تركيا والكرسي الدائم في مجلس الامن الدولي
المهندس هامبرسوم أغباشيان
تركيا والكرسي الدائم في مجلس الامن الدولي
منظر من استقبال الرئيس الإسرائيلي أسحاق هرتسوغ في تركيا (9 آذار 2022)
في عام 2011، عندما كان أردوغان لا يزال رئيسًا للوزراء، وفي مقابلة مع صحيفة تايم الامريكية، قال عن الأمم المتحدة أن "الإصلاحات مطلوبة في الأمم المتحدة، ومن الضروري حصول تركيا على عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي". كان ذلك الحلم يراود أردوغان منذ ذلك الوقت واراد ان يصل من خلال دعم الدول الإسلامية، التي يبلغ عدد سكانها اليوم أكثر من ملياري شخص في العالم، أن يحصل على عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولذا سعي لقيادة مسلمي العالم ليكون له نفوذ ومكانة قوية، مثل الدول الخمس الأخرى (روسيا، الولايات المتحدة، الصين، بريطانيا، وفرنسا)، ويحصل على حق الفيتو.
في 6 ديسمبر 2017، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل ووافق على خطة لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. كان قرار الرئيس ترامب في وقته فرصة لرئيس تركيا الطموح أردوغان، الذي طالما انتظر مثل هذا الحافز لتحقيق أهدافه آنذاك. لكن إلى أين كان يريد أن يذهب وماذا كان يريد أن يحقق؟
موضوع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لم يكن بالأمر الجديد. وكان العديد من الرؤساء الأمريكيين السابقين قد قطعوا وعودًا في هذا الصدد، لكنهم لم يفوا بوعودهم على الإطلاق، خوفا على مصالح بلدهم. اما الرئيس ترامب فقد أدرك جيدًا ان موقف الدول العربية والإسلامية ضعيف جدا، وسلوك الانظمة الاستبدادية مع شعوبها في معظم تلك الدول والتفكير في ديمومة مصالحهم وكراسيهم، واللامبالاة تجاه القضية الفلسطينية كان مؤاتيا لاتخاذ مثل هذا القرار، لذا اتخذ قراره، الذي مر بسلام ما عدا المظاهرات التي عمت في فلسطين وبعض المناطق الاخرى.
قدم أردوغان نفسه في تلك الفترة على أنه زعيم الدول الإسلامية والمدافع عن القضية الفلسطينية. واستغل منصبه كرئيس لمنظمة التعاون الإسلامي في حينه، وعقد اجتماعًا طارئًا لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 57 في اسطنبول لمعارضة قرار ترامب بشكل مشترك، وحذر الولايات المتحدة قائلا إن "وضع القدس هو خط أحمر للمسلمين".
انعقدت القمة الإسلامية في 13 ديسمبر / كانون الأول 2017، ونددت في بيانها الختامي بقرار الرئيس ترامب وطالبت بإلغائه، وأعلنت القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، داعية جميع الدول إلى الاعتراف بدولة فلسطين. إلا أن مصر التي هي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، والمملكة العربية السعودية بثروتها النفطية الهائلة وحمايتها للمقدسات الإسلامية، وأخيراً الإمارات العربية المتحدة بثروتها الهائلة لم يشتركوا في المؤتمر. فلم يرغب رؤساء هذه الدول المضي خلف أردوغان وأدركوا جيدًا نواياه، وبالتالي، بقيت قرارات المنظمة حبرا على الورق لعدم وجود أسس صلبة لها، وبالرغم من كل ذلك بقي أردوغان يحلم بالحصول على كرسي في مجلس الامن.
داخليا، تمكن أردوغان إلى حد ما من توحيد القوميين الأتراك المتطرفين في بلاده وتأمين دعمهم بعد الانقلاب العسكري الذي اتهم فيه عبد الله كولين ،صديقه وحليفه القديم ، وقام بسجن أو طرد عدد كبير من الأفراد "غير الموثوق بهم" (الذين وصفهم بالخونة) ، وأسكت رؤساء تحرير الصحف والصحفيين الذين انتقدوه ، ودمر المناطق الكردية واضطهد قادة الحركة الكردية والنواب الاكراد في البرلمان من اعضاء حزب الشعوب الديمقراطي ، وبالتالي أصبح دكتاتورا لا يهاب من احد وحتى من احزاب المعارضة وعلى راسها حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه كمال اتاتورك.
كانت الخطوة التالية لأردوغان هي البلدان الناطقة باللغة التركية، والتي يُعرف بعضها بمواردها الطبيعية، لكنه فشل في جعلها تحت مظلته، باستثناء أذربيجان، ولم يستطع كسب تعاطف الآخرين. وكان أردوغان قد حاول سابقاً إعادة بناء الامبراطورية العثمانية من خلال استغلال العرب عندما تبنى القضية الفلسطينية وابدى تقاربا مع الدول العربية و دخل في تعاملات تجارية كبيرة مع دول الخليج، لكن الجميع أصيبوا بالصدمة عندما واجهت تركيا السعودية وحلفائها. فلا توجد رؤية مشتركه بين تركيا والسعودية من ناحية المذهب الديني وهناك خلاف كبير بينهما ويسعى كل منهم بسط سيطرته من خلال استغلال الدين. وأعلن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش ، في 26 ديسمبر / كانون الأول 2017 ، عبر صفحته على تويتر ، أن "العالم العربي لا يمكن أن تحكمه تركيا". وفي مناسبة أخرى، أشار إلى أن الدول العربية بحاجة إلى التوحد حول السعودية ومصر، "المحور العربي". وكانت هذه رسالة الى اردوغان بان العرب لا يريدون العودة إلى وضعهم السابق كجزء من الإمبراطورية العثمانية، علما بان لتركيا قوة عسكرية في قطر لحمايتها من الجيران العرب وليس من إيران، وتركيا لاعب رئيسي في ليبيا. وباءت محاولات أردوغان بإنشاء حركة إسلامية عالمية شاملة وتقديم نفسه على أنه "الأخ الأكبر" للدول الإسلامية والزعيم المسلم الداعم للقضية الفلسطينية بالفشل، ومع ذلك، فكر بإمكانيه توحيدهم على الأقل وراءه في المجال السياسي وتقديم نفسه إلى العالم من خلال الأمم المتحدة، على انه زعيم الدول الاسلامية، ليحصل على ما يريد.
وجاءت الفرصة الملائمة الثانية لأردوغان من حيث لا يدري ليحقق احلامه،
فالمتتبع للحرب الروسية – الاوكرانية في هذه الايام يلاحظ بلا شك محاولات تركيا لزج نفسها كوسيط مقبول من قبل الطرفين للتقريب بين وجهات نظرهما ومحاولة استضافة الطرفين في تركيا للتفاوض لوضع نهاية لهذه الحرب، وكان انعقاد مؤتمر انطاليا الدبلوماسي في تركيا في شهر اذار الحالي فرصة لتركيا لترتيب لقاء بين وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف واوكرانيا دميتري كوليبا والذي لم يسفر عن نتيجة. ولكن بقاء تركيا في دائرة الشك من قبل روسيا وعدم قبولها الى الان كطرف محايد من قبلها لكونها أحد اعضاء حلف شمال الأطلسي (NATO) الذي يقف اعضاؤها اليوم مجتمعين ضد روسيا، وقيامها بتزويد اوكرانيا بطائرات بيرقدار المسيرة التي تشترك في الحرب الدائرة مع اوكرانيا، وقيام روسيا بطرح اسم حليفتها بيلاروسيا مكانا للقاء والتفاوض مع اوكرانيا قد أضعف موقف تركيا كلاعب دولي.
ولكن بقيت الحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا بالنسبة لتركيا هدية من السماء لمحاولة تحقيق حلمها القديم، فتركيا المارقة عن حلف شمال الأطلسي لقيامها بشراء الصواريخ الروسية S400 كانت منبوذة من قبل الغرب الى وقت قريب وحتى ان الرئيس بايدن كان قد وصف اردوغان بكلمات قاسية قبل ان يصل الى الحكم وكانت علاقاته فاترة بعد انتخابه مع اردوغان، ومع هذا تواصلوا مع بعضهم عبر الهاتف لمدة ساعة في العاشر من اذار 2022. وبالتأكيد عرض اردوغان ما لديه من امكانيات للتواصل بين روسيا واوكرانيا، وللعب دور الوسيط بينهما بينما لا يستطيع الغرب القيام بذلك بالرغم من تواصل رؤساء فرنسا والمانيا مع الرئيس الروسي، ووصل الامر ان يطلب الغرب من الصين التدخل لأنهاء الحرب.
ولكن هل ستكون خدمات اردوغان مجانا، بالتأكيد كلا، فالرجل لديه طلبات عديدة من الغرب.
اردوغان يرى ان فرصته قد جاءت لتحقيق العديد من المكاسب بسبب هذه الحرب. فداخليا تعصف الازمة الاقتصادية وتذبذب الليرة التركية به وتستغل الاحزاب المعارضة وعلى راسها حزب الشعب الجمهوري هذه الازمة للنيل من شعبيته والاستعداد للانتخابات القادمة، وخارجيا تورط اردوغان في مشاكل عديدة ابتداء مع حلفائه في حلف (NATO) بسبب الصواريخ الروسية وطرد العسكريين الالمان من قاعدة انجرليك وتحدي الغرب في البحر المتوسط ومحاولة بلع حقوق اليونان وقبرص وغيرهم في البحر المتوسط، الى تحدي الغرب في ليبيا ناهيك عن مشاكله مع الدول العربية التي قام بتحسن بعضها ولا زالت مشاكله عالقة مع الاخرين.
وبدا اردوغان بانتقاد الوضع الحالي لمجلس الامن وعدم كفاءته بتقديم الحلول الصحيحة حيث ان الفيتو الروسي اجهز قرار ادانة روسيا بسبب الحرب، واستغل اردوغان ذلك وطلب توسيع مجلس الامن على أمل الحصول على كرسي دائم لبلاده فيه. وبالتأكيد سيكون هذا اول الغيث إذا نجح اردوغان بتنفيذ ما يتوقع الغرب منه في الحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا، فلقد طلب من الاتحاد الاوربي قبول عضوية اوكرانيا في الاتحاد ليمهد الطريق لانضمام تركيا الى الاتحاد حيث تحاول تركيا ذلك منذ عشرات السنين.
اما بالنسبة للقضية الفلسطينية وقضية القدس التي طالما قدم نفسه كمدافع عنها، فلقد قام بتنظيم استقبال حافل للرئيس الاسرائيلي لدى زيارته لتركيا، وهذا النفاق ركن اخر من اركان سياسته، وكان ضروريا بالنسبة له في هذه الفترة، فهو بالتأكيد يحتاج الى دعم اسرائيل دوليا للحصول على ما يريد.
فهل سينال أردوغان ما يريد.
---------------------
اذار2022 - لوس انجليس- كاليفورنيا