إيران تتحرك سرا لإعادة ترتيب البيت الشيعي في العراق
قائد فيلق القدس نقل رسالة شديدة اللهجة لقيس الخزعلي وهادي العامري مفادها: اقبلوا بنتائج الانتخابات، وسط مخاوف إيرانية من نزاع شيعي شيعي يهدد نفوذها في العراق.
الأربعاء 2021/12/22
تشظي المكون الشيعي في العراق يثير مخاوف إيران من تراجع نفوذها
إيران في سباق ضد الساعة للجم ميليشيات شيعية عراقية متمردة
قاآني لا يملك كاريزما كسليماني ويبدو أقل تأثيرا على قادة الميليشيات
قاآني طلب من الميليشيات الشيعية التوقف عن نشر الاضطرابات في العراق
زيارات سرية إيرانية للعراق لاحتواء توترات تنذر بحرب شيعية شيعية
بغداد - تقوم إيران بتحركات سرية لإعادة ترتيب البيت الشيعي في العراق وكبح ميليشيات موالية لها أصبحت تتصرف بمفردها بعد أن تعاظمت قوتها، بينما تخشى من صراع شيعي شيعي يشتت تلك الأذرع التي تعتمد عليها في تعزيز نفوذها.
ومنذ رحيل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي قتل في غارة أميركية في بغداد في مطلع العام 2020، وهو الذي كان يتمتع بنفوذ قوي في العراق وفي إيران أيضا، برزت خلافات بين الميليشيات والقوى الشيعية المهيمنة على الحكم منذ العام 2003.
وعرّت الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت مؤخرا، حالة التشظي وصراع النفوذ بين القوى الشيعية المسنودة بميليشيات مسلحة وهو أمر لم تعد إيران تطيقه مخافة أن يزعزع نفوذها في العراق وفي المنطقة.
وتقول روايات مصادر متطابقة، إن إيران تتدخل في العراق لتهدئة اضطرابات داخلية مزعزعة للاستقرار تثيرها فصائل تحظى بدعم إيراني، فيما تأتي هذه التحركات في وقت تسعى فيه طهران للحفاظ على نفوذها الكبير في العراق بينما تخوض مفاوضات صعبة مع الولايات المتحدة على طموحاتها النووية.
وجاء التدخل على مستوى عال بصفة خاصة الشهر الماضي بعد ساعات من وقوع هجوم على مقر إقامة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اتهم بعض المسؤولين فصائل مدعومة من إيران بأنها تقف وراءه.
ويقول مسؤولون في فصائل وساسة عراقيون على صلة وثيقة بالفصائل ودبلوماسيون غربيون ومصدر أمني عراقي مطلع إن قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني أحد أرفع القادة العسكريين في طهران توجه على وجه السرعة إلى بغداد.
وكان قاآني يحمل رسالة للفصائل الموالية لإيران التي ترفض الاعتراف بالنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول وأسفرت عن تصدر رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المعارض للنفوذ الإيراني قوائم الفائزين فيها.
وكانت خلاصة رسالة قاآني هي "اقبلوا النتيجة"، في الوقت الذي بات فيه تصعيد الميليشيات الموالية لإيران ينذر بالفعل بصدام شيعي شيعي بمعنى بين الخاسرين في الانتخابات والموالين للصدر. ويحتفظ الأخيرة بدوره بميليشيات شديدة التسليح وإن كان قد أمر بحلها، فيما يدعو بقية الميليشيات لتسليم أسلحتها.
هادي العامري وقيس الخزعلي سمعا كلاما قاسيا من قائد فيلق القدس الإيراني
وتقول المصادر المطلعة على محادثاته، إن قاآني القائد المسؤول عن العمليات العسكرية الخارجية بالحرس الثوري الإيراني قال لقادة فصيلين إن اللغط السياسي يهدد نفوذ الأغلبية الشيعية الحاكمة التي تمارس من خلاله إيران نفوذها في العراق.
وكان الهجوم بطائرة مسيرة مسلحة على مقر إقامة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني تصعيدا كبيرا في التوترات التي كانت تتراكم في الشهور الأخيرة بين فصائل شيعية متنافسة.
وقد انحاز الكاظمي للصدر. ومني ائتلاف الفتح الذي يضم فصائل موالية لطهران بهزيمة كبرى في الانتخابات حيث خسر عشرات المقاعد.
وخلال اجتماع مقتضب في مكتب أحد قدامى الساسة المدعومين من إيران في بغداد وجه قاآني تأنيبا شديدا لقائدي فصيلين رئيسيين من الفصائل واتهمهما بسوء التصرف في تداعيات الانتخابات.
واطلعت رويترز على ما دار في اللقاء من خلال وصف أحد مسؤولي الفصائل المطلعين اطلاعا مباشرا عليه ومن اثنين من الساسة الذين تربطهم صلات وثيقة بالفصيلين وتم إطلاعهم على الاجتماع.
وقال الثلاثة إن قاآني الذي اصطحب معه فريقا صغيرا طلب من قائدي الفصيلين السيطرة على أنصارهما ومسلحيهما.
وقال مسؤول الفصيل "الإيرانيون كانوا غاضبين بشدة"، مضيفا أن أحد المسؤولين الإيرانيين قال متسائلا "هل تريدون حربا أهلية بين الشيعة؟". وامتنع المسؤول عن الكشف عن هوية المسؤول الإيراني الذي أدلى بتلك التعليقات.
وقال خمسة آخرين من مسؤولي الفصائل واثنان من الدبلوماسيين الغربيين والمسؤول الأمني العراقي، إن قاآني رأس الاجتماع. وأدلت المصادر كلها بروايات متماثلة وقالت إن قائد فيلق القدس طلب من الفصائل التابعة أن تتوقف عن نشر الاضطرابات في العراق.
وكانت الحكومة الإيرانية قد أدانت هجوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني في حينه بينما التزم الحرس الثوري الصمت.
وقالت وسائل إعلام رسمية إيرانية إن قاآني زار العراق في أعقاب الهجوم لكنها لم تذكر تفاصيل عن نشاطه خلال الزيارة.
وتعد هذه الرواية لمهمة قاآني في بغداد والتي لم يسبق نشر شيء عنها فصلا من عدة فصول من التدخل الإيراني على مدار السنة الأخيرة بهدف منع العنف المتصاعد بين فصائل شيعية متنافسة والذي ينذر بإضعاف النفوذ الإيراني في العراق المجاور وزعزعة استقرار المنطقة.
وقد كان حلفاء إيران من الفصائل مسؤولين أيضا عن هجمات على أهداف أميركية في العراق.
وتأتي التوترات في الصفوف الشيعية بالعراق كمصدر انشغال غير مرغوب فيه لطهران في وقت تُجري فيه مباحثات غير مباشرة مع واشنطن لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015. وكان ذلك الاتفاق قد خفف العقوبات الاقتصادية السارية على الجمهورية الاسلامية مقابل تقييد برنامجها النووي غير أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحب منه.
بعض الميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران باتت تتصرف دون استشارتها
وتتيح زيارة قاآني الاطلاع على أنشطته المرتبطة بالعراق وهو الذي يرأس فيلق القدس ذراع الحرس الثوري المسؤول عن الفصائل المتحالفة مع إيران في الخارج.
وقد تولى قاآني منصبه في يناير/كانون الثاني 2020 عقب اغتيال الولايات المتحدة سلفه قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة خلال زيارته لبغداد.
وشهدت فترة قيادة قاآني لفيلق القدس جهودا متزايدة للسيطرة على الفصائل. وقال مسؤولا الفصائل والساسة العراقيون الذين تربطهم صلات وثيقة بميليشيات الحشد الشعبي والدبلوماسيون الغربيون ومصدر أمني عراقي إن مهمة إيران في توجيه من يعملون لحسابها في العراق كانت سهلة نسبيا في السابق.
وكانت بداية حلفاء طهران العسكريين والسياسيين في العراق في الغالب كجماعات شبه عسكرية يمولها الحرس الثوري ويدربها ثم تطورت في ما بعد إلى أجنحة سياسية.
ويعمل هؤلاء الحلفاء الآن كجماعات عسكرية وسياسية مدججة بالسلاح تسيطر على قطاعات من الاقتصاد العراقي ومؤسسات الدولة. ويقول مسؤولون عراقيون إن هذا النفوذ شجع بعض قادة الفصائل على التصرف بمعزل عن طهران على نحو متزايد.
ويشكو بعض قادة الفصائل في لقاءات خاصة من أن قاآني يفتقر للهيبة واتقان اللغة العربية اللذين كان سليماني يتمتع بهما.
وقال المسؤول بأحد الفصائل المطلع مباشرة على الاجتماع والسياسيون المقربون من الفصائل إن القائدين اللذين التقى بهما قاآني هما هادي العامري وهو حليف قديم لإيران وقيس الخزعلي وهو أيضا من القيادات السياسية العسكرية.
وكان العامري قد أدان الهجوم علانية الهجوم بطائرة مسيرة على مقر إقامة الكاظمي، أما الخزعلي فقد ألقى المسؤولية على مجهولين.
ووصفت الميليشيات المدعومة من إيران هجوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني علنا بأنه مؤامرة لتشويه سمعتها ونشر الفوضى في العراق.
واستمرت الغليان بين الفصائل الشيعية المتنافسة في الأسابيع الأخيرة. ومن المتوقع أن يصادق القضاء العراقي على نتائج الانتخابات في الأيام القادمة الأمر الذي قد يثير الاستياء.
وربما يحين موعد اختبار مهم آخر لقدرة إيران على احتواء التوترات بعد 31 ديسمبر/كانون الأول وهو الموعد الذي دعا فيه فصيل كتائب سيد الشهداء على الملأ المعارضين للوجود الأميركي في العراق للاستعداد لمواجهة.
وكان الجيش الأميركي قد ندد بالهجمات التي تشنها فصائل متحالفة مع إيران على قواتها وقالت واشنطن إنها تحتفظ بالحق في الرد على أي هجمات يسقط فيها قتلى.
مسؤولون إيرانيون تدخلوا في محاولات سابقة لتهدئة التوتر بين الشيعة في مناسبات أخرى منها خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الأخيرة والتي منيت فيها القوى الموالية لطهران بهزيمة ساحقة
وتسيطر الأحزاب الشيعية على السياسة في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 وأطاح بصدام حسين. وتشمل هذه الفصائل مجموعة من الأحزاب الشيعية، يتبع معظمها أذرع مسلحة، لكنها أصبحت تنقسم الآن إلى معسكرين: الموالون لإيران والمعارضين لنفوذها في العراق.
وتجري الأحزاب السياسية الرئيسية في العراق محادثات في الوقت الراهن بشأن تشكيل حكومة ائتلافية. وقال الصدر رجل الدين الشيعي الذي فاز تكتله بمعظم المقاعد البرلمانية، إنه سيتحالف مع من يضع المصالح الوطنية للعراق في المقام الأول، مثل توفير الخدمات للسكان.
ويقول مسؤولون عراقيون ودبلوماسيون غربيون إن هذا مؤشر على أنه قد يستبعد بعض الجماعات التي تدعمها إيران لصالح أحزاب كردية وسنية.
وقال توبي دودج الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد "يواجه الإيرانيون صعوبة متزايدة للسيطرة على الحلفاء الذين لديهم مصالح ولن يقبلوا بالرفض كإجابة".
واندلع التوتر على مدى العام الماضي لا سيما بشأن الانتخابات التي أجريت في الآونة الأخيرة نظرا لصراع الفصائل على السلطة.
وذكر سياسيان مقربان من الفصائل أنه بعد هجوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني اجتمع قاآني أيضا مع قائد قوات الحشد الشعبي التي تسيطر عليها فصائل موالية لإيران. وأضافا أنه نقل للقائد عبدالعزيز المحمداوي (الذي تدعمه إيران) منذ وقت طويل، الرسالة نفسها: سيطر على الفصائل.
وتدخل مسؤولون إيرانيون في محاولات لتهدئة التوتر بين الشيعة في مناسبات أخرى منها خلال الفترة السابقة للانتخابات.
وأعلن الصدر في يوليو/تموز أنه سيقاطع الانتخابات بدعوى أن أعداء غير محددين يحاولون زعزعة استقرار العراق وإلقاء اللوم عليه.
وقال السياسي العراقي عبدالكريم الموسوي العضو في تحالف الفتح "هذا الأمر أقلق إيران. مقتدى الصدر كان دائما يشترك في جميع التحالفات الشيعية التي شكلت الحكومات السابقة، ورفضه الاشتراك بالعملية السياسية كان سيسبب اهتزاز الأمور ويؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار".
واجتمع محمود علوي وزير المخابرات الإيراني وحسين طائب رئيس الاستخبارات بالحرس الثوري الإيراني وغيرهما من كبار المسؤولين ببعض أفراد الفريق السياسي التابع للصدر في بغداد. وحاول علوي وطائب إقناع الصدر بعدم مقاطعة التصويت وفقا لما ذكره مسؤول في المكتب السياسي للصدر.
وقال المسؤول "قرار السيد الصدر بالعودة جاء لتجنب التصعيد وبعد طلب المشورة والرأي من آية الله السيد علي السيستاني"، مضيفا "الوساطة الإيرانية نجحت".
وذكر مسؤولان في الفصائل وسياسيان مقربان منها أن قاآني زار بغداد في أزمتين أخريين في العام الماضي. وأكد قائد فصيل عراقي في المعسكر الموالي لإيران أن مسؤولين إيرانيين غير محددين تدخلوا لإقناع الصدر بعدم مقاطعة الانتخابات.