يوم وطأ الغزاة أرض بغداد
منذ 7 ساعات
هيفاء زنكنة
حجم الخط
1
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d9%8a%d9%88%d9%85-%d9%88%d8%b7%d8%a3-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b2%d8%a7%d8%a9-%d8%a3%d8%b1%d8%b6-%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af%2F&title=%D9%8A%D9%88%D9%85 %D9%88%D8%B7%D8%A3 %D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D8%A9 %D8%A3%D8%B1%D8%B6 %D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF][/url]
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d9%8a%d9%88%d9%85-%d9%88%d8%b7%d8%a3-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b2%d8%a7%d8%a9-%d8%a3%d8%b1%d8%b6-%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af%2F&title=%D9%8A%D9%88%D9%85 %D9%88%D8%B7%D8%A3 %D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D8%A9 %D8%A3%D8%B1%D8%B6 %D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF][/url]
في التاسع من نيسان/ أبريل 2003، تسلق أحد جنود الغزو الأمريكي تمثالا ضخما لرئيس العراق السابق صدام حسين، في ساحة بوسط بغداد، ليرفع العلم الأمريكي، فوقه. معلنا الانتصار الأمريكي في لحظة إنتشاء، عاشها الرئيس الأمريكي جورج بوش فيما بعد على ظهر باخرة عسكرية، قائلا «معركة العراق انتصار واحد في الحرب على الإرهاب التي بدأت في 11 سبتمبر 2001 وما زالت مستمرة» وأن قتال أمريكا هو «من أجل الحرية والسلام في العالم». لخص بوش بذلك جوهر السياسة الأمبريالية تجاه العراق ودول الجنوب، مثيرا في تلك اللحظة نفسها تساؤلا لا يزال حيا في ذاكرة الشعوب العربية والإسلامية ومناهضي الحرب العدوانية في أرجاء العالم، مفاده الانتصار على من؟
هل هو انتصار على رئيس دولة تم تضخيم خطره بواسطة آلة إعلامية باتت منذ منتصف التسعينات سمة عصر ما بعد الحقيقة؟ أم على شعب أنهكته الحروب والحصار الأشمل في التاريخ على مدى 13 عاما، بحيث تم إجبار مواطني واحدة من الدول الأغنى في المنطقة على بيع كل ما يملكون فقط للبقاء على قيد الحياة، وصار رفع العقاب الجماعي عن الشعب مشروطا بتغيير النظام؟
ويبقى السؤال الأهم، بعد مرور 19 عاما، من الغزو والاحتلال، عما تم تحقيقه عراقيا وعربيا وغربيا، معلقا بارتفاعات وثقل غير متساو، على رؤوس الشعوب، في مختلف المجالات. تم خلالها نشر آلاف الكتب والدراسات، وإنتاج مئات الأفلام والمسرحيات، وإقامة المعارض. معظمها يحلل ويبرر ويتغنى، في حالة الأفلام الامريكية، ببطولة وتضحيات القوات الامريكية في محاولتها نشر «الديمقراطية» وإنقاذ العالم من خطر عراقي إرهابي محتم. وفي مجال الغناء وتأليف الموسيقى، تراوح الإنتاج ما بين أغنية الجندي الأمريكي الذي يتباهى بقتله مواطنين عراقيين والتي تطلق على العراقيين نعوتا تسلخهم من إنسانيتهم ، ليسهل قتلهم، إلى الحفل الموسيقى، وهو الأكثر شهرة، الذي أقيم في كانون الأول/ ديسمبر 2003 ، بواشنطن إحتفاء بـ»الانتصار» الأمريكي بحضور مهندسي ومنفذي غزو العراق من الرئيس بوش، والسيدة الأولى لورا بوش ، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، إلى رند رحيم فرانكي التي كوفئت على تعاونها مع الاحتلال بتعيينها سفيرة لدى الولايات المتحدة. حضرت الحفل، أيضا، « النخبة» العراقية التي مهدت للغزاة طريق الوصول إلى بغداد وفتحت أبواب الجحيم على العراقيين. هذه « النخبة»، التي كان يجب إخضاعها للمساءلة والعقاب، جراء « خيانتها» والتعاون مع العدو، كما فعلت فرنسا، مثلا، تجاه المتعاونين مع الاحتلال النازي، صارت هي الرحم الخصب الذي أنجب للغزاة وكلاء يتكاثرون حتى الآن لتخريب العراق وتركيع أهله.
لقد سقط الكثير من العراقيين ضحايا التضليل السيكولوجي الإعلامي الذي مهد للغزو باعتباره خلاصا من الدكتاتورية وتحقيقا لحلم الديمقراطية، و»مذاق الحرية الحلو» كما وعد كولن باول. واختارت غالبية الشعوب الغربية أما تأييد حكوماتها المدافعة عنها ضد «أسلحة الدمار الشامل» أو إنتظار جني الغنيمة الاقتصادية أو الصمت لأن ما يحدث في أماكن نائية لا يعنيها. كان هذا واقع عام 2003، عام اعلان « الانتصار الأمريكي»، فما الذي تغير حاليا؟ عراقيا وعالميا؟ ما هي سردية الشعب الذي ذاق يوميات الاحتلال ونتائجه من القضاء على الدولة، وتنصيب وكلاء متعددين معززين بالميليشيات إلى نثر بذور الإرهاب ونمو أعشاب الطائفية والمحاصصة الضارة؟
فرض مسار التدهور الداخلي العام، بكل المستويات، من السياسي الى الاقتصادي وكل ما له علاقة بتوفير اساسيات الحياة بكرامة، ومع نمو جيل جديد من الشباب ( ربع سكان العراق لم يكونوا مولودين في عام الغزو) ، تغيرا محسوسا في الموقف من النظام السابق والحالي والأحزاب القديمة المتآكلة والجديدة المولودة حسب الطلب. تبدى التغير بأوضح صوره في إنتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر 2019، التي طالبت بوطن خال من «الوكلاء» المعتمدين خارجيا، الذين لا يمثلون أبناء الشعب وإن أجادوا رطانة الادعاء بذلك بلغة تجمع ما بين التستر بالدين وممارسات الفساد المادي والأخلاقي. وهي وليدة تجذر الهيمنة الامبريالية بشكل عقود و»استثمارات» في بلد بات مقسما، عمليا، بين ثلاث حكومات يُطلق عليها تسميات: حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان بفرعيها في أربيل والسليمانية. ينخرها كلها التهافت على السلطة والوقوف متفرجة على تحويل البلد الى ساحة للتفاوض واستعراض العضلات بين أمريكا وإيران.
أمريكيا، يلخص أنتوني كوردسمان الذي شغل مناصب عليا في الإدارة الأمريكية كمختص بالأمن الأمريكي، وسياسات الطاقة، وسياسة الشرق الأوسط المنظور السائد في التقييم الغربي لما يطلقون عليه مصطلح حرب العراق، تزويرا لحقيقة إنها حرب ضد العراق، قائلا: «منذ سقوط صدام حسين في عام 2003 وحتى الوقت الحاضر، لم يكن لدى الولايات المتحدة مطلقًا استراتيجية كبيرة قابلة للتطبيق للعراق أو أي خطط وإجراءات متسقة تجاوزت الأحداث الجارية.» وهو منظور لا يتماشى إطلاقا مع وجهة النظر السائدة، عموما، في العراق وكل البلدان التي تعيش محنة تغيير أنظمتها، مهما كانت طبيعتها، أو احتلالها، أو معاقبتها بفرض العقوبات الاقتصادية.
هناك بالتأكيد استراتيجية أمريكية تجاه العراق. وهي التي صاغها المحافظون الجدد في مشروع القرن الأمريكي الجديد ونفذها مسؤولو الإدارة الامريكية برئاسة بوش وواصل العمل بها من تلاه من رؤساء. إنها استراتيجية شاملة تهدف الى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. كان العراق نقطة البداية فيها، وصاحب المصلحة الأولى فيها، بعد أمريكا، هو كيان الاحتلال الصهيوني. فحركة توقيع الاتفاقيات والتطبيع مع المحتل الصهيوني وتسارع الهيمنة الامبريالية وفرض السياسات الاقتصادية الاستغلالية هو وجه من أوجه تلك الاستراتيجية خاصة بعد تفكيك الدولة العراقية وما تلاها من خراب في ليبيا واليمن ولبنان وسوريا.
وإذا كانت الاستراتيجية قد تعثرت جراء مقاومة الشعب العراقي فإن هذا لا ينفي وجودها. وتتطلب مواجهتها وجود مقاومة تجمع بين المقاومة المحلية وحركات التضامن العالمية النابعة من بطن الوحش نفسه.
كاتبة من العراق