لا أحد يذكر، من الطبقة السياسية الحالية، أن مقاتلاً إيرانياً، يدعى هادي فرحان العامري، قتل عشرات الجنود والضباط العراقيين، وأحرق عديد مخافر شرطة على الحدود، واغتال كثيراً من المواطنين، خلال سنوات حرب ايران العدوانية على العراق، ثم يُصبح وزيراً ورئيس كتلة، يحكم ويتحكم في البلد الذي حاربه سنوات طويلة، ويرشح رؤساء ووزراء وقادة ومسؤولين، وصوره التي يحمل فيها مدفعاً رشاشاً غادراً، ضد بلده الافتراضي، تملأ شبكات (النت) ومشتقاته، وصوته الذي طغت عليه اللكنة الفارسية يعلو في الميدان، (حرب حرب.. سلم سلم)، نحن جنود الامام، ـ يقصد إمامه العجمي ـ الذي أجبره العراقيون الأشاوس، على تجرع السم، ومات كمداً، يداري خيباته، بعد عام. ولا أحد من تلك الطبقة الرثة، يتذكر، كيف أصبح إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، رؤساء حكومات وقادة للقوات المسلحة في بلد ناصبوه العداء، واشتركت أحزابهم في قتل أبنائه، وتخريب مؤسساته، خدمة لدولة أجنية، وعمالة لقواتها وحرسها وعمائمها؟. هذه سير مظلمة، وصور مؤلمة، لا تفارق الذاكرة العراقية الحية، جيلاً بعد جيل، ولا يمكن لحاكم أو مسؤول طمسها، أو الشطب عليها، لأن العراقيين، لطيبتهم، قد يتجاوزون أحداثاً، وربما ينسون مواقف، إلا من خان العراق، وارتمى في أحضان أعدائه، وأسهم بقتل أبنائه، فتلك جرائم كبرى، والقانون في كل زمان ومكان، واحد في حسمها. نستدعي هذه المقدمة القصيرة، من سجل ضخم، يحوي مجلدات سود، بصفحات ملطخة بالخزي والعار، تكشف خيانات أشخاص وأحزاب للعراق، وعمالتهم لإيران، علناً وبلا حياء، في وقت يتصايح فيه نواب وسياسيون وكتبة مأجورون، لمنع عودة نساء وشيوخ وأطفال، قادتهم الأقدار، ليكونوا أقارب لمسلحي داعش، آباء وأمهات وزوجات وأبناء، تجمعهم الآلام والقهر، ويفتك بهم البؤس والجوع والحرمان. ما ذنب هؤلاء العراقيين، في منعهم من العودة إلى بلدهم ومدنهم وبيوتهم، وهم لم يرتكبوا جُرماً، ولم يقترفوا إثماً، والمضحك المبكي أن أصحاب الصخب لحظر نقلهم إلى العراق، من مخيم الهول السوري، يدعوّن التدين، ويزعمون أنهم من أتباع آل البيت، ويفترض بهم يعرفون، ان الله عز وجل، قال في كتابه المجيد (لا تزر وازرة، وزر أخرى)، والمعنى الرباني واضح، لا يقبل التأويل واللبس، لا يحمل أحد خطيئة أحد، حتى لو كان أبوه أو امه أو زوجته أو ابنه، ولا تُحمّل نفس، إلا بما حملت من إثم نفسها، وهذا يجسد قمة الحكم الإلهي والقانوني والإنساني، ولكن أعداء الله، من المنافقين والكذبة لا يفقهون، أعمتهم أنفسهم الأمارة بالشر، وملأت قلوبهم الأحقاد، والتربص بالعباد. وإذا كنا نعرف مسبقاً، دوافع أصحاب الانتقام، من العجزة والأرامل واليتامي، الذين لا يملكون إلا رحمة الله سبحانه، بعد أن فقدوا المعيل والمعين، وتشردوا في المخيمات، وحُشروا في المعسكرات، فان الأسى يبلغ مداه، من اصطفاف بعض من كنا نعتقد، أنه يعرف الحق، مع شلة المهرجين الولائيين، ويتحدث بلغتهم الطائفية، ونبرتهم الثأرية، ومنهم النائب باسم خشان، الذي كنا نحسب أنه يختلف عنهم، وإذا به يعد قضية العائدين، مؤامرة أمريكية، فُرضت على الحكومة العراقية، وهو يعلم جيداً، أن منظمات خيرية وإغاثية، وهيئات حقوق إنسان دولية، معروفة عالمياً، بحيادها ونزاهتها، وشجبها للجرائم والانتهاكات الأمريكية تبنت هذه القضية الإنسانية، وهي والحمد لله، ليست إسلامية ولا عربية. إن انتهاج وسائل القمع والمنع، لذوي الدواعش وأقاربهم، لا يحل المشكلة، وإنما يُفاقمها، ويُزيد من حدتها في المنظور القريب وليس البعيد، فالاب الشيخ الذي يجد أسرته، تبعثرت وتغربّت وقاست وجاعت، ماذا يضيره إذا ذهب إلى الموت طوعاً؟، وماذا يحول بين الفتى وبين تحوله إلى قنبلة موقوتة، تنفجر في لحظة يجد فيها نفسه، يتيماً ومقهوراً، وممنوعاً من العودة إلى بيته ومدرسته وزملائه وأصدقائه؟. واضح أن حظر عودة ذوي الدواعش إلى بلدهم، هو جزء من الخطاب الطائفي، الذي دمر العراق، لأن أغلبهم من السُـــنّة العرب، والجميع يعلم، أن الســنة العرب، هم أكثر المتضررين من داعش، استهدافاً وترويعاً وتشريداً ونزوحاً، وما صدقوا أنهم تخلصوا من شروره، حتى جاءهم واحتل مناطقهم من يتساوى مع الدواعش في ارهابهم وجرائمهم، بل يتفوق عليهم في سرقاتهم ولصوصيتهم، وهكذا عاش الســنة العرب وما زالوا، يعانون من احتلال ظلامي مضى، وقسوة احتلال ولائي قائم. إن الحل العملي والإنساني، لمعالجة مشكلة ذوي الدواعش، تكمن في إعادتهم إلى بلدهم، والعمل على تأهيلهم، ودمجهم في مجتمعهم، وطي صفحات الماضي، وإحلال القانون في تسيير حياتهم، ومنع الاعتداء عليهم، وإلا فان جيلاً من الدواعش، قادم لا شك فيه، سيكون أشد فتكاً من السابقين، وعندها لا تنفع الإجراءات المتأخرة، ولا يُجدي نشر القوات المكدّسة، ولا تُفيد المطاردات المكثفة. عراق العروبة |