الدولة
ابراهيم الولي*
الدولة The State
الدولة، اسم يشير إلى فضاء إفتراضي يقرر لمواطنيه اسلوب حياة آمنة مرفهة تليق بآدمية الإنسان ، وهي أرقى تجمع بشري أخرج الإنسان من الحياة الطبيعية ، عندما كان الإنسان ذئباً لأخيه الإنسان كما يصفه ،توماس هوبز Hobbes ، في كتابه التنّين Laviathan ، إلى تنظيم ذاته في تجمع اسماه دولة، كان ذلك حين تنادى الناس للبحث عن وسيلة تخرجهم من الضياع والفوضى إلى الإتفاق ضمنيا على إبرام عقد إجتماعي تنازلوا فيه عن بعض حرياتهم إلى قائد أو جماعة لتولي شؤونهم بما يحفظ حياتهم وممتلكاتهم من الزرع والضرع، ومن ثم لتوفير ما يمكن من الرفاهية والعيش الكريم، فكانت الدولة التي تنمّرت بعدئذ في رأي هوبز.
والدولة تنظيم مرّ لتطوره بعصور، فكانت دول وامبارطوريات نمت وازدهرت واندثرت وكانت تخضع لقوانين التطور ، فما كان منها ذات قيادة صالحة قادرة، انتعشت ونمت ، وبعكسه فقد تدهورت وزالت و ذهب ريحها ، هكذا يخبرنا المؤرخ البريطاني (أرنولد توينبي) بالقول ( انّ القدرة الخلاقة لدى القادة تخلق الحضارة) جاء ذلك في كتابه Genesis , وإنما سأقتصر هذه المقالة المركزة على الدولة المدنية الحديثة التي جاء ذكرها في كتاب ماكيافيلي ( الأمير) حين تطرق إلى ذكر سيادة الدولة . و الأهم ، اني أخذت بتطور هذه الدولة منذ مؤتمر ومعاهدة وستفاليا 1644 التي دعت وأسست إلى قيام دولة مدنية تتساوى في السيادة مع غيرها ، كبرت أم صغرت، جمهورية كانت أم ملكية او دوقية ، بعد ما عصفت حرب ضروس لثلاثين سنة بأوروبا الدينية حين كان يحكم أوروبا أباطرة من آل هابسبورغ والبوربون والروما نوف والهوهنزلرن وغيرهم..
الدولة إذًا بتعريف بسيط، هي أن جماعة من الناس أجمعوا على ممارسة نشاطهم على بقعة من الأرض في إقليم جغرافي محدد، ارتضوا الخضوع إلى نظام سياسي متفق عليه لتأسيس دولة ، وقد اختاروا لها قيادة ، إن صلُحت، صلَحت الدولة، وإن فسدت دمّرت ما صنعوا.. فالدولة تشرف من جانبها على تحقيق مشاريع وأنشطة إقتصادية وسياسية وإجتماعية تنفيذا لوعدها بالعقد الإجتماعي الذي حدد ما لها وما عليها، بمثل ماللشعب من واجبات وحقوق.
الدولة إذاً شعب وإقليم له حدود واضحة معترف بها، وحكومة مستقرة تأتي وتذهب ليس كالدولة الثابتة ،وقوة عسكرية وأمن، وسيادة داخلية تمارس سلطانها على مواطنيها بإحتكار اللجوء إلى القوة والعنف ( كمايقول ماكس ويبر) وخارجية تؤهلان إلى ولوج الفضاء الدولي بمجتمعاته ومنظماته كي تحصل على الإعتراف بها، أما قانونيا recognition de jure وأما واقعيا de facto الذي يكون ناقصا تمليه ظروف الساعة المتغيرة عادة .
ما تقدم من وصف هو للدولة المدنية المثالية المستقرة التي يندر وجودها كاملا الآن، وانا لو أتحدث عن دولنا في الشرق الأوسط والأدنى وحتى الأقصى، فتلك حالات نخر جسد بعضها الفساد وقلة الشعور بالمسؤولية، حتى لقد صار بعضها يوصم بالفشل، كما يصفها (نعوم شومسكي) ، وأخرى رخوة كما يصفها (جونار مردال) وثالثة قلقة Empirical .. وأما الآخيرة التي تُدعى دولة عدوانا على قدسية الدولة ، فتلك هي الدولة العميقة Deep State أو الموازية والمتجذرة ، وهي التي تترعرع داخل جسم الدولة لتنافسها حتى لتعيقها عن آداء من أؤتمنت عليه من واجبات. هذه الدولة ربما كانت ذات أوجه متعددة ، فمنها مثلاً ما ضم عسكريين أو إقتصاديين هدفهم العمل من خارج نطاق الدولة الشرعية القائمة لحماية نظام معين تخشى عليه من الضياع، كما هي حالة العسكريين في تركيا للحفاظ على علمانية أتاتورك. وفي الولايات المتحدة تظل المؤسسة المالية تدير دولة عميقة تحافظ على الدولار وعلى هيبة ومصالح الشركات والمؤسسات الامريكية الكبرى، أما البعض الآخر من هذه الدول العميقة ، فهو يعمل على الحفاظ على مكاسب أفراد أو جماعات أو أحزاب خشية فقدانها مصالحها ومكاسبها ، فيتم ذلك على حساب الدولة ومصالح الآخرين من افراد الشعب، هذا النوع من الدول العميقة ترعاه في الغالب ميليشيات شبه عسكرية تنخر جسم دولها، وتكون غالبا مسنودة من قوى في داخل النظم ، أو حتى من دول أو مؤسسات خارجية. وهذه حالات لها تطبيقات
واضحة في منطقتنا العربية عموما، لعل أبرزها ما يجري في العراق ولبنان واليمن وليبيا والصومال وأفغانستنان وغيرها.
والدولة تكون من حيث الشكل إما مصغرة Minimal و هي التي يدعو لها الكلاسيكيون الأحرار بحيث تكون وظيفتها مقتصرة على حفظ السلام والنظام المجتمعي، و اما دولة التنمية التي تعمل بالتضامن مع المصالح الإقتصادية في بلادها كالحال في اليابان ودول جنوب غرب آسيا. ودول ديموقراطية اشتراكية Soc.Demo التي تتدخل في الحياة الإقتصادية والإجتماعية لتحارب الفقر وتعمل على تحقيق العدالة في توزيع الثروة وأخيرا هناك الدول التعاونية .Collectivised .
اما الدولة القومية Nation State فتقوم حيث يكون السكان مشتركين في ثقافة ولغة وعنصر Ethnicity . كما يمكن أن تكون الدولة اما اتحادية Federal أو Confederation كونفدرالية. فأما الإتحادية كما هي الحال في العراق والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، فهي تقوم على مبدأ قيام الوحدة مع الإختلاف ، وخير مثل على هذا شعار الولايات المتحدة E pluribus unum من الجميع واحد، أما الكونفدرالية فهي تجمع عدة دول لها رؤساء من ملوك أو رؤساء جمهوريات فلا تفقد الواحدة منها شخصيتها ، ويحق لها الإنفصال متى شاءت، وقد كان الإتحاد السويسري كذلك لزمن ثم عاد إلى الفدرالية التي يعمل بها الآن. وشكل الآخر للدول Totalitarian الإستبدادية أو الديكتاتورية، فهي تلك التي تقوم على حكم الفرد والحزب دون الإلتفات إلى الديموقراطية ، وأما اللبرالية التي تحكم مصالح الناس والمجتمع بالعدل وبحياد تام. وأما الماركسية فهي التي تسعى لان تكون إدارة للقمع الطبقي بهدف إنهاء البرجوازية. وتجيء الإشتراكية الديموقراطية لتحارب مساوئ النظام الطبقي، وغير هؤلاء ، هناك الدولة المحافظة، التي تبني فلسفتها على تثبيت السلطة لتجنب الفوضى. وأخيرا هناك التيار اليميني الجديد New Right الذي يؤكد على كفاءة السوق الحرة من أجل الحرية الإقتصادية والسياسية، ولقد كان الإقتصادي النمساوي (هايك) الحائز على نوبل والذي عمل بعض الوقت مستشاراً لمارجريت تاتشر رئيسة المحافظين في بريطانيا حتى حملها على تبني التيار الجديد على حساب المحافظين، وكان من أوائل المنادين بهذا التيار الجديد.
بقى للدخول إلى أنواع الدول الأدنى مثالية من تلك التي أسلفنا. تلكم هي: الدولة الرخوة ، والدولة الفاشلة، والدولة القلقة.
أولا: الدولة الرخوة Soft State
هذا النوع من الدول. أوحى بدراسته والكتابة عنه لجنوب آسيا، الإقتصادي السويدي* Gunnar Myrdal الحائز على جائزة نوبل مشاركة مع الإقتصادي النمساوي هايك**. نشر ميردال كتبا عدة منها ( المعضلة الأمريكية 1944)***و (التوازن النقدي) ومايهمنا هنا هو بحثه المستفيض عن( المأساة الآسيوية ،بحث في أسباب فقر الشعوب،) وكإن لوجود عقيلته ُElva سفيرة السويد في الهند وقتئذ ، والتي حصلت هي الأخرى على جائزة نوبل للسلام 1982، ماساعده على اتمام دراسته التي خلص منها لتوصيفب بعض الدول منها بالرخوة. يقول إن الدول الرخوة تصنف بين التجريبية والقانونية Empirical and Juridical فهي تتصف عموما وبأشكالها المختلفة بعدم الإنضباط المجتمعي بسبب نقص أو عجز بالتشريع مراعاة للقانون وفرضه، يصحب ذلك شعور عام بالتمرد وعدم الطاعة لدى موظفي الدولة واصطفافهم مع شخصيات ذوات نفوذ في البلاد وهم ممن كان يجب ضبطهم لئلا يسود في جسم الدولة الفساد.
يعزو مردال سبب هذا التمرد ه إلى القوى الإستعمارية التي قضت على مراكز تقليدية في السلطة المحلية وحولتها إلى فشل في خلق بدائل مقبولة. ومع هذا يتطور إعلان التمرد Disobidience ضد أي سلطة مركزية كانت توجه ضد السياسات الوطنية، ولقد استمر هذا التوجه حتى بعد استقلال تلك الدول التي لايبدو أنها تستطيع _ وهي الرخوة_ فرض تطور صحيح، و هي غير راغبة بالعمل ضد الفساد على جميع المستويات.
الدولة الرخوة هي التي تضع القوانين ولا تطبقها، ليس لما فيها من ثغرات، ولكن لأن أحدا لايريد إحترام القانون. الكبار في هذه الدول لا يبالون بسب امتلاكهم المال والسلطة لحمايتهم ورخاوة الدولة تشجع على انتشار الفساد المتزايد.
فالفساد منتشر لدى السلطة التشريعية والتنفيذية بل لقد وصل إلى القضاء والجامعات حتى لقد أصبح الفساد في ظل الدولة الرخوة اسلوب حياة. يحدد مردال سمات الدولة الرخوة بعدم احترام القانون وضعف ثقة المواطنين به حتى شمل ذلك مناهضي الفساد، ولوجود مؤسسات حكومية أكثر مما يلزم وبدون أدوار واضحة لدرجة أن كثيرا منها يتشابه ويتداخل مع صلاحيات بعضها البعض، ذلك لأن الهدف من ذلك هو خلق مناصب للمحسوبين على الدولة، وفي هذه الدولة الرخوة نسيج اجتماعي منقسم على نفسه ، فضلا عن انهيار البنية التعليمية والمدرسية والجامعية . ويضيف مردال غياب الشفافية وعدم التمييز بين المصلحة العامة والخاصة ،خصوصا فيما يتعلق بالمال العام . ويضيف قائلا أن في آسيا دولا غنية وهناك فئات فقيرة ، فأنت ترى الأولى تستمر في التنمية والتطور، بينما تبطيء الأخرى باستمرار بما يتسبب في اتساع الفجوة في عدم المساواة الإقتصادية بين النامية والأخرى . ويقول في نظريته أن هناك مسببات تراكمية تعمل على اضعاف الدول النامية_Cumulative causation فتجعلها أكثر رخاوة ,من ذلك ، هجرة الأيدي الماهرة ورؤوس الأموال من الرخوة الى دول متطورة فيزداد بذلك فقر الأولى وغنى الثانية . لقد تعرضت نظرية مردال حول الدولة الرخوة للإنتقاد أو تحليل وتعليقات مختلفة ،حتى أن بعض الكتاب أعطوا كلمة رخوة معان لم يقصدها مردال تماماً ، صحيح أن كتاب مردال حول الموضوع صدر على خلفية ما عاشه وزوجته السفيرة في الهتد في أربعينيات القرن الماضي .. فقد كان وصفه الحالة وقتئذ عادلاً لما لاحظ من إيغال في التخلف والفوضى التي ورثها الهنود عن الإستعمار. ويقيناً أن السيد مردال لو كُتب له أن يرى التقدم الهائل الذي حققته الهند الان على مستويات مختلفة جعلها _ رغم ضخامة عدد سكانها – من الدول التي يحسب لها عسكرياً وتقنياً وفي الفضاء الدولي ، ألف حساب .فربما اختلف حكمه عليها . على أن ما تقدم لا يقلل، في رأيي ، من أهمية وموضوعية السيد مردال واسهامه في تطور الفكر الإنساني إقتصادا وسياسة واجتماعاً. وفي نهاية المطاف فأني أتلمس في فكر مردال حول الدولة الرخوة، إنما يوضعها في مرحلة تسبق الدولة الفاشلة، ذلك إن لم تستمر على اللا مبالاة في اسلوب إدارة الحكم بما سيجعل المسؤولون أكثر التزاماً بالشفافية والنزاهة، فإن وقع ذلك ، وهو واقع الآن في تلك الدول محل الدراسة ، فان الأمر مختلف الآن ، ومعظم دول آسيا الحالية مثال لما أتصور.
ثانياً : الدولة الفاشلة Failed State
لعل أبسط أسباب فشل الدولة هو عدم قدرتها على السيطرة على اقليمها او حمايته من عدوان خارجي حين تظل حدودها مكشوفة سواء امام عدوان عسكري أو دخول عناصر غير مرغوب بها امنياً البلاد دون رقابة أو حتى عدم السيطرة على واردات الدولة بصورة غير مشروعة ربما أخفت معها مهربات كالمخدرات وما الى ذلك. ومن مظاهر فشل الدولة اتساع الفجوة بين الحكومة والشعب، حتى لقد ينسى المسؤول الفاشل ان علة وجوده مصدرها الشعب الذي ارتضاه فخاب املهم فيه . ومن أسباب الفشل المتراكم تفشي الفساد واختفاء الشفافية والنزاهة في التعامل خصوصا فيما يتعلق بالمال العام للدولة ومواردها الطبيعية كالاختلاس بنوعيه الظرفي Situative والهيكلي structural يتعلق الأول بالرشوة لتسهيل المعاملات، اما الثاني ففي نهب المال العام ،سواء بالتدخل غير المشروع في مشاريع الدولة وتعاقداتها في مجالات الزراعة والصناعة والموارد الطبيعية. ومن مظاهر فشل الدولة اللجوء الى المحسوبية بالتحيز عند تعيينات موظفي الدولة مدنيين ام عسكريين بحيث يكون الإختيار مقتصرا على الفاسد وغير الكفئ على حساب الأكفاء . اما عن ضعف الشعور بالمواطنة الحقة فيظل من اهم اسباب فشل الدولة . فاصطفاف المواطن الى دولة قريبة أو بعيدة عن موطنه على حساب وطنه لا يمكن تبريره او وصفه بأقل من الخيانة . كما ان تشجيع الشعب على التمسك بالإرث الذي ينادي بتسيد العشيرة أو الطائفة أو الدين او المذهب بحيث يطغى هذا الإنتماء على الانتماء للوطن . والحقيقة ان لجوء المواطن الى طلب اللجوء لدى الغير طلبا للحماية من جور الوحدات الإجتماعية آنفة الذكر طائفيا او عرقياً او عشائريآ ، انما يكون بسبب خذلان الدولة للمواطن في حريته او معاشه وكرامته، فالدولة تكون في هذه الحالة قد فشلت في احترام التزاماتها القانونية والانسانية اذ لم تنفذ شروط العقد الاجتماعي الذي جاء بها لحكم الدولة ..
ولعل نعوم شومسكي * خير من وصف الدول الفاشلة في كتابه ( الدولة الفاشلة .. اساءة استخدام السلطة والإعتداء على الديمقراطية) الصادر عام 2006م. يصف ان الدولة الفاشلة بأنها دولة غير قادرة او حتى غير راغبة في حماية مواطنيها من العنف بل ومن الدمار نفسه. حتى وان ملكت تلك الدول اشكالا من الديمقراطية، الا انها تعاني من قصور وعجز ديمقراطي خطير يجرد تلك المؤسسات الديمقراطية من أي جوهر حقيقي. يدعم شومسكي بالوثائق سعي واشنطن الى اعفاء نفسها من كل مجريات المعايير الدولية بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة . واتفاقيات جنيف وأسس القانون الدولي المعاصر وبروتوكولات كيوتو..
فشل الدولة : رب سائل يسأل عما يقع للدولة حين تفشل قانونياً أو واقعياً ! الأمر ببساطة : فشل الدولة يعني بالأساس( بين أمور عديدة اخرى ) عدم استطاعتها الإيفاء بالتزاماتها المالية ، امام الدول او الهيئات الدائنة بسبب فساد نظامها المصرفي وسوء الإدارة عموما". فهي تضطر عندما تتراكم فوائد دينها العام على طلب هيكلة الدين بتكرار من شانه اضعاف ثقة الدائنين في الداخل و الخارج بها ، فضلا عن مضاعفة خدمة الدين العام و فوائده ،أو أن تخفض قيمة عملتها الوطنية بما يؤدي الى تشجيع صادراتها بمردود عكسي على الشعب الذي سيعاني من ارتباك في السوق وغلاء الأسعار بما يسبب حدوث ارتباك مجتمعي مضر بمكانة الدولة و نظامها السياسي وقد يكون ذلك أهم افرازات فشل الدول .
ثالثا: الدولة القلقة Empirical State (…Fragile.)
لقد وجدت في كلمة قلقة أقرب معنى لهذا النوع من الدول التي وصفت بذلك لأن وضعها لا يرقى تماما للدولة القانونية Juridical الذي يعترف بها المجتمع الدولي بجميع مؤسسساته. من صفات دولة كهذه أنها تعيش في حالة سياسية واقتصادية بل واجتماعية في حركة وتبدل مستمر سواء في نظم الحكم التي تتعاقب عليها رغم إرادة شعوبها في أغلب الحالات.. فأنت ترى الدولة الأفريقية _س مثلا) يبرز فيها حاكم عسكري بسيط ليفرض نفسه بقوة السلاح وسطوته في انقلابات تتوالى على تلك الدولة القلقة المغلوبة على أمرها. وعدا ما تقدم فإن هذه الدول تكون عرضه باستمرار لانتهاك سيادتها سواء في حدودها أو قضم جزء من اقليمها بحجة جيوبولتكية أو أخرى. هذه المواصفات للدولة القلقة التي عمت القارة الأفريقية لزمن طويل في إثر اانعتاقها من الاستعمار الغربي أو من الوصاية على بعضها. ولعل بعض صفات هذه الدول القلقة نراها تنطبق على دول اخرى في الشرق الأوسط وأمريكا الوسطى واللاتينية. وهي لا تصنف على أنها دول فاشلة بل لعل في الصحيح تصنيفها بما قبل الفاشلة.
الدولة القلقة تتميز بعدم احترامها والتزامها بحقوق الإنسان وليس فيها مؤسسات رصينة قائمة فضلا عن فقدان شعوبها لدرجة معقولة من الوحدة الوطنية. لهذا فهي تظل غير متماسكة و معرضة للتآكل والتخلف.
[size=32]الخاتمة:[/size]
ذلك هو مفهومي للدولة التي وصفتها بأنها فضاء افتراضي يحكمنا ونعيشه دون أن نلمسه ، وقد اقتصرت بالمقالة هذه بالحديث عن الدولة المدنية الحديثة التي جاء ذكرها عند مكيافيلي فهو أول من ذكر سيادة الدولة في كتابه الأمير ثم كان الفيلسوف الالماني ماكس ويبر Max Weber 1864-1920 الذي حدد في كتابه (السياسة كمهنة ( Politics as a vocation ثلاثة أسس للدولة العصرية هي الصفة الإقليمية Territoriality واحتكار وسائل العنف الشرعي في المجتمع ،Means of legitimate violence , ، والشرعية Legitimacy .
وقد يلاحظ القارئ أني بدأت معالجة موضوع الدولة اعتباراً من مؤتمر ومعاهدة وستفاليا 1644-1648 التي اسست للدولة المدنية بعد سلسلة حروب دامت في اوروبا ثلاثين سنة. فالدولة كما نراها تزدهر حين يكون ربانها ذا كارزما خيّرة يرعاها فتزدهر حضارةً ،وبعكسه فسيكون مآلها إلى الفشل والقلق و قد تسير الدولة العميقة لتحل محل الدولة تدريجيا.
في مقالتي هذه اعطيت وصفا لا بأس به للدولة ماهي، كيف كبرت و نمت وازدهرت ، ووصفت قوالبها و اسلوب تعاملها مع مواطنيها وانواعها واهدافها، تاركا للقراء الفطنين قياس هذه المواصفات ومقاربتها على دولهم ليروا بأنفسهم مدى انطباق أو افتراق الصورة عن واقع دولهم ، فليس هذا من شأني كباحث موضوعي .
والله من وراء القصد
________
*
Gunnar Myrdal اقتصادي و سياسي سويدي كان وزيرا للتجارة في السويد 1898م – 1987 وكان
سكرتيرا عاما للجنة الإقتصادية الأوروبية UNECE لعدة سنين .
**Hayek F.A.Von هو إقتصادي نمساوي من 1899 – 1992م حصل على جائزة نوبل مع مردال لبحثهما عن النظرية المالية والتغييرات الإقتصادية .
*** Article1000.com/Gunnar-Myrdals-development-state-theory
* نعوم شومسكيNoam Chomsky 1928 بنسلفانيا ، الولايات المتحدة استاذ جامعي عالم لغويات وفيلسوف محب للحرية مؤلف مائة كتاب في السياسة واللغة والإجتماع.
*سفير عراقي سابق