بعد تسعة عشر عاما من الغزو: الفساد يعم العراق
ولاء سعيد السامرائي
بعد تسعة عشر عاما من الغزو: الفساد يعم العراق
أصوات كثيرة ارتفعت بعد غزو العراق تدعي بان الولايات المتحدة ليس لديها خطة لما بعد الغزو وان ما تقوم به غير واضح وأنها اقترفت أخطاء ولم تخطط لما بعد الغزو، لكن الوقائع على الأرض تفند هذه الادعاءات التي اريد منها تبرئة الإدارة الامريكية من الجرائم التي تقترفها والتقليل من شأنها بحجة انها ليست سوى أخطاء لا حاجة للتوقف عندها. بعد عقدين من الزمن يبدو ان موضوع الفساد الذي يغرق فيه العراق بفضل المحتلين واتباعهم ليس الا أحد اهم خطط محو وتدمير العراق وليس امرآ طارئا ومؤقتا وفرديا يرافق عملية الاحتلال السياسية. لقد بدأت الولايات المتحدة حال وصوله قواتها الى بغداد في التاسع من نيسان 2003 بحث المواطنين على النهب وسرقة دولتهم ومؤسساتهم الحكومية ليتم تصوير ذلك من قبل الاعلام العالمي وبثه عبر شاشات العالم اجمع بينما تنشغل قوات أمريكية خاصة أخرى بوضع اليد على أطنان الذهب وعلى ممتلكات العراق النفيسة المخزونة في البنك المركزي والتي شحنت حالا بالطائرات متوجهة الى واشنطن. والامثلة الأبرز للأيام الأولى للغزو هو تركز اهتمام الجيش الأمريكي على حراسة وزارة النفط فقط من دون غيرها وسرقة المتحف العراقي من قبل أصدقاء المجرم رامسفيلد من مافيات نهب وسرقة الاثار وعصاباته الصهيونية المتعاونة التي نقلت آثار العراق القديم الى تل ابيب ومتاحف دويلة الكيان. والغريب ان احدى القنوات الإخبارية الفرنسية قد بثت وقتها تحقيقا مع لصوص الآثار من تجار الانتيكات في نيويورك يقول فيه ان هذه الآثار ملك للجميع وليست ملكا للعراق! يقول أحد التابعين للأحزاب التي دخلت العراق مع الدبابات الامريكية انه اتصل مرة بالحاكم المدني الأمريكي بول بريمر ليشتكي له من سرقة المال العام لبعض زملائه فنهره هذا وقال له اترك هذا الامر لأنه غير مهم. هكذا بدأ الفساد أمريكيا في العراق ليرث سكان المنطقة الخضراء هذا النهج ويطوره وبأشكال تفوق التصور والخيال ربما لم يجري في أي دولة في العالم لا قديما ولا حديثا. أرست الخضراء آليات فسادا تكاثرت وتناسلت في اعلى مرافق السلطة هبوطا الى المؤسسات ومرافق الدولة ووزاراتها ودوائرها غير الكلام عن فساد أتباع وأنصار المهدي المنتظر الأمريكي والإيراني من الميليشيات الولائية حتى وصل لتلويث الشارع نفسه.
لقد أقتصر تقاسم الكعكة في السنوات الأولى على أحزاب العملية السياسية ومحيطها القريب لكنه سرعان ما بدأ يتوسع شيئا فشيئا ويتجذر يوما بعد يوم ليصبح الأداة الناجعة للبقاء في السلطة وكسب الاتباع والمتعاطفين لهذا الحزب او ذاك وكسب دعم وود بعض الدول التي حصلت على مليارات بأسماء شركات وصفقات وهمية وحقيقية. وليس عبثا ان تشكل حكومة الخضراء هيئة النزاهة مبكرا لتلهي الشعب العراقي بفساد هذا المسؤول او ذاك وليغرق العراقيون حسب قول الإيرانيين بالكلام عن الفساد فقط ولا يلتفتون للوضع السياسي والاحتجاجات وادانه عملية الاحتلال السياسية. وتشهد عدم مسائلة القضاء لعدد كبير من البرلمانيين والمتحزبين الذين اعترفوا وفضحوا الفساد واقرو علنا امام العراقيين بالصوت والصورة بسرقة الملايين وبوجود فساد وصفقات وهمية وعمولات هائلة وموظفين فضائيين في كل مرافق الدولة وبكل ما تقوم به الحكومة، على العلاقة البنيوية بين هذا الفساد الممنهج والمتعمد بهدف تدمير العراق دولة وشعبا وبين المناصب السياسية والقضائية وغيرها. وامثلة بيع المناصب والاصوات الأخيرة التي جرت قبل وبعد الانتخابات ليست الا حلقة جديدة في مسلسل الفساد الملازم لعملية الاحتلال السياسية ومثله فضيحة مبلغ عشرة ملايين دولار الذي اكتشفته الشرطة الأسترالية في منزل أحد قادة الميليشيات المتصدرين للمشهد السياسي الميليشياوي الولائي بعد عملية سطو على منزله في سيدني، اما آخر فضيحة كشفها الإعلامي احمد الملا طلال بالاستعانة بممثل حول فساد ضباط المؤسسة العسكرية التي أحدثت ضجة اتهم فيها الصحفي بالإساءة لوزارة الدفاع وتمت المطالبة بمحاسبته وليس بمحاسبة الفاسدين انفسهم ؟ ومما تم كشفه أيضا هو ان هيئة النزاهة المتخصصة بكشف الفساد ظهر انها تبيع ملفات الفساد بالملايين لمن يريد ان يشتري ملفه. اما الأكثر عجبا فهو التعيين الأخير لنواب اعترفوا بسرقتهم للمال العام في هيئة النزاهة واللجان المالية للبرلمان المنتخب !
ومثلما نسقت الولايات المتحدة مع إيران لاحتلال العراق فالتنسيق بخصوص الفساد أصبح يدور علنا امام انظار الشعب العراقي منذ سنوات، ففي كل ازمة كهرباء وكل ازمة غاز وأزمة غذاء تتبرع الإدارة الامريكية بمليارات الخزينة العراقية لدعم الاقتصاد الإيراني عبر عقود استيراد الغاز والكهرباء الذي يمكن للعراق بسهولة انتاجه محليا وبكفاءات عراقية محرومة من العمل ذلك ما عدا غزو واحتلال الاقتصاد العراقي في مختلف قطاعاته من الزراعة والصناعة وتدميره وتخريبه ليتم السماح لإيران بالهيمنة على السوق بالكامل وبيع منتجاتها. ليس ذلك فحسب بل تم قبل أسابيع اكتشاف سرقة نصف مليون برميل نفط يوميا في البصرة لصالح شركة بريطانية وبشكل رسمي بالأوراق والتوقيعات تمر دون تسديد الفواتير.
عندما يوقع رئيس الجمهورية على اطلاق سراح ضابط يتاجر بالمخدرات ويدخلها للعراق من الجارة الإسلامية وعندما يصبح أعضاء هيئة النزاهة مليونيريه ويمتنع القضاء عن القاء القبض على القتلة ولصوص المال العام والفاسدين فأنهم يحللون كل أنواع الجريمة وكل الممارسات التي تزدهر وتتوسع في الشارع العراقي وليس بالمستغرب ان ترى وتسمع الاعاجيب في بلاد القهرين مثل هذه المرأة التي تحولت هي وزوجها من متسولة الى امرأة اعمال ومشروع يدر عليها الأموال حيث تستأجر أطفال من الشوارع وتختار افضلهم في القابلية لاستدار عطف مواطنين، او البلطجية الذين يستولون على أملاك الناس بتزوير سندات الملكية وعائديتها بتواطؤ من الموظفين والإدارات الحكومية ورشوتها والشيوخ الذين لهم اليد الطولى في هذه الميليشيا او تلك لاستعادة هذه الأملاك والحصول على نصف الأملاك والميليشياوي الذي يستولي على مدرسة تاريخية عريقة في بغداد خرجت افضل كوادره العلمية منذ عقود ليبيعها ويقبض الملايين واصحابه الذين يستولون على مناطق الآثار بالسلاح وعلى مناطق واسعة هدمتها قوات التحالف في الموصل لبيوت المواطنين للاستثمار دون مسائلة ولا محاسبة ولا قانون يجرم هذه الأفعال والممارسات الواسعة جدا وفي كل مدن العراق ومحافظاته دون استثناء؟
وبدل ان تعالج حكومات العملية السياسية للاحتلال وآخرها حكومة الكاظمي هذا الواقع المزري الذي وصل له العراق وشعبه والذي اعتبره ثوار تشرين ضياعا للعراق وهتفوا في الساحات "نريد وطن"، وتستجيب لمطالب ثواره ولو بالحد الأدنى على الأقل لإرضائهم فأنها تتمادى وتستمر على نهج من سبقها، لا بل تشن اليوم حملة منظمة ضد ثوار تشرين ومن يدعمهم لنشر اليأس بينهم في أي تغيير سياسي متهمة إياهم بتعاطي المخدرات وبالفساد الأخلاقي وبالاعتداء على الممتلكات العامة، يقود هذه الحملة وزير الداخلية الذي صرح بأن نصف المجتمع العراقي يتعاطى المخدرات تلاه وزير الدفاع وبعض النواب الفاسدين وبالأخص من التيار الصدري الحارس الأمين لأسوار العملية السياسية والجوكر الذي يستخدمه الاحتلال الأمريكي الإيراني لقمع أي تحرك يهدد العملية السياسية الفاسدة .هذه التصريحات الحكومية تدل على الخوف والرعب من غضب الشعب ومن موجه انتفاضة ثالثة لان اوار الثورة لم يهدأ رغم مئات الاغتيالات والجرحى والمساجين والغليان الشعبي يعد بجولة وضربة قاصمة لا تشبه سابقاتها لانتشال العراق واستعادته من القتلة والفاسدين.