ذكرى هجوم إيران على شط العرب خلال الحرب مع العراق.. ما أسباب الخلاف حول هذا الممر المائي؟
الجزيرة / طه العاني:يعدّ شط العرب مصدر التوتر التاريخي في العلاقات بين العراق وإيران، وأحد أبرز أسباب اندلاع الحرب بين البلدين في ثمانينيات القرن الماضي، حيث يحظى هذا الممر المائي بأهمية إستراتيجية بالغة.
وفي ذروة أحداث حرب الخليج الأولى، شنت إيران هجومها الكبير على شط العرب في 9 يناير/كانون الثاني 1987 وحاصرت مدينة البصرة لتعلن بعد يومين سيطرتها على الشط قبل أن تقوم القوات العراقية باستعادته لاحقا.
هجوم عنيف
حصار البصرة والذي سمته إيران عمليات "كربلاء 5" وأطلق عليه العراق عملية "الحصاد الأكبر" وهو هجوم شنته القوات الإيرانية على نظيرتها العراقية في قاطع البصرة، بهدف السيطرة على هذه المدينة الإستراتيجية والسيطرة الكاملة على شط العرب، بحسب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور سعد نصيف جاسم الجميلي.
ويبيّن الجميلي -في حديثه للجزيرة نت- أن تلك المعركة التي استمرت أكثر من أسبوعين وانتهت في 26 يناير/كانون الثاني 1987 تعتبر إحدى أكبر معارك الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات من ناحية الخسائر والظروف الفظيعة التي حدثت خلالها.
وينوه إلى أن الهدف الرئيس لهذه العملية هو الاستيلاء على مدينة البصرة والتي تعتبر مفتاحا لحقول النفط العراقية، بالإضافة إلى أن سقوطها بيد إيران قد يؤدي في النهاية إلى سقوط نظام الحكم العراقي في بغداد.
ويضيف الجميلي أن هذه المعركة بدأت منتصف ليلة التاسع من يناير/كانون الثاني 1987، حيث هاجمت ما تعرف بقوات الباسيج والحرس الثوري الإيراني الدفاعات العراقية جنوب بحيرة الأسماك، واستطاعت السيطرة على القناة الجنوبية من البحيرة.
كما تمكنت بعض قطعات القوات الإيرانية من عبور بحيرة الأسماك من خلال الزوارق، وتمركزت في جانب البحيرة من جهة الغرب، حيث كانت إيران تخطط لاستمرارها في الهجوم حتى الوصول إلى شط العرب، لكن تلك القوات واجهت هجوما عراقيا عنيفا شنه الحرس الجمهوري، وأسفر القتال العنيف عن خسائر جسيمة من الطرفين، بحسب الجميلي.
خسائر فادحة
وينقل أستاذ التاريخ عن بعض المصادر بأن سلاح الجو العراقي قد خسر أكثر من 50 طائرة نتيجة المضادات الجوية الإيرانية، ونتيجة لهذه الخسائر الكبيرة بالطائرات العراقية استطاع سلاح الجو الإيراني الحصول على السيادة الجوية بشكل مؤقت.
ويتابع بالقول إن الإيرانيين باغتوا القوات العراقية باستخدام منظومات الدفاع المضادة للدروع السويدية (RBS 70) وبعد فقدان العراق السيادة الجوية فوق أرض المعركة، قرر من خلال سلاحه الجوي استهداف وقصف وسائل الإمداد ومدن إيران الرئيسة مثل طهران واصفهان وقم، وردت طهران بقصف مدن عراقية برشقة صواريخ أرض أرض، وبعد هذه المرحلة عادت السيطرة الجوية مجددا لسلاح الجو العراقي.
وعقب معارك استنزاف استمرت فترة ليست بالقصيرة، شن الحرس الجمهوري العراقي يوم 28 يناير/كانون الثاني 1987 هجوما معاكسا مدرعا بإسناد من المروحيات والمدفعية باتجاه القوات الإيرانية، كما شن الفيلق الثالث العراقي هجوما آخر على القوات الإيرانية التي تمركزت غرب بحيرة الأسماك.
ويوضح الجميلي بأن الهجوم العراقي المعاكس كان على شكل كماشة وأدى إلى تدمير كبير وخسائر فادحة تكبدتها إيران، ولكن المعركة حسمت بتسجيل خسائر كبيرة في صفوف الجانبين، ووفق بعض المصادر فقد خسرت إيران 65 ألف جندي، وخسر العراق 20 ألف جندي.
تاريخ الخلاف
وعن جذور الخلافات التاريخية بين البلدين، يقول أستاذ الجغرافيا السياسية الدكتور حسين قاسم الياسري إن مشكلة شط العرب ليست وليدة اليوم، فقد حدثت كثير من التوترات بسببها، وكانت أولى الاتفاقيات بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الصفوية حولها.
ويبيّن الياسري للجزيرة نت أن العراق وقع مع إيران اتفاقية عام 1937، وكانت هذه أول معاهدة تعقد بعد قيام الدولة العراقية، حيث اتفق الطرفان على تنظيم أعمال لجنة خاصة لترسيم الحدود وألحقت بها بعض البروتوكولات، وهذه الاتفاقية نصت على أن يكون مجرى شط العرب كله تابعا للعراق، وتحت السيادة العراقية ما عدا مناطق محددة أمام عبادان والمحمرة (خورمشهر) يكون فيها خط الحدود مع أعمق نقطة يسمى خط التالوك.
ويشير إلى أن مناوشات حدثت عام 1969 عندما تعرضت الشرطة العراقية للصيادين الإيرانيين، مما دفع طهران إلى إلغاء هذه الاتفاقية وتمزيقها، لتبقى مشكلة شط العرب مصدر التوتر بين البلدين.
ويضيف أن البلدين وقعا اتفاقية الجزائر عام 1975 مقابل وقف إيران دعم الحركة الكردية العراقية، واعترفت بغداد حينها بأن الحدود على الممر المائي تمتد على طول نهر خط القعر بأكمله أي منح نصف شط العرب لإيران.
ولكن الاتفاقية لم تدم طويلا، حيث ألغاها الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين في 17 سبتمبر/أيلول 1980 (قبل 5 أيام من اندلاع الحرب بين البلدين) وبعد نحو 5 أعوام على توقيعها بنفسه "عندما كان حينها نائبا للرئيس أحمد حسن البكر" مع الشاه محمد رضا بهلوي، بوساطة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، وأعاد بذلك شط العرب تحت السيادة العراقية، ولكن دون الاستفادة منها بسبب بقاء سيطرة القوات الإيرانية داخل الشط.
https://www.youtube.com/watch?v=7TFeEscJUK4
وقد عاد صدام واعترف باتفاقية الجزائر بعد غزوه للكويت في أغسطس/آب 1990، لتأمين الصداقة مع إيران والتفرغ لحرب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي كانت تسعى لإخراج القوات العراقية من الكويت، كما يقول الياسري.
أما اليوم فلم يعد مجرى شط العرب ذا أهمية كبيرة للطرفين -بحسب الياسري- خاصة وأن العراق قام ببناء موانئ على خور عبد الله، وكذلك قيام ميناء الفاو، فلم يعد شط العرب مهما للعراق من الناحية التجارية، ما عدا الزراعة التي تقام على شط العرب على الجانب الغربي والتي تأثرت بانخفاض مناسيب المياه وكذلك ارتفاع الملوحة، لكنها تبقى مسألة سيادة.
ويسترسل بالقول: أما الجانب الإيراني فما زال هو المستفيد من شط العرب تجاريا لأن هناك موانئ تجارية قامت طهران ببنائها وتجديدها وتوسيعها، وكذلك أنشئت منطقة تجارية حرة على شط العرب.
مشكلة جيوسياسية
من جانبه، يرى أستاذ الجغرافيا السياسية الدكتور مجيد حميد البدري أن مسألة شط العرب ليست جغرافية حدودية فقط لكن بعدها السياسي أكبر، لذلك هذا الإطار مهم جدا والذي يجب أن يعكس رؤية نظامي الحكم في إيران والعراق.
ويوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن هذا الملف بعده السياسي حاضر أكثر من الجغرافي، فلذلك إيران رفضت تحديد شط العرب لأن ميزته أنه يرسّب بالجانب العراقي فيجعل المنطقة ضحلة ويعمق في الجانب الإيراني.
ويعرب البدري عن اعتقاده بأن اتفاقية الجزائر كانت الفارقة في تحديد الحدود البحرية في شط العرب، لكن لم تكن نهاية للمشكلات بين العراق وإيران لأنها جزء من وضع سياسي غير مستقر بين البلدين.
ويذهب إلى أن البعد الجغرافي والسياسي والاقتصادي، وأيضا الجيوسياسي شكل مجمل العلاقة العراقية الإيرانية مما انعكس على اتفاق تحديد الحدود البحرية للعراق في شط العرب الذي هو جزء من الحدود السياسية لهذا البلد.
هل انتهت الخلافات؟
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي نجم القصاب أن الخلاف بين البلدين، حول تقاسم شط العرب، قائم حتى الآن لكنه محسوم لصالح إيران.
ويوضح للجزيرة نت بأن الحكومات العراقية، المتعاقبة منذ عام 2003، كانت وما زالت تجامل الجانب الإيراني خصوصا على المناطق المختلف عليها، وعلى الآبار، والمياه وشط العرب.
ويعرب القصاب عن اعتقاده بأنه إذا لم تكن هناك حكومة عراقية قوية تفكر لمصلحة البلد، فمن الصعب جدا حسم هذا الملف وذلك الخلاف التاريخي والأزلي.