بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كردستان العراق دولة أم إقليم؟
شبكة البصرة
إبراهيم الزبيدي
ضعف الحكومات الفيدرالية ساعد على إغراء المتطرفين الكرد في تحدي الحدود، على إدارة المحافظات الثلاث، من قبل الحزبين الكرديين الكبيرين، باعتبارها دولة.
إن الكثيرين من الأكراد العراقيين يؤكدون أنهم، في غالبيتهم، لا يطلبون الانفصال، على الأقل في المدى المنظور. ويستندون في ذلك أساسا إلى أن قيام دولة كردية صغيرة في شمال العراق، على غير هوى عرب العراق ودول الجوار، يعني العزلة القاتلة.
إلا أن أحزاب الجبهة الكردستانية جعلت الفيدرالية فكرة هلامية عشوائية، خصوصا فيما يتعلق بحدود حقوق الدولة المركزية وحدود حقوق الإقليم، فعمدت إلى تشكيل وزارات وبرلمان ومؤسسات لم تضع في اعتبارها أنها جزء من كيان أكبر، الأمر الذي جعل الأمر بحكم تأسيس دولة أخرى ترتبط إسميا بالمركز فقط لضمان الحصول على الأموال والوظائف العليا في بغداد، الأمر الذي حمّل الفيدرالية طعم التعصب القومي، وهي منه براء. فهي ليست سوى إطار إداري سياسي يمكن أن يصاغ بما يناسب الدولة، أيّ دولة، ومصالح جماهيرها.
ويجادل البعض، وأغلبُهم من كرد العراق، بأن ما لقيه الأكراد العراقيون من ظلم وعدوان، طيلة العهود الحكومية العراقية السابقة، جعل لبعضهم الحق في عزل أنفسهم عن عرب العراق، ومنع الدولة الفيدرالية من ممارسة أيّ سلطة على حكومة الإقليم.
ويردّ عراقيون آخرون بأن عرب العراق ومواطني مكوناته القومية الأخرى لم يكونوا أقل تعرضاً للظلم والعدوان وتحمّلا لتبعات أخطاء أنظمة الحكم السابقة التي لم تكن، جميعها، منتخبة من شعبها. بل إن بعضهم تعرض لأقسى مما تعرض له الأكراد من ظلم وقمع وتجويع وتهميش.
وكان المؤمل أن تصبح الشراكة في الظلم السابق كفيلة بضمان الشراكة في العدل في الدولة الجديدة التي ورث السلطةَ فيها قادةُ الأحزاب الدينية العربية والأحزاب القومية الكردية الذين فشلوا في تحقيق أمل الجماهير.
ودون تحامل، ولا تجاوز على الواقع المر الجديد، لا بد من الاعتراف بأن سلطات الإقليم الكردي أخطأت، منذ العام 1991، وهو عام الانتفاضة ضد نظام صدام حسين وبدء الحماية الأميركية لسلطة الحزبين الكرديين، حين عمدت إلى إقامة وضع سياسي وإداري أقرب ما يكون إلى الاستقلال التام عن الدولة الاتحادية، لا في زمن النظام السابق، فقط، لإضعافه والسعي لإسقاطه، بل حتى في ظل النظام الذي يصفه أصحاب السلطة التحاصصية الجديدة بالديمقراطي، وهو ليس بذلك.
ولعل أكبر أخطاء زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، هو إقدامه، بإصرار وغرور وعنجهية وتطرف عنصري وعدم واقعية، على فرض الاستفتاء على الانفصال ومجاهرته، ومعه جميع أفراد أسرته وحزبه، باعتبار أنفسهم غير عراقيين.
وساعد ضعف الحكومات الفيدرالية وانتهازية أشخاصها وأحزابها على إغراء المتطرفين الكرد في تحدي الحدود الدستورية والقانونية، على إدارة المحافظات الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، من قبل الحزبين الكرديين الكبيرين، باعتبارها دولة مجاورة للعراق، لا يحق لأحد في المركز معرفة حقيقة ما يجري سواء على صعيد الإدارة الداخلية أو العلاقات الخارجية التي تقيمها حكومة الإقليم.
وتوَّجها مسعود بارزاني، في أعقاب فوزه بـ32 مقعدا برلمانيا في الانتخابات الأخيرة باستغلاله ضعفَ التيار الصدري العددي الذي يمنعه من تشكيل الحكومة واحتياجه إلى التحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورفعه سقفَ مطالبه الخاصة مقابل هذا التحالف.
المؤكد أن الحكومة الفيدرالية لن تستطيع، بعد اليوم، أيضا، أن تدفع حصة الإقليم في الميزانية إلا في حالة انصياع سلطات الإقليم بالكامل لأحكام قرار المحكمة الاتحادية
أما غلطته الأكبر فهي سعيه للاستحواذ على الرئاسات العليا في الدولة وذلك بترشيح خاله، هوشيار زيباري، رئيسا لجمهورية العراق، وهو المطرود من وظيفة وزير لفساده.
وقد جاء قرار المحكمة الاتحادية بمنع زيباري من الترشح، حاليا ومستقبلا، لرئاسة الجمهورية ليكون جرَّة إذن قانونية ودستورية وقضائية لمسعود الذي ظن أنه قد أصبح الحاكم الأقوى القادر على فرض إرادته على الشعب العراقي عنوة دون أيّ اعتبار لقيم المواطنة، ودون احترام لكرامة الدولة العراقية والشعب العراقي.
ثم أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكمها الحازم الحاسم الذي يقضي بعدم دستورية قانون النفط الذي تمّ تبنيه في كردستان عام 2007 لتنظيم هذا القطاع الحيوي، وألزمت حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط إلى الحكومة الاتحادية المتمثلة بوزارة النفط الاتحادية.
وبسرعة، وبنفس العنجهية والارتجالية والغرور والعناد، رفض مسعود بارزاني قرار المحكمة الاتحادية واعتبره “غير عادل وغير دستوري”، ووصفه بأنه “قرار سياسي بحت، بالضد من الدستور العراقي الفيدرالي والهدف منه معاداة إقليم كردستان والنظام الفيدرالي في العراق”.
والآن، وبعد قرار المحكمة الاتحادية، تولّد في العراق وضع جديد سياسي وإداري لا يمكن لأحدٍ في بغداد، ولا في أربيل، أن يتجاهله ويتجاوزه ويتصرف خلافا لما ورد في القرار.
وبهذا ينتهي زمن الاستغلال الكردي بارزاني لخلافات الأحزاب الحاكمة في بغداد وانتهازية رؤساء الحكومات السابقة.
فلن يستطيع أيّ رئيس وزراء جديد، بعد اليوم، أن يقوم بإعطاء ما لا يملك من أموال الخزينة الفيدرالية لمن لا يستحق من قادة أحزاب كردستان، طمعا في دعم سياسي يحتاج إليه، كما فعل مصطفى الكاظمي مرارا، وكما كان يجري منذ زمن رئاسة إياد علاوي للحكومة عام 2004، ثم إبراهيم الجعفري فنوري المالكي فحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي.
والمؤكد أن الحكومة الفيدرالية لن تستطيع، بعد اليوم، أيضا، أن تدفع حصة الإقليم في الميزانية إلا في حالة انصياع سلطات الإقليم بالكامل لأحكام قرار المحكمة الاتحادية.
وسيتبع ذلك تولي حكومة المركز دفع رواتب موظفي إقليم كردستان، مباشرة، من بغداد، دون المرور بسلطات الإقليم، مع احتمال إجراء تدقيق شامل في أعدادهم وطبيعة وظائفهم، الأمر الذي سيحاصر الأحزاب الكردية ويقلل سلطتها وهيبتها في الواقع الجديد.
فإما أن تعود إلى الانصياع التام لسلطات الدولة المركزية، ليس فيما يتعلق بشؤون النفط وحدها، بل باستعادة إدارة المنافذ الحدودية الدولية، ومنع حكومة الإقليم من إقامة علاقات خارجية، دون معرفة الحكومة المركزية وموافقتها المسبقة.
وأغلب الظن أن وضعا من هذا النوع لن يرضي غلاة حكام الإقليم، وقد يدفع بهم إلى القفز في المجهول، وإعلان الانفصال. والله أعلم.
العرب
شبكة البصرة
السبت 18 رجب 1443 / 19 شباط 2022
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
0 Kommentare