احتجاجات المياه في إيران بين تدهور الأمن المائي وسوء الإدارة والتمييز
هدى رؤوف
احتجاجات المياه في إيران بين تدهور الأمن المائي وسوء الإدارة والتمييز
احتجاجات جديدة تشهدها إيران لتعلن تداخل الأسباب المرتبطة بنتائج العقوبات المفروضة عليها، لكنها قبل كل شيء تعكس سوء الإدارة والتهميش والتمييز الذي يصبغ السياسات الإيرانية في بعض المحافظات، لا سيما الأهواز التي بها سكان عرب، فاحتجاجات المياه تعكس تداعيات تدهور الأمن المائي والبيئي الناتج عن سوء الإدارة الحكومية.
فقد سيطر على أخبار إيران الفترة الماضية اندلاع التظاهرات في المحافظات، التي عُرفت باحتجاجات المياه، والتي بدأت من محافظة الأهواز وانتقلت إلى محافظات إيرانية عدة تضامناً معها، فقد شهدت محافظات أذربيجان الشرقية، وخراسان الشمالية، ولرستان، وأصفهان، تضامناً مع المتظاهرين، وكحال التظاهرات التي شهدتها إيران منذ ثلاث سنوات، ردد المتظاهرون شعارات ضد النظام الإيراني وضد المرشد علي خامنئي، رافعين شعارات "الموت للديكتاتور" و"لقوات الأمن"، كما ترددت الشعارات التي ربطت بين تداعيات السياسة الخارجية لإيران على الوضع الداخلي، فترددت شعارات "لا غزة، لا لبنان، أنا أضحي بروحي من أجل إيران"، كما تكرر رد فعل الأمن بمقابلة الاحتجاجات بالعنف والمداهمات الليلية واعتقال عشرات المحتجين وقطع الإنترنت عن الأهواز.
المفارقة هنا أن الأهواز تتمتع بثروة نفطية ووجود أنهار، فتصب أنهار زاغروس وكيالا وقارون وديز وكرخة في العراق والأهواز، ومع ذلك عانت المحافظة شحَّ المياه، وتتصف المحافظة بالفقر والتخلف من معاناتها حتى الآن من آثار حرب السنوات الثماني بين إيران والعراق. فقد دارت الحرب بين البلدين ذوَي الغالبية الشيعية في قصر شيرين ومهران وسوسنغارد، لكنها تركزت على الجبهة الأخيرة وتعرضت نحو 435 قرية في محافظة الأهواز للتدمير، وقدر المحافظة أنها تمثل أحد الحدود الإيرانية، فهي تشكل منطقة تواصل مع العراق.
وبعد الحرب لم تحظَ المحافظة بإعادة الإعمار المهمة لإعادة الحياة بشكل أفضل، بل إن كثيرين يعتبرون أن مستويات المعيشة كانت أفضل قبل عام 1980، ووفقاً للمؤشرات الاقتصادية فهي تسجل خامس أعلى معدل بطالة في المحافظات الإيرانية، وبالتالي فخروج المواطنين ليس احتجاجاً على شح المياه فقط، بل تدهور البنية التحتية التي لو كان هناك استثمار حكومي سليم لكان حل أزمة الجفاف التي تعانيها إيران، فضلاً عن القمع السياسي للسكان العرب بالمحافظة. وبالتالي فالسبب الرئيس لمشاكل المياه في المقاطعة الجنوبية الغربية هو انخفاض منسوب المياه بشكل غير عادي بسبب الجفاف، الذي يصاحبه سوء إدارة الموارد المائية، فلا تقتصر أزمة المياه في إيران على محافظة الأهواز، ولكن أزمة المياه في المحافظة تتسم بحدة أكبر، وتتفاقم بسبب أزمة الطاقة في إيران.
وفي تغريدة على "تويتر"، أشار المرشد الإيراني إلى أهالي الأهواز بـ"المخلصين"، وهو ما يشير إلى عقدة إيران التي تمثل إحدى تحديات الأمن القومي الإيراني، إذ إن المحافظات الحدودية التي تجاور دولاً عربية بها امتدادات سكانية، تجعل أهالي هذه المحافظات في دائرة الشك والرقابة من جانب السلطات الإيرانية، فالأهواز تجاور الخليج العربي والعراق، لذا فقد أشار في تغريدته إلى استفادة الأعداء من الاضطرابات في إشارة إلى حركات الانفصال والنضال التي تشهدها.
فمنذ 2017 وحتى احتجاجات المياه أخيراً، كانت الأسباب ترتبط بمستوى المعيشة والاحتياجات الحياتية، لكنها تؤدي إلى النتيجة ذاتها في نهاية المطاف وهي المطالبة بإنهاء النظام الإيراني. وقد تراوحت استجابة النظام لأزمة المياه ما بين القمع الأمني من قبل قوات الأمن وإرجاع الأزمة إلى الجفاف وتغير المناخ كما فعلت الحكومة، فقد برر الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني بأن الجفاف الحالي غير مسبوق في الـ50 عاماً الماضية، مقارنة بالعام الماضي، إذ أدى انخفاض هطول الأمطار بنسبة 52 في المئة إلى حدوث مشاكل مع الماء والكهرباء.
فمعظم إيران قاحلة أو شبه قاحلة. وظل الجفاف مشكلة لعقود إن لم يكن لقرون. وكان يجب على النظام الإيراني أن يتخذ تدابير منذ فترة طويلة للتخفيف من حدة الكوارث الطبيعية ومنع ندرة المياه وانقطاع التيار الكهربائي.
ووفقاً للاحتجاجات التي شهدتها إيران على مدى الأعوام 2009 و2017 و2018 و2019 ثم 2021، ستستمر الاحتجاجات والسخط الشعبي في إيران مع استمرار الفساد وسوء الإدارة واتباع سياسات تمييزية بين المحافظات والتخوف من السكان العرب.