"مقبلون على أسوأ انتخابات".. أحزاب تأتي بأموال من الخارج وترد الدين بعد النتائج
وسام كريم – رووداو – بغداد:الانتخابات في العراق هي اشبه بموسم الحصاد الذي تبدأ فيه القوى السياسية في جني ما قامت به من تنفيذ لمشاريع خدمية للناخبين طيلة فترة الحملات الدعائية، بالاضافة الى شراء اصوات وذمم الناخبين مقابل المال الذي يقدم لهؤلاء، على امل ان تحصل على مقاعد برلمانية، وكلما كانت الغلة كبيرة من المقاعد كلما كانت حظوظ ذلك الحزب بالظفر في الحصول على مواقع سيادية مهمة، تؤهله للسيطرة على القرار السياسي والاقتصادي والاداري.
ان كثيراً ما يتم رصده في هذه الحملات الدعائية من المراقبين ومنظمات المجتمع المدني ان المال الذي يسخر في الحملات الدعائية الانتخابية، هي ارقام مخيفة تصل الى مليارات الدولارات كحصيلة اجمالية، لكن ثمة من يطرح التساؤلات عن مصدر هذه الاموال التي تكرس للحملات الدعائية، وبنظر البعض ان المال السياسي له منافذ عدة تحصل عليه الاحزاب السياسية، فيكون عن طريق اللجان الاقتصادية التابعة لهذه الاحزاب والتي بدورها تسيطر على مصدر الاموال في الوزارات، او ان يكون مالا خارجيا ياتي من دولة ما تقوم بدعم حزب سياسي.
"أسوأ انتخابات بتاريخ العراق"
في هذا السياق يرى عضو مجلس النواب العراقي عن اللجنة القانونية سليم همزة ان "مفوضية الانتخابات وضعت شروطا كثيرة تلزم الاحزاب السياسية الانصياع لاجراءات الداعية الانتخابية، لكن الاحزاب والتيارات السياسية لا يخضعون لتلك الاوامر والتوجيهات والارشادات".
ويقول همزة لشبكة رووداو الاعلامية اليوم الجمعة (20 آب 2021) ان "مفوضية الانتخابات فرضت غرامة مالية قليلة على الاحزاب التي تخترق القوانين لا تلتزم بتوصيات المفوضية وشروطها، وما نلاحظه ان هذه الاحزاب السياسية الموجودة في السلطة لا تلتزم بارشادات المفوضية"، منوهاً الى ان "تلك الاحزاب تقوم بإستغلال اموال الدولة في كسب اصوات الناخبين".
وكانت المتحدثة بإسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي قالت لشبكة رووداو الاعلامية يوم الاربعاء (11 آب 2021): "نستقبل اي شكوى تأتي من اي مواطن او مرشح حول المخالافات الانتخابية، وبالتالي فان مجلس المفوضين يتخذ القرار بهذا الصدد، فضلاعن ذلك لدينا لجان مشكلة في المكتب الوطني ومكاتب المحافظات الانتخابية".
واضافت الغلاي انه "تم رصد بعض المخالفات التي لا ترتقي الى كونها ان تستحق العقوبة او الجزاء عليها"، داعيةً كل المرشحين الى أن "يقدموا الدلائل على اي حالات تثبت استغلال موارد الدولة في الدعاية الانتخابية، والمفوضية بالتاكيد سوف تتخذ الاجراءات اللازمة بهذا الصدد".
ويؤكد عضو اللجنة القانونية النيابية سليم همزة انه "من المعلوم ان هناك جهات سياسية مشاركة في العملية الانتخابية جميعها تستثمر النفوذ السياسي من المناصب التي تحت ايديهم، فهم يتصرفون بالاموال بدون حدود ويسرقون كما يشاؤون بمسميات مختلفة"، مشيرا الى ان "هذه الجهات تستغل مجلس الوزراء ومجلس النواب في الدعاية الانتخابية، غير ملتزمين بأي توجيه من المفوضية، فيقومون بنشر الصور الدعائية في كل الاماكن، فضلا عن اجبار الموظفين في التصويت لصالح جهة معينة".
ويضيف همزة انه "عن طريق هذا المال السياسي فهم يشترون بطاقات الناخب حتى يضمنون الفوز في الانتخابات، فضلاً عن توزيع اموال على الناخبين ووجهاء عشائر من اجل الحصول على اصواتهم في الانتخابات"، معرباً عن اعتقاده بأن "هذه الانتخابات اذا اجريت بهكذا اجواء فهي ستكون اسوأ انتخابات في تاريخ العراق".
واوضح همزة ان "هناك جهات مشاركة في الانتخابات تقوم بإغراء الناس، بتعبيد الشوارع وكذلك بصيانة الكهرباء وبتعمير المدارس، لكن هذا يثير التساؤل بانهم ليسوا جهة تنفيذية حتى تقوم بهذه الاعمال"، مؤكدا ان "سبب ذلك هو الاموال غير الشرعية والكسب غير المشروع الذي حصلوا عليه، وهذا واضح وضوح الشمس ان تلك الجهات السياسية تقوم باستغلال اموال الدولة في الوصول الى المناصب ومقاعد مجلس النواب".
غياب الضابط للحملات الدعائية
اما الخبير القانوني مرتضى العيساوي فيقول لشبكة رووداو الاعلامية اليوم الجمعة (20 آب 2021) انه "ومنذ بدء الحملة الانتخابية قبل اسابيع بدا واضحاً حجم الاموال المليارية للاحزاب المسيطرة على السلطة في توظيفها على الحملات الدعائية، فضلا عن استخدام مؤسسات الدولة الذي قد يكون اخطر حتى من اموال الحملات الانتخابية، فكل الوزراء والمسؤولين استخدموا نفوذهم الاداري في الحملات الانتخابية والترويج لاحزابهم".
وتابع ان "وزارة العمل والشؤون الاجتماعية استخدمت موضوع شبكة الحماية الاجتماعية في الترويج لحزب الوزير، اما المحافظين فهم وبشكل تقريبي بالمطلق استخدموا نفوذههم الاداري في الحملات الدعائية، وهذا واضح في حضور محافظ صلاح الدين لمؤتمر بعض المرشحات ويعلن صراحة ان إمكانات المحافظة المالية والادارية والاجتماعية هي في خدمة هذه المرشحة".
ويرى العيساوي ان "المشكلة في الضابط لهذه الحملات الدعائية وما يشوبها من خروقات، فهو غير موجود في العراق، والمال المنهوب بعشرات المليارات والدولة لا تحرك ساكنا لوضع حد لهذا النزيف من الاموال، فمن الطبيعي ان يستخدم في غير محله، وكل قوانين الانتخابات في العالم من الناحية القانونية تضع ضوابط للحملات الانتخابية وموضوع المال"، منوهاً الى ان "هذه الضوابط من المفروض انها تحقق الحد الادنى من تكافؤ الفرص بين المرشحين والكتل السياسية".
وفي وقت سابق أكد النائب عن اللجنة القانونية النيابية، حسين العقابي، إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يمتلك صلاحيات دستورية تمكنه من اعفاء الوزراء الذين يعملون على تسخير مقدرات الوزارات لحسابات انتخابية بطرق غير شرعية.
وقال العقابي لشبكة رووداو الإعلامية، يوم الإثنين (16 آب 2021)، إن "الحكومة الحالية أعلنت مسبقا أنها لن تكون طرفا في العملية الانتخابية أو السياسية، وهذا ما يترتب على اعضائها من الوزراء التزاماً اخلاقياً يمنعهم من الترشح إلى الانتخابات المقبلة".
وأضاف أن "هناك ابتلاء بتسخير كل مقدرات الدولة لخدمة المرشحين"، مشيرا إلى أن "القوى السياسية المتنفذة بالسلطة، هي من تعمل على تسخير امكاناتها ووجودها في السلطة على مستوى مدراء عامين ووكلاء ووزراء، لخدمة قوائمها الانتخابية، ولا شك إن تلك الامكانات التي يتم تسخيرها هي امكانات هائلة، ومن المؤكد إنها تؤثر بالناخبين"، متسائلا "كيف ما إذا كان المرشح نفسه هو الوزير؟".
اما بالنسبة لتفعيل هذه القوانين فيرى العيساوي انها "على الورق موجودة في بعض المواد التي تتعلق بالحملات الانتخابية، لكن واقع الحال منذ اول تجربة انتخابية وحتى الان لم يفعل اي نص قانوني او ضابط لعملية الانفاق في الحملات الدعائية"، موضحاً ان "اغلب الحملات الدعائية تكون بطرق مختلفة احيانا بشراء الاصوات واحيانا باقامة الولائم واحيانا بشراء بطاقات الناخبين بشكل علني، ولا يخفى على احد ان هذه الظاهرة تخل بالعملية الانتخابية وتخل بمدئ تكافؤ الفرص وبحياد الهيئة المسؤولة عن الانتخابات وهي مفوضية الانتخابات".
العيساوي يبين ان "في دول العالم يتم رصد ملايين الدولارات من اجل الحملات الدعائية وهذا في الديمقراطيات المتقدمة، فالحزب الجمهوري على سبيل المثال في الولايات المتحدة الاميركية، عندما يقرر المشاركة في الانتخابات، يقوم بفتح باب التبرع ويعلن عن توفر حسابات مصرفية وبنكية معلنة والمتبرعين يعلنون عن مقدار المال الذي تبرعوا به، اما ما يجري في العراق فيوضع عليه علامات استفهام كبيرة من اين هذه الملايين من الدولارات التي تصرف على الانتخابات".
وختم العيساوي حديثه انه "ليس هناك اي تفسير اخر فهم يقومون باستخدام المال المسروق من الدولة ويسخرون امكانيات الدولة المالية والادارية لصالح حملاتهم الانتخابية"، موضحاً انه "خلال هذا الشهر بدأت الحملات في كل المحافظات وكأن المحافظين اليوم تسلموا مناصبهم وباشروا بحملات تنظيف وتعبيد للشوارع ورفع التجاوزات، كل هذا في اطار الخدمة التي من الممكن ان تحسب لحزب المحافظ او الجهة السياسية التي ينتمي لها".
"التحدي الاكبر في النفوذ السياسي"
بدورها، تؤكد المرشحة للانتخابات اميرة العبودي ان "اكثر ما يقلق المرشحين الجدد في هذه الانتخابات وخاصة الاحزاب الناشئة والتي بدأت تمارس العمل السياسي حديثاً هو المال السياسي، فنحن اليوم امام تحدٍ وهو النفوذ السياسي والمال المصاحب لهذا النفوذ، لا توجد اي عدالة في ظل دكتاتوريات حزبية جهوية تعاظمت قدراتها المالية خلال 18 سنة في السيطرة على الحكم والتسلط على مقدرات الدولة".
وتقول العبودي لشبكة رووداو الاعلامية اليوم الجمعة (20 آب 2021) "نحن اليوم في مواجهة شرسة مع هذه الاحزاب ولا نخفي قلقنا من ممارسات هذه الاحزاب، لكن في الوقت ذاته نتعكز على ثقة الشارع في دعمنا والنظرة السلبية لهذه الاحزاب بانها سرقة حقوقهم وبدأت تتاجر بها من جديد في كل اربعة سنين عندما يبدأ موسم الانتخابات".
اما مصدر المال السياسي لهذه الاحزاب فتبين العبودي ان "الاحزاب القديمة والكلاسيكية هي احزاب راسخة بالسلطة بالاصل وذات اذرع أخطبوطية، وانها تتواجد في كل مكان يتواجد فيه المال والنفوذ"، مشيرة الى ان "مصادر تمويلها وجمعها للمال تكون متعدد منها المكاتب السياسية والاقتصادية والمناصب التي توزع على وكلائها من الاحزاب والكومشينات من خلال عقود الاستثمار وكثير من هذه الابواب".
ومن اجل لجم المال السياسي تشير العبودي الى انه "لو كان هناك تفعيل وضبط لقانون الاحزاب قبل الانتخابات لكان الامر اصبح اكثر مهنية في مواجهة اي مال سياسي"، معربة عن اسفها في ان "الاحزاب تمارس سلطتها في وضع اليد على مقدرات البلد المالية بكل ما أوتيت من قوة، لذلك ان هذا الامر اصبح من الصعب ان تواجهه المفوضية فهي غير قادرة على ان تواجه تلك الاحزاب المتسلطة"، مضيفةً انهم "كأحزاب ناشئة ليس بمقدورهم منافسة ومواجهة تلك الاحزاب السياسية".
من جانبه يقول القانوني عباس العقابي لشبكة رووداو الاعلامية اليوم الجمعة (20 آب 2021) ان "هناك نصا قانونياً في المادة 42 من قانون الاحزاب اجبر البرلمان في تخصيص نسبة من موازنته لتقديم الدعم للاحزاب السياسية، وهذا يتم بحسب مقاعد النواب لكل حزب، وكلما كان عدد المقاعد اكثر كلما كانت النسبة اعلى في الموازنة، فضلا عن ان قانون الاحزاب منع الحصول على المال السياسي من خارج الحدود، لكن هذا على الورق فقط"، مشيرا الى ان "الواقع هو أن الاحزاب تأتي بالاموال من الخارج وتقوم بصرفها على الدعاية الانتخابية لكي تكسب مقعداً او تكسب وزارة ومن ثم تقوم برد الدين لتلك الدولة".
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق قد أعلنت يوم السبت (10 تموز 2021)، تشكيل لجان لمتابعة حملات المرشحين في الانتخابات البرلمانية التي انطلقت الجمعة، ومن المقرر أن تستمر حتى موعد الانتخابات المبكرة المقررة في 10 تشرين الأول المقبل.
فيما قالت المتحدثة باسم المفوضية، جمانة الغلاي إن "المفوضية قررت تشكيل لجان في بغداد والمحافظات لمتابعة حملات المرشحين"، موضحةً أن "المفوضية نسقت عملها مع أمانة بغداد، وهناك مذكرة تفاهم بخصوص الحملات الانتخابية من حيث المكان المخصص". جدير بالذكر، أن المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات لفتت إلى أن عدد الذين يحق لهم المشاركة والتصويت في الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة، يبلغ 24 مليوناً و29 ألف و927 شخصاً، في حين يتنافس 3523 مرشحاً عن 83 دائرة انتخابية على 329 مقعداً في البرلمان.