ثورة تشرين وخطاب الكاظمي
ولاء سعيد السامرائي
ثورة تشرين وخطاب الكاظمي
مرت قبل أيام الذكرى الثانية لاندلاع ثورة تشرين التي خرج فيها شباب وشابات العراق في تظاهرات عارمة لإسقاط العملية السياسية واحزابها التي جاءت مع الدبابة الامريكية عند غزو العراق عام 2003. وقد احتفل العراقيون بهذه المناسبة في كل مدن وسط وجنوب العراق رافعين صور مئات الشهداء الذين سقطوا طوال أشهر المواجهات على يد القناصين والمليشيات التابعة للحرس الإيراني ورئيسه قاسم سليماني. ومع اقتراب موعد الانتخابات المزمع اجراها بعد أيام لا يتردد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ولا مستشاريه والتشكيلات الجديدة المنتحلة من الكلام باسم ثورة تشرين وبأنه خرج من رحمها وحقق مطالبها. اول هذه الادعاءات هي للكاظمي وقوله انه لا ينتمي للأحزاب الموجودة في العملية السياسية، وهذا غير صحيح لأنه واحد من أبناء العملية السياسية ورئيس للمخابرات في حكوماتها ويأتمر بأوامرها ومنها مشاركة الجهاز الذي ترأسه لعدة سنوات في قمع وسجن وقتل العراقيين، وكان واحدا من أعضاء اللجنة المشكلة للتحقيق في قتل المتظاهرين في عهد المخلوع عادل عبد المهدي رئيس الوزراء السابق وممن أشرف على عمليات القمع. ليس ذلك فحسب بل ان الكاظمي يدعي هو ومستشاريه قيامه بكثير من الإصلاحات وإنجاز مشاريع البناء وافتتاح مشاريع أنجزت في عهده وهو ما تنفيه الحقائق العنيدة على الأرض. ان قراءة بيان خاص بالإنجازات التي يعددها مستشاريه عبر الفضائيات ومكتبه الإعلامي تظهر تمثيليات ساسة الاحتلال وركاكة العملية السياسية ومدى الهوة بين الشعب العراقي وبين جحر الخضراء الذي يتمترس فيه أصحاب عملية الاحتلال خوفا من غضب العراقيين. ما يلاحظ على بيان الإنجازات انه يركز أولا وقبل كل شيء على مدينة الناصرية قلعة ثورة تشرين التي طرد أبنائها كل الأحزاب وممثليهم من المدينة آبان التظاهرات " عزمنا على إعادة تطوير محافظة ذي قار بتشكيل مجلس اعمار وهناك مشاريع لتوسيع عشرين مدينة تابعة للمحافظة ، ويقول البيان تعهدنا بأن نمضي للتهيئة لحكومة مقبلة واصدرنا عدة قرارات بشأن مكافحة الفساد والشركات المتلكئة والوهمية وتمكنا من افتتاح المستشفى التركي المتوقف منذ عشر سنوات وبدأ العمل بإحالة اكثر من مائة مشروع ضمن قطاعات الكهرباء والصحة والبنى التحتية والطرق والجسور والشباب والرياضة لان الناصرية التي باركها بابا الفاتيكان خلال زيارته لزقورتها تستحق ان تحظى بمكانة تليق بتاريخها". الحقيقية هو ان المستشفى التركي الذي بني على تدمير المستشفى العسكري السابق مهجور تماما ولم يكمله اللصوص من اهل عقود البناء بل افتتح الكاظمي طابقا واحدا منه بحسب روايات اهل الناصرية للدعاية الانتخابية وكل ما ورد في بيان الإنجازات هو كذلك من مشروع المطار الى الطرق والجسور والمجمعات السكنية والملعب الأولمبي الذي سرقت أمواله المرصودة من حاشية الخضراء واليوم هو مجرد سياج حديدي وهيكل لا اكثر ومثله هو مشروع المدينة الصناعية ، اما مشاريع الكهرباء فبحسب المصادر فأن 70% منها هي مشاريع وهمية وما يؤكد ذلك هو ان البيان الذي نشره المكتب الإعلامي يتكلم عن تكلفة لكل هذه المشاريع تصل الى 120 مليون دولار وهو مبلغ بسيط جدا وغير معقول لكل هذه المشاريع التي يسطرها كاتب البيان كما يشاء ، ولا يمكن إخفاء وهم هذه الادعاءات المعلبة للدعاية الانتخابية حتى بمساعدة ودفعة "إسرائيلية" عبر إحضار وفد اماراتي "لتوقيع عقود جديدة" وتقديمها للشعب العراقي، قبل أربعة أيام من موعد الانتخابات، الامر الذي دعا أبناء الناصرية للهتاف: حتى كذبكم خلص"!
الحقيقية ان ادعاءات حكومات الخضراء لا نهاية لها وأكبرها هو ادعاء حكومة الكاظمي بأن ما يقوم به هو تحقيق مطالب ثوار تشرين وخاصة قيامه بإجراء انتخابات مبكرة في العراق. وذلك مناف للحقيقة، لو ان الكاظمي قد قام بإجراء الانتخابات المبكرة في شهر نيسان او حتى في شهر حزيران الماضي لكان له الحق في القول بانه حقق احد مطالب تشرين لكنه تهرب منها بحجة كورونا. ان الرغبة في تصفية ثورة تشرين واغتيال قادتها كانت المهمة الأساسية لحكومة الكاظمي قبل الشروع بالانتخابات حيث استمر في تصفية اهم قادة ثوار تشرين واغتيال من يمكن اغتياله واخرهم الشهيد إيهاب الوزني منسق تظاهرات كربلاء والناشط بتنظيم وتوحيد صفوف المتظاهرين.
اما الادعاء الآخر فهو يخص الكيانات السياسية الوهمية التي ترعاها حكومة الكاظمي على انها كيانات لثوار تشرين جاءت من صلب التظاهرات. مع تسلم هذا لرئاسة الوزراء برز أكثر من وجه ومن تشكيل يتحرك بحرية ويقيم مؤتمراته في قاعات فنادق الدرجة الأولى يدعي انتمائه لتظاهرات تشرين وللثورة للمشاركة في الانتخابات المقبلة، حيث يزعم هؤلاء ان الحل الوحيد للتغيير في العراق هو الدخول للعملية السياسية والمشاركة في الانتخابات والقيام بالتغيير من داخل هذه العملية وليس التظاهرات ولا الثورة. وكما كشف الثوار مبكرا المندسين في صفوفهم وشخصوا بدقة الأشخاص والشخصيات والأحزاب التي بين ليلة وضحاها انتقلت الى معسكر الاحتجاجات والثورة على العملية السياسية واحزابها الطائفية بينما كانت بالأمس في قلب هذه العملية او من احزابها ومن المشاركين فيها منذ ثمانية عشر عاما ، كشفوا من جديد الكيانات التي صنعتها حكومة الكاظمي ومن ورائه أحزاب المحاصصة الطائفية والعرقية لاحتواء ثورة تشرين ومطالبها وافراغها من محتواها الوطني ، كشفها الشعب العراقي الذي لم يعد يهتم بعملية الانتخابات بل يقوم كل يوم بإيجاد الوسائل المختلفة لمقاطعتها كما عام 2018. ان أكثر من سياسي من أحزاب الاحتلال قد اعترف عبر شاشات القنوات الفضائيه بتزوير الانتخابات وعدم جدواها حيث قال اياد علاوي ان الكاظمي قد جاء واخبره انه قد احضر هاكر وقام بتزوير الانتخابات )الأخيرة( في أربعة دقائق، وأعترف نوري المالكي بان المشاركة في الانتخابات السابقة قد وصلت الى 20% فقط وتم تزويرها وقد التزم الصمت لتجنب الفوضى.
يتوهم الكاظمي ومعه كل أحزاب الاحتلال اذا اعتقدوا بأنهم تمكنوا من القضاء على ثورة تشرين، فهي عائدة لا محال، لأن التظاهرات لم تتوقف الا بسبب وباء كورونا واحترام المتظاهرين للشروط الصحية في التباعد وعدم الاختلاط، لكن الذكرى الثانية لها قد اكدت على ان جذوتها ما تزال متوقدة ومشتعلة، لم تنطفئ في قلوب العراقيين، لا يرون خلاصهم واستعادة وطنهم وسيادة بلدهم الا فيها. سبع مدن من مدن جنوب العراق خرجت من جديد في تظاهرات أعلن شبابها العهد لمواصلة الكفاح من اجل تحقيق المطالب التي خرجوا من اجلها وضحوا بأغلى شبابهم في سبيلها قبل سنتين. في أكبر تظاهرة، عاد أبناء الناصرية الى شوارع مدينتهم بالآلاف في الأول من تشرين عازمين على السير في طريق الشهداء وطريق النصر حتى تحرير العراق، رفعوا صور الشهداء وهم اول من مزق صور المرشحين ليضعوا محلها صور صفاء السراي ورفاقه ورفيقاته الذين استشهدوا وهم يهتفون نريد وطن. هتافات جديدة تصدح بها حناجر الشباب تتهكم على العمائم والمرشحين للانتخابات وتستهزأ بهم أي استهزاء تقول لهم : الورع والزهد وأسلوب السجاجيد وسوالفكم المعسولة الرزينة واللهم والحمد لله ما نصدق بيها! اذا نصافحكم نخاف تبوكون ) تسرقون( أصبع من كفوف أيدينا . و ياللي مرشح لي روحك ، رايد تشتريني بسلتك هاي ،سلتك بيها نعمة الله ، ما يصير صورتك تلزك ) تلصق ( بيها .
ولاء سعيد السامرائي
6/10/2021