مشاريع عراقية لحل أزمة الكهرباء تواجه الكثير من التحديات
الحرة/مصطفى هاشم - واشنطن:"حاليا المولد الكهربائي عاطل، لا توجد كهرباء في ظل معاناتنا في هذا الحر الشديد"، يعبر النازح العراقي، عبدالله علوان، لقناة "الحرة"، من مخيم حسن شام، غرب محافظة أربيل، عن الأوضاع القاسية التي يعيشها نتيجة الانقطاع المتكرر وشبه الكامل للكهرباء.
لكن المعاناة من نقص الكهرباء، لا تقتصر على سكان مخيمات النازحين فحسب، بل استمر انقطاع الكهرباء عن محافظة ديالى العراقية، لنحو يومين على التوالي نهاية مايو الماضي، بعدما توقف خط كهرباء إيراني عن العمل "لأسباب مجهولة"، الأمر الذي أثر على نحو نصف سكان المحافظة الواقعة شمال شرقي العاصمة بغداد.
فالعراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بعد السعودية، يعاني بالفعل من نقص الطاقة والاستثمارات غير الكافية في المحطات القديمة، فضلا عن أن الطلب على الكهرباء قد يقفز إلى 50 في المئة نهاية العقد الحالي، عما تنتجه البلاد حاليا، وفقا لما ذكره موقع "بلومبيرغ".
وأثار انقطاع الكهرباء المتزايد خلال السنوات الماضية، خاصة في الصيف، إلى تصاعد الغضب الشعبي واندلاع الكثير من المظاهرات التي اتسعت فيها المطالب ووصلت إلى إسقاط الحكومة، وهو ما دعا السلطات إلى الإعلان عن عدد من المشاريع في هذا القطاع.
محطات نووية
آخر هذه الإعلانات، كان عبر رئيس هيئة تنظيم المصادر المشعة العراقية، كمال حسين لطيف، الذي قال في تصريحات لـ"بلومبيرغ"، الاثنين، إن العراق يسعى لبناء ثمانية مفاعلات قادرة على إنتاج حوالي 11 غيغاواط".
لكن الأكاديمي والخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني، أعرب في حديثه مع موقع "الحرة" عن تخوفه، من أن يكون الإعلان الحكومي لـ "الاستهلاك الإعلامي" أو يكون كسابقه من الخطط التي لا تنفذ.
وقال المشهداني: "نحن نسمع تصريحات كثيرة عن وجود خطط وبرامج لحل أزمة الكهرباء المستعصية منذ أكثر من 20 عاما"، مضيفا أن "كل الجهود الحكومية ذهبت سدى، لأن الفساد قضم الجزء الأكبر".
وأوضح أن الاستثمارات التي طالت قطاع الكهرباء بلغت حوالي 63 مليار دولار، مضيفا "كان يفترض أن يصل إجمالي إنتاج الكهرباء في العراق إلى 60 ألف ميغاواط، وهو ما يتعدى احتياج العراق الفعلي".
وأضاف "ما حصل أنه نتيجة للفساد، لم تستطع الحكومات المتعاقبة تنفيذ هذه البرامج".
"تخبط"
وتابع "نسمع الآن أن هناك اتجاهاً لبناء محطات نووية، وقبل عشرة أيام كان هناك توقيع اتفاقات مع شركات عالمية لبناء محطات كهربائية تنتجها الطاقة الشمسية، لإنتاج ألف ميغاواط".
وأبرمت الحكومة العراقية، الأسبوع الماضي، اتفاقية مع شركة "توتال" الفرنسية لإنتاج ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية، كما أن هناك مفاوضات مع شركة "باور تشاينا" الصينية، و"جنرال إليكتريك" الأميركية.
ويرى المشهداني أن هذا "تخبط" من وزارة الكهرباء، وقال: "نحن بلد نفطي وفيه غاز متوفر بشكل كبير"، فيما يشير لطيف إلى أن بناء محطات نووية عراقية هي واحدة من الطرق التي يحاول فيها العراق حل أزمة الكهرباء.
فحتى لو قام العراق ببناء العدد المخطط له من محطات الطاقة النووية، فلن يكون ذلك كافياً لتغطية الاستهلاك المستقبلي، بحسب لطيف، الذي أشار إلى أن العراق يواجه بالفعل حاليا فجوة تبلغ 10 غيغاواط بين السعة والطلب، متوقعا أن البلاد بحاجة إلى 14 غيغاواط إضافية لتلبية احتياجات الدولة لغاية 2030، أي طوال عشر سنوات مقبلة.
النووي قد يحول دون "مشكلة كبيرة"
واقترحت جنرال إليكتريك، الاثنين، أن يستخدم العراق توربينات غازية عملاقة من طراز "أتش أيه" تقوم هي بصناعتها، مضيفة أن صيانة محطات الكهرباء في العراق يمكن أن يوفر أكثر من ثمانية آلاف ميغاواط يوميا، تضاف إلى 14 ألف ميغاواط من طاقته الإنتاجية الحالية.
يعني هذا أنه بعد صيانة المحطات الكهربائية سيرتفع إنتاج الكهرباء في العراق إلى ما يصل إلى 22 غيغاواط بحلول أغسطس المقبل، إذا ما تم، لكن هذا أقل بكثير من الطلب الافتراضي الذي يبلغ 28 غيغاواط تقريبا في ظل الظروف العادية.
وبحسب وزارة الكهرباء، فإن ذروة الاستخدام خلال الأشهر الحارة، في يوليو وأغسطس، تتجاوز 30 غيغاواط. وقال لطيف إن الطلب سيصل إلى 42 غيغاواط بحلول عام 2030.
وأضاف "لدينا عدة تنبؤات تظهر أنه بدون الطاقة النووية بحلول عام 2030 سنواجه مشكلة كبيرة"، مشيرا إلى أنه "لا يقتصر الأمر على نقص الطاقة وزيادة الطلب على التعامل معها، ولكن العراق يحاول أيضا خفض الانبعاثات، وإنتاج المزيد من المياه عن طريق تحلية المياه".
ولا تنتج الطاقة النووية ثاني أكسيد الكربون، وهو ما اتجهت إليه بعض دول الخليج لخفض الانبعاثات.
لكن المشهداني لا يريد التعويل على الطاقة النووية، بل يحذر منها، "لا تسمح الأراضي العراقية ببناء مثل هذه المحطات النووية لخطورتها، لأن إجراءات السلامة والأمن غير مكتملة، كما أننا رأينا دولاً كبرى تعرضت مفاعلاتها النووية إلى التدمير لخلل فني أو سوء إدارة".
ويرى أن بناء مثل هذه المحطات فيه صعوبة كبيرة لعدم وجود الكوادر العراقية اللازمة، فضلا عن الإمكانات المالية والتمويل المالي الكبير التي تحتاجها.
وكشف لطيف أن السلطات العراقية اختارت بالفعل 20 موقعا محتملا للمفاعلات، وتوقع توقيع العقود الأولية في العام المقبل.
لكن المشهداني يرى "أن هذا الإعلان هو للاستهلاك الإعلامي لأن مثل هذه المحطات تحتاج إلى كوادر، ومعظم الكوادر العراقية التي كانت مدربة على استخدام الطاقة النووية إما تقاعدت عن العمل أو قتلوا خلال العشرين سنة ماضية باعتبارهم خبراء وعلماء في هذا الميدان أو هجروا ولم يعودوا أبدا".
"باب جديد للفساد"
وأشار المشهداني إلى أن "بناء محطات طاقة نووية سيتطلب أموالاً كثيرة، والحكومة عاجزة أن توفر الحد الأدنى لمتطلبات تنفيذ مشاريع مع شركات مثل جنرال إلكتريك أو سيمينز المتخصصتين في الطاقة".
فيما قال لطيف إن الحكومة العراقية ستسعى للحصول على تمويل من شركاء محتملين لخطة 40 مليار دولار وتسديد التكاليف على مدى 20 عاما، مضيفا أن الهيئة ناقشت التعاون مع المسؤولين الروس والكوريين الجنوبيين.
ويرى المشهداني أن الحل يكمن في خصخصة قطاع الكهرباء، لعدم ثقته في إدارة الدولة له، "قد يكون الإعلان عن بناء محطات نووية باباً جديداً للفساد".