموض وغياب التفاصيل الخاصة بالنفقات السمة الأبرز للموازنات السنوية في العراق، فقد مُررت الكثير من الفقرات في الموازنات السابقة دون أي إيضاح، ولا تقتصر الكارثة على ذلك؛ فالغموض في بعض العائدات التي تختفي دون معرفة الأسباب مثل عوائد المشتقات النفطية التي تباع للمواطنين مباشرة، مثل بنزين السيارات والنفط الأبيض ووقود المولدات الكهربائية، التي تصل وارداتها إلى 2.5 مليار دولار سنويًا، أو استمرار إحجام الحكومة عن جمع بدلات الإيجار لقرابة ألف عقار حكومي تستولي عليها جهات متنفذة، وهو ما يكلف الدولة فقدان مليار سنويا، وغيرها من الإيرادات الرئيسية كالمنافذ الحدودية التي يصل إلى خزينة الدولة 10% فقط من وارداتها.
استمرار تجاهل تقليل النفقات وزيادة الإيرادات
ما تزال الحكومات المتعاقبة في العراق تتجاهل التقارير التي تم رفعها لتقليل النفقات وزيادة الإيرادات، وهي كثيرة ربما تسد العجز وتولد فائضا ماليا من الممكن استثماره لبناء منشآت ومعامل لتشغيل اليد العاملة وتقوية المنتج المحلي، ولكن يتم تجاهل جميع التقارير في السنوات الماضية والحالية لدعم الأحزاب الفاسدة وتزوير الانتخابات. وأن وزارة المالية تظل المسؤول الأول عن جميع الإخفاقات والعجز الحاصل.
ومع كل ما تقدم؛ يظل تنفيذ الموازنة بحاجة إلى رقابة حقيقية وبذل الجهود الوطنية في سبيل تنفيذ الفقرات التي اقرت. ونظرا لتجارب السنوات السابقة والحالية هناك الكثير ما يعيق التطبيق؛ فبعد تأخر إقراره أشهرا بسبب الخلافات السياسية والمالية، قالت وزارة المالية الحالية بعد نشره إنه يتضمن “أخطاء”، والسؤال: أين كانت كل اللجان التي شكلت في البرلمان والحكومة والكتل السياسية بكل مسمياتها عن هذا الخطأ؟ الأمر الذي يؤكد التحايل المتواصل على النصوص التي تم الموافقة والتصويت عليها تحت الضغط.
وكالة يقين
شبكة البصرة
الاثنين 28 رمضان 1442 / 10 آيار 2021
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس