"النشرة الحمراء" على الطريق
سناء الجاك
"النشرة الحمراء" على الطريق
بعد مذكرة الانتربول الفرنسية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لرفضه المثول أمام القضاء الفرنسي بتهم تتراوح بين تبيض الأموال العامة في لبنان وتهريبها واختلاس ما تيسر منها بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو، تترقب الأوساط القضائية في بيروت وصول "النشرة الحمراء" الألمانية التي تشمله مع من يدورون في فلك مصالحه من أقارب وخلان.
وآخر مستجدات القضية جاء من الولايات المتحدة الأميركية، التي دخلت على خط تقصي مصدر أموال الحاكم..
إلا أن كل هذه التطورات لم تدفع حكومة تصريف الأعمال في ظل الشغور الرئاسي المتعمد إلى وضع قضية سلامة على جدول أعمال جلستها الطارئة والمستعجلة التي عقدت قبل أيام.
فالعكس هو ما حصل مع ترتيبات قضائية لبنانية كفيلة بحماية سلامة من العدالة الدولية، والادعاء أن منعه من السفر والتحقيق اللبناني معه هو تطبيق لمبدأ سيادة السلطات اللبنانية على مواطنيها، وذلك بإيعاز من المسؤولين الذين يخافون على أنفسهم إذا ما وقع سلامة فيجرفهم معه ويكشفهم، ما يعرضهم بدورهم إلى إدراج أسمائهم على "النشرة الحمراء".
ولا لزوم للاستغراب. فكل ما يحصل، لبنانيا، في ملف المال العام وحاكم المصرف المركزي، هو استمرار لما كان. بالتالي لا يتضمن عنصر مفاجأة.. منذ الاحجام عن ملاحقة مطلوبي المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وما استتبعه من جرائم قتل بشعة كبشاعة مرتكبيها.. ومنذ "7 أيار" بأمجاده وبالأبرياء الذي قُتلوا على الطريق لاستكمال المهمة المجيدة بمصادرة البلد، ومنذ تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية حتى يُفرض علينا بطل "جهنم وبئس المصير"، ومنذ منع التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
ولا لزوم للمفاجآت بعد القبض على مفاصل البلد والإطاحة بكل مرافقه العامة والخاصة، ونهب أموال المودعين بالتكافل والتضامن بين جميع المستفيدين من المحاصصة والصفقات والفساد المحمي بسلاح غير شرعي.
فالمنطق في لبنان مقلوب رأسا على عقب. وإلا لما كانت ملهاة إشغال اللبنانيين بملف سلامة وتحميله وحده دون سواه مسؤولية إفلاس البلد، وتحريض المتضررين من سرقة ودائعهم عليه دون سواه، ومن ثم اعتبار تدخل القضاء الدولي انتقاص من السيادة ومؤامرة موصوفة.
وقبل قضية الحاكم وبعدها تندرج في المقام ذاته إثارة مأساة النزوح السوري وصولا إلى منعهم من الحصول على مساعدات بالدولار، والتحريض ضدهم وليس تنظيم وجودهم، ما يضع الفقراء بوجه الفقراء في صراعات يتم شحنها وتفخيخها.. وبمهارة وقذارة تستفيد من المعطيات والمتناقضات..
وقطعا لا يريد الحاكم بأمره في لبنان ومعه فريق عمله من جهابذة المنظومة حل كل هذه الأزمات ووضح حدٍ لكل هذه الويلات من خلال الالتزام بالدستور والقوانين واستعادة دور الدولة ومؤسساتها.. حينها يبدأ انتظام الأمور وصولا إلى إزالة الألغام ومكافحة أفاعي المنظومة وإبعادها عن سكة السلامة المطلوبة.
وهنا بيت القصيد، وكأن سكة السلامة هذه هي من المحرمات. والا كيف يمكن ترجمة اعتبار توافق أطياف المعارضة على مرشح يواجه مرشح "الثنائي الشيعي، بقيادة "حزب الله" سليمان فرنجية، هو هرطقة ومؤامرة ولا شرعية له في القاموس الممانع، لأن الشرعية الوحيدة التي يعترف بها هذا الفريق القابض على الاستحقاق الرئاسي هو أن مرشحه، وفقط مرشحه، حقيقي وشرعي.. أما غيره من المرشحين فهم أبناء زنا سياسي.. وأي توافق على مرشح غير فرنجية لا يقتصر على كونه لونا من ألوان النكد السياسي.. فهو يقارب جريمة الدعوة إلى تقسيم لبنان.. ما يتطلب استدعاء المتآمرين التقسيميين وإصدار "النشرة الحمراء" بحقهم لأنهم تجرؤوا على التوافق وتحدي الحاكم بأمرهم..