حينما تشد الرحال للمسجد الأقصى

يشد عشرات الآلاف من الفلسطينيين رحالهم فجر كل جمعة من شهر رمضان المبارك متوجهين إلى المسجد الأقصى، لكن إجراءات الاحتلال حوّلت صباح كثيرين منهم إلى حزن ودموع لعدم تمكنهم من اجتياز حواجز الاحتلال والوصول إلى مدينة القدس.

وتفرض سلطات الاحتلال إجراءات صارمة على دخول فلسطينيي الضفة الغربية إلى القدس، منها منع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 45 عاما من دخول المدينة، واشتراط الحصول على تصريح لمن هم بين سن 45 و50 عاما، والغالبية منهم لا تمنح التصريح تحت ذرائع أمنية.

أما بالنسبة للنساء اللاتي تقل أعمارهن عن 30 عاما فلا يسمح لهن بدخول القدس أيضا، في حين يجب على اللاتي تتراوح أعمارهن بين 30 و45 عاما الحصول على تصريح خاص من الإدارة المدنية الإسرائيلية في مدنهن، ويمنح في نطاق محدود.

نحن للأقصى
بعد الانتهاء من صلاة الفجر تبدأ جموع الفلسطينيين التوجه نحو المعابر المؤدية إلى مدينة القدس، وبات من المألوف رؤية مجموعات من كبار السن والنساء ينتظرن سيارات الأجرة لتقلهم إلى أقرب معبر.

ويعد حاجز قبة راحيل شمال بيت لحم المنفذ الوحيد لفلسطينيي جنوب الضفة نحو المدينة المقدسة، وفيه يزدحم الآلاف في طوابير طويلة في انتظار التدقيق في هوياتهم، وتحاول الشرطة الفلسطينية على مسافة قريبة تنظيم تدفق المصلين وحركة السيارات.

على هذا المعبر يجد الزائر همة الشباب في وجوه الشيوخ والمسنين، ممن تجاوزوا الثمانين من العمر رجالا ونساء، يزاحمون الأقل سنا لاجتياز حواجز التفتيش، والوصول إلى المسجد الأقصى، وكأن لسان حالهم يقول "نحن للأقصى".

وبين الزحام، تتعالى بين الحين والآخر حناجر مكلومة وأصوات ممزوجة بالحزن والدموع، داعية على الاحتلال الذي حال بين المصلين وبين الأقصى، ومبتهلة إلى الله بأن يخلصهم من المعاناة.

تدقيق الهويات

يمر التدقيق في الهويات بعدة مراحل، ففي المرحلة الأولى يمعن الجنود في قراءة تواريخ ميلاد المصلين، ويعيدون من لا تنطبق عليهم المواصفات المحددة.

وفي المرحلة التالية يتم التدقيق في ملفات المصلين، وهنا تتم إعادة كثير منهم بحجج أمنية رغم مطابقتهم للشروط، فيتبدل الأمل حزنا.

وبين جموع العابرين، تتألف كثير من قصص الألم، فإحدى السيدات الفلسطينيات قطعت شوطا طويلا من أقصى جنوب الخليل حتى بيت لحم، وبعد ساعتين وصلت المعبر فسمح الجنود لطفلها بالدخول، لكنهم أجبروها على العودة.

وقالت هذه السيدة -وهي تروي حكايتها- استيقظت وقتا مبكرا وأعددت السحور للعائلة، ثم صليت الفجر وانتظرت سيارة أجرة وغادرت نحو المعبر.

وأضافت "صدمت بإعادتي من حيث أتيت مع أن حالتي تتوافق مع الشروط التي وضعها الاحتلال بحق المصلين".

أولى القبلتين
في قصة مشابهة قال محمد عايد الجعبري (47 عاما) إنه توجه للإدارة المدينة في الخليل للحصول على تصريح للصلاة فأبلغه الجنود أنه بإمكانه الصلاة في الأقصى دون تصريح، لكنه فوجئ بإعادته من المعبر.

أما المواطن أبو أحمد (54 عاما) فكان أحسن حظا منه شيئا ما حيث قال إنه اجتاز الفحص الأول، لكن الحاجز التالي أحاله إلى شباك الكمبيوتر، فقرر الأخيرة إعادته، موضحا أنه كرر المحاولة ثلاث مرات دون أن يسمح له بالدخول.

وفي حكاية أخرى قال خليل شاهين، إن عمره تجاوز الخامسة والخمسين، ولا يتطلب دخوله للصلاة تصريحا، لكن الحاجز قرر إعادته، مشيرا إلى أنه لم يسبق له أن اعتقل أو سجن، وإنما ذنبه أنه كان أحد مصابي مجزرة المسجد الإبراهيمي التي ارتكبها مستوطن إسرائيلي قبل سبعة عشر عاما.

بيد أن المنع لا يقتصر على البالغين، فلصغار السن نصيبهم أيضا، فقد حضر الطفل أحمد قنديل (14 عاما) مع عائلته منذ الصباح، لكن الجنود سمحوا لوالديه بالدخول، وقرروا إعادته إلى الجانب الفلسطيني من معبر قبة راحيل.