معركة مصالح وراء الشتائم بين الحلبوسي والخنجر
العرب-بغداد – عمّقت رسائل التلاسن وتبادل الشتائم بين محمد الحلبوسي (رئيس”حزب تقدم” ورئيس البرلمان العراقي) وخميس الخنجر (زعيم “المشروع العربي” وتحالف العزم البرلماني) الهوة بين الشارع السني العراقي والقوى التي تمثله في العملية السياسية.
وتقول أوساط عراقية إن هذا التصعيد لا يعود إلى اختلاف في المشاريع والأفكار، وأن سببه الرئيسي هو بحث كل طرف عن زيادة مكاسبه في الساحة السنية وسط تبادل الاتهامات بالتنسيق والتحالف مع الميليشيات الموالية لإيران التي ما زالت تسطير على مناطق سنية.
وأضافت هذه الأوساط أن التصعيد يرتبط بقرب موعد الانتخابات، وأن كلّا من الحلبوسي والخنجر يريد أن يدعم حظوظه بالهجوم على الآخر ونشر غسيله وإظهاره في صورة من لا يستحق أن يكون ممثلا للشارع السني.
ولا يدور الخلاف بين الحلبوسي والخنجر حول برامج سياسية أو خدمية لصالح المكون السني الذي يُفترض أنهما يمثلانه بقدر ما يتعلق بالتنافس على زعامة السنة قبل الانتخابات. وكتب الحلبوسي في رسالته إلى الخنجر “حاولت أن أصدقك أكثر من مرة وأغض النظر عن نباح كلابك ومغامراتك بأهلنا لعلّ وعسى ينصلح حالك”.
ورد الخنجر على رسالة الحلبوسي بالقول “لست بحجمك ووزنك حتى أستخدم نفس الألفاظ، لكني أعدك أنني سأبقى مدافعًا عن حقوق أهلي التي ضيعتها خوفا على منصبك الذي أورثك ذلاً يسمح لك بالتطاول على شركائك في المكون فقط! بينما لم نسمع لك إلا الخنوع والتصفيق أمام الآخرين”.
ولا يثق أغلب السنة العراقيين بالقوى والأحزاب التي تمثلهم في العملية السياسية أصلا، وزادت شتائم الرسائل بين الحلبوسي والخنجر من منسوب عدم الثقة قبل الانتخابات البرلمانية المؤمل إجراؤها في أكتوبر القادم، ويُنتظر أن تفرز خارطة سياسية جديدة.
ويدرك أبناء المدن السنية، سواء منهم المقيمون في مناطقهم أو النازحون، أن الحلبوسي والخنجر تم تعيينهما بناء على رغبة الأحزاب الشيعية الحاكمة باعتبارهما واجهتين.
ويرتبط الخنجر بتحالف مع قوى شيعية مدعومة من إيران من بينها منظمة بدر برئاسة هادي العامري وحزب الدعوة الإسلامي برئاسة نوري المالكي، فيما يحظى الحلبوسي بدعم زعامات كردية وشيعية من بينها رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وبعد القضاء على معظم أنصار تنظيم داعش في العراق سجل الخنجر تحولا راديكاليا في مواقفه السياسية، إذ انتقل من الخصومة العلنية الحادة مع إيران إلى ساحة حلفاء طهران الموثوقين.
ويقول أنصار الحلبوسي إن طهران تريد مكافأة الخنجر بمنحه حق المشاركة في إعادة جزء من سكان جرف الصخر السنة إلى مناطقهم وسط حديث عن أنه توصل إلى اتفاق مع الميليشيات الشيعية، تنازل بموجبه عن معظم تلك المناطق مقابل سماحها بعودة جزء من السكان السنة إلى مناطق محدودة في هذه الناحية.
Thumbnail
ولم يتمكن أي مسؤول عراقي منذ عام 2018 من دخول جرف الصخر بعد تهجير سكانها السنّة، فيما تقول مصادر إن الحرس الثوري الإيراني أشرف بشكل مباشر على تحويل أجزاء من هذه الناحية إلى معسكرات للميليشيات الشيعية ومخازن للسلاح ومواقع لإقلاع وهبوط الطائرات المسيرة، بينما استغلت الميليشيات الشيعية المساحات الزراعية الشاسعة في المنطقة لإنشاء مزارع ضخمة وحقول لتربية الماشية والدواجن والأسماك.
وقال السياسي العراقي المستقل جبار المشهداني إن التصاق الخنجر بالمخطط الإيراني في العراق عبر وساطة قطرية هو وصفته السحرية للاستحواذ على أصوات الناخبين السنة، متوقعا أن ينقلب ذلك إلى وبال عليه عند أي منعطف سياسي في الصراع الأميركي – الإيراني أو عند أي تغير في مراكز القوى إقليميا أو دوليا.
ووصف المشهداني في تصريح لـ”العرب” صعود الحلبوسي من منصب محافظ الأنبار إلى رئيس البرلمان العراقي، بعد تنافس شديد مع أسامة النجيفي رئيس البرلمان الأسبق وخالد العبيدي وزير الدفاع الأسبق، بالمفاجأة السياسية التي تكشف عن طموحه في تمثيل السنة.
ولا يمكن تفسير التوتر الحاد بين الخنجر والحلبوسي بالاصطفاف الإقليمي فقط، ذلك أن رسائل الشتم المتبادلة بينهما تعبر عن حقيقة العلاقات بين السياسيين العراقيين بقطع النظر عن طوائفهم ومواقعهم.
وذكر المحلل السياسي العراقي مصطفى كامل أن المهاترات بين الحلبوسي والخنجر تعبر عن انهيار الخطاب السياسي في العراق، كما تعكس حقيقة الصراعات بين عناصر تنتمي إلى المكوّن ذاته وكلّ منها يزعم الدفاع عن حقوق أبنائه.
وقال كامل، في تصريح لـ”العرب”، “كل شواهد السنوات التسع عشرة الأخيرة من عمر العراقيين تؤكد أن الصراعات السياسية، وخاصة بين من يدّعي تمثيل المكوّن العربي السني، شخصية بحتة ولا علاقة لها بتحقيق مصالح ذلك المكون الذي يعدّ الآن الأكثر تعرضا للظلم والاضطهاد”.
وأضاف “صحيح أن الأطراف التي تدّعي تمثيل المكوّن الشيعي تتصارع هي الأخرى على المصالح والمكاسب، إلا أن صراعها في الغالب محكوم بضوابط الولاء للطائفة، وهو في نهاية المطاف محكوم بالقرار الإيراني”.
وأشار إلى أن هذه المهاترات تكشف مدى اتساع الانفصام بين الساسة السنة وبين واقع المجتمع السني في المدن العراقية الذي يعاني من التهجير والإذلال والإفقار بدوافع طائفية. وتتفاعل منذ يومين في الأوساط السياسية العراقية وفي وسائل الإعلام ردود الفعل على رسائل تبادل الشتائم بين الحلبوسي والخنجر.
وقال الحلبوسي في رسالته للخنجر “قررت ولست مترددا أن أتصدى لك ولمؤامراتك الرخيصة، ولن أسمح لك ببيع ما لا تملك، وتأكد بأنك لو ملكت مال قارون ستبقى تابعا ذليلا صغيرا، وسأعيدك بإذن الله إلى حجمك الذي تستحقه”.
وطالب الخنجر في رده على الحلبوسي، وكلاهما ينحدران من محافظة الأنبار غرب العراق، بتذكر فضله عليه قائلا “أنا الذي أوصلك إلى مكانك الزائل، وأنا بقوة الله من سيعيدك إلى حجمك الصغير”.