الدولة العراقية تواجه معضلة تغوّل الحشد الشعبي في الذكرى السنوية السابعة لصدور فتوى الجهاد الكفائي
المشكلة ليست في مقاصد فتوى السيستاني بل في ما ترتب عليها
العراق وهو يحيي الذكرى السنوية السابعة لصدور ما يُعرف بفتوى الجهاد الكفائي التي فتح المرجع الشيعي علي السيستاني بموجبها باب التطوّع لمواجهة تنظيم داعش عندما غزا ثلث مساحة العراق وأصبح على مشارف العاصمة بغداد، فإنّه يستذكر كيف تمّ استثمار الفتوى ذاتها في إنشاء جسم شبه عسكري دخيل على نسيج الدولة هو الحشد الشعبي الذي تحوّل إلى عنوان لفوضى السلاح وأداة لخدمة أجندات غير وطنية.
العرب/بغداد - مزج رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في بيان أصدره بمناسبة مرور سبع سنوات على إصدار المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني فتوى “الجهاد الكفائي”، بين الثناء على دور الفتوى في مواجهة تنظيم داعش وبين التحذير من حرفها عن غايتها الأصلية واستغلالها لأغراض مصلحية.
كما لمّح الكاظمي إلى وجود مسؤولية سياسية عن سقوط الموصل بيد التنظيم المتشدّد بدءا من صيف سنة 2014، محيلا بذلك على دور رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، دون أن يسمّيه، في إضعاف القوات المسلّحة العراقية ودفعها إلى حافّة الانهيار ما جعل داعش يحتّل قرابة ثلث مساحة العراق في بضعة أيام وصولا إلى مشارف العاصمة بغداد.
وكانت الفتوى المذكورة سببا في تشكيل الحشد الشعبي من العشرات من الميليشيات غالبيتها العظمى شيعية، وتحوّله إلى “جيش” رديف للقوات النظامية قام بدور كبير في الحرب ضدّ داعش واستعادة المناطق من سيطرته، لكنّه تحوّل بحدّ ذاته إلى معضلة تعيق استعادة الدولة العراقية لهيبتها وتمنع حصر السلاح بيدها.
فرغم أنّ الحشد أُلحق صوريا بالقوات المسلّحة العراقية، لكنّه ظل عمليا خارجا عن سيطرة قيادتها وتابعا لقادة الميليشيات التي يتشكّل منها ومدافعا عن مصالحهم ومنفّذا للأجندة التي يخدمونها وهي بالأساس أجندة إيرانية متعارضة جذريا مع مصلحة العراق ورغبة شعبه في الاستقرار والتنمية.
وواجه الكاظمي بشكل مباشر ظاهرة تغوّل الحشد عندما اصطدم به في كلّ مرّة كان يحاول فيها تطبيق قوانين الدولة على الميليشيات، وهو ما حدث مؤّخرا عندما ردّ الحشد بعنف على توقيف القيادي فيه قاسم مصلح للتحقيق معه في قضايا تتعلّق إحداها باغتيال النشطاء المعارضين، حيث اقتحمت الميليشيات المنطقة الخضراء التي تضمّ أهم المقرّات الحكومية والسفارات الأجنبية مطلقة تهديدات لرئيس الوزراء والقادة الأمنيين الخاضعين لإمرته.
الحشد ابتكار إيراني عكس عدم ثقة إيران في القوات العراقية سليلة الجيش الذي سبق له خوض الحرب ضدّها
واضطّرت السلطات العراقية لاحقا لإطلاق سراح مصلح، بينما اعتبر متابعون للشأن العراقي أنّه لا مناص لرئيس الوزراء وسائر العراقيين، في الوقت الحالي على الأقل، من التعايش مع ظاهرة الحشد نظرا لصعوبة اجتثاثها في أمد منظور.
واعتبر الكاظمي أن فتوى المرجعية الدينية أوقفت “وحشا إرهابيا”، في إشارة إلى تنظيم داعش.
وقال في بيان صدر الإثنين عن مكتبه الإعلامي إن العراق مرّ في مثل هذه الأيام بظروف بالغة الصعوبة وضعته أمام تحدّ وجودي خطير “لولا العناية الإلهية” وما صدر من المرجع الأعلى علي السيستاني “من فتوى وتوجيهات أوقفت وحشا إرهابيا كان قد أرعب العالم كله وقد أدت الفتوى إلى القضاء على هذا التنظيم خلال مدة لم يكن يتصورها العالم كله”.
وأضاف “وجاءت الفتوى من منطلق روح وطنيّ خاطب الهوية العراقية الشاملة كما هو المنهج المتعارف الدائم في مواقف المرجعية الرشيدة التي أبت أن تخاطب أي عراقي سوى بهويته العراقية، تاركة العناوين الطائفية والعرقية بعيدا تماما عن خطابها السياسي”.
وخلال السنوات التي أعقبت هزيمة تنظيم داعش عسكريا سنة 2017 على يد القوات العراقية المشتركة والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة، اتّجهت أنظار بعض العراقيين صوب مرجعية النجف لإصدار فتوى دينية مضادة تنهي الحشد الشعبي بعد أن انتفت الحاجة إليه، لكن الردود غير الرسمية على ذلك كانت تتخلّص في كل مرّة بأن فتوى السيستاني الأولى لم تنشئ الحشد بل فتحت فقط الباب للتطّوع لقتال داعش، كما أن الحشد بحسب المدافعين عنه تحوّل إلى “مؤسسة” رسمية من مؤسسات الدولة العراقية لا يمكن حلّها إلا بقانون.
ومن جهتهم يعتبر مراقبون أن الحشد كان بالفعل استغلالا إيرانيا سريعا لفتوى السيستاني في إنشاء جيش طائفي رديف للقوات العراقية من أجل تحويل النفوذ السياسي لإيران في العراق إلى سيطرة ميدانية على مناطقه، خصوصا وأن الجيش النظامي العراقي بغض النظر عن مستوى تسليحه وتنظيمه ومدى قوّته، يظل موضع ارتياب الإيرانيين لأنّه يبقى وريث الجيش الذي واجههم في حرب الثماني سنوات خلال ثمانينات القرن الماضي.
وتابع الكاظمي في البيان “لبّى العراقيون بكافة أصنافهم وأطيافهم الدعوة الشاملة لجميع المتطوعين للالتحاق بالقوات الأمنية الرسمية لمواجهة داعش”، معتبرا أنّ فتوى السيستاني “ضخّت دما جديدا في جسد العراق والعراقيين وكان العالم يعيش لحظة صعبة على حدث مفزع تجلّى بضياع كبرى مدن العراق (الموصل) وسقوطها بيد داعش، وما تلا ذلك من سقوط محافظات ومدن متعددة وذبح أهلها واستباحة حرماتها وسبي حرائرها من قبل العصابات الإرهابية المجرمة التي أهلكت الحرث والنسل وارتكبت بحق الأبرياء العُزَّل أفظع المجازر والإبادة الجماعية بحق أهلنا، وأرادوا طمس تاريخ وهوية بلدنا وشعبنا”.
كما أشار رئيس الوزراء العراقي إلى محاولته ترميم صفوف القوات العراقية قائلا “نعمل على تصحيح المسارات ووضع البلد على الخط الصحيح بدعم القوات المسلحة وضبط أدائها وفق القواعد العسكرية الوطنية، كما أوصت بها المرجعية دائما محذرة من استغلال الفتوى سياسيا واقتصاديا لصالح مشاريع غير وطنية تفسد تضحيات المتطوعين”.
لكن بيان الكاظمي على الرغم من طغيان السمة العاطفية عليه، لم يخل من جانب نقديّ عندما عرض لسبب سقوط الموصل وباقي المحافظات بيد داعش قائلا “جاء كل ذلك نتيجة الإهمال في رعاية المؤسسات الأمنية والجيش العراقي، وما تراكم من سياسات خاطئة أدت بالبلد إلى هذه الكوارث”.
وكان يتولى رئاسة الحكومة العراقية وقيادة القوات المسلّحة حين سقوط الموصل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية أكبر الأحزاب الشيعية في العراق.
ويُتّهم المالكي بسوء إدارة شؤون الدولة وهدر مواردها في فترة حكمه الطويلة بين سنتي 2006 و2014 ورفعه منسوب الطائفية بين مكوّنات المجتمع وتسريب العامل الطائفي إلى القوات المسلحة ما جعلها تخسر ثقة قسم كبير من العراقيين، إضافة إلى تسرّب الفساد إلى صفوفها سواء في صفقات السلاح، أو في العدد الهائل من المنتسبين صوريا إليها والمعروفين بـ”الفضائيين”.