الفرنسيون بين "فشة الخلق" و"شغل البال"
سناء الجاك
الفرنسيون بين "فشة الخلق" و"شغل البال"
أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أظهرت احتمال فوز الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بنسبة تتراوح بين 53 و55.5 بالمئة على منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الجولة الانتخابية الثانية التي ستجر الأحد المقبل في 4 الجاري.
وتجدر الإشارة إلى أن المرشحين يخوضان معركة أكثر حدة مما كانت عليه في العام 2017، عندما انتخب ماكرون رئيساً لفرنسا بنسبة 66 بالمئة من الأصوات.
وفي حين يعتبر المراقبون أن وصول كل من ايمانويل ماكرون ومارين لوبان الى نهائيات الرسالة حسم فوز الأول وأنهى بشكل ما المعركة الانتخابية، وذلك في استعادة لانتخابات 2002، حين وصل والد ماري، اليميني المتطرف جان ماري لوبان إلى الجولة الثانية، ما دفع الناخبين الى ترجيح كفة منافسه الرئيس الراحل جاك شيراك.
لكن هناك من يراهن على فرصة ما لمرشحة اليمين المتطرف، هذه المرة، ويرى أنها قادرة على إلحاق الهزيمة بمنافسها وإحداث أكبر خرق في تاريخ السياسة الفرنسية الحديثة. وذلك بعد تحقيقها شعبية لم تكن تحظى بها في انتخابات العام 2017.
وهم يشيرون أيضا إلى أن أحد أسباب تقدم لوبان هو نجاحها تقديم نفسها على أنها المرشحة الأكثر قدرة على التعامل مع المشاكل الحياتية، في حين لم يكن ماكرون يعير هذه المشاكل اهتماما، ما حرك الشارع في حينه مع مظاهرات "السترات الصفر".
ويعتبر هؤلاء أن لوبان حفظت درسها بعد الانتخابات الماضية وعملت بجهد لتحسين صورتها، حتى أن إحدى الصحف الفرنسية عنونت بسخرية أنها "تنكرت بغية إغواء الناخبين". وقد ظهر هذا "التنكر" من خلال إعلانها أنها تغيرت وتعلمت من أخطائها وبلورت برنامجها الاقتصادي بما يحاكي هموم الشعب الفرنسي، وإن بقي هذا البرنامج غير قابل للتحقيق.
ويستند أصحاب هذا الرهان على مزاج الناخب الفرنسي الذي بات يلائم التطرف أكثر مما كان عليه عام 2017 مع الحرب الأوكرانية التي تمهد لموجات جديدة من اللاجئين الذين سينافسون أهل البلد على أرزاقهم في ظل انكماش اقتصادي حاد، أن بسبب كورونا أو بسبب تداعيات النزاع الروسي الأوكراني.
لذا يرجحون احتمال استمالة الناخبين من خلال شعار "فرنسا للفرنسيين"، ما يعني معاداة الأجانب ورفض استقبال فرنسا للمهاجرين، والعداء للإسلام والمسلمين وتصاعد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وتصاعد فكرة القومية.
وليس أدَّل على هذا التوجه من احتدام الجدل بينها وبين ماكرون بشأن منع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
لكن يبقى لمفاعيل تدني نسبة التصويت حساباته، فقد أظهر استطلاع داخلي أن أغلب النشطاء المسجلين من أنصار مرشح اليسار جان لوك ميلونشون الذي احتل المرتبة الثالثة في الجولة الأولى من الانتخابات، سيمتنعون عن التصويت، أو يضعون بطاقات بيضاء في صندوق الاقتراع، في الجولة الأخيرة لانتخابات الرئاسة الفرنسية، بين الرئيس إيمانويل ماكرون، ومنافسته مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.
كما دعا ميلونشون أنصاره لعدم التصويت للوبان، إلا أنه أحجم عن دعوتهم لمنح أصواتهم لماكرون.
وطبقاً لنتائج الاستطلاع الذي شارك فيه نحو 251 ألف شخص ونشر الأحد، قال أكثر من 66 بالمئة إنهم سيمتنعون عن التصويت، أو سيضعون بطاقات بيضاء في الصندوق أو يبطلون صوتهم.
وقال أكثر من 33 بالمئة بقليل: إنهم سيعطون أصواتهم لماكرون، ولم يمنح المشاركون خيار التصويت للوبان.
وبعيدا عن التحليلات وفق المعطيات المنبثقة من الموقف التاريخي للناخب الفرنسي حيال اليمين المتطرف، والذي جسدته مظاهرات اكتسحت أكثر من 50 مدينة فرنسية، بينها العاصمة باريس، مناهضة ورافضة التصويت لمارين لوبان الأحد المقبل، يمكن القول إن الفرنسيين الذين يفضلون عدم الانفتاح، وهم إن كانوا بشكل أو بآخر لا يحبون الغرباء، لكنهم لا ينتخبون متطرفين لرئاسة الجمهورية، لأسباب كثيرة، منها علاقات فرنسا مع محيطهم الأوروبي قبل أي أمر آخر.
فالتطرف هو تكريس لقومية فرنسية ألغاها انخراطهم في الاتحاد الأوروبي، كما قد تتوتر علاقاتهم الدولية التي يسعى ماكرون لاستعادة ألقها، وإن كان قد عجز عن تحقيق انتصار نوعي على الرغم من محاولاته في لبنان ومع الدول الخليجية وإيران على حد سواء، ووساطته التي لم تؤت ثمارها لإقناع روسيا بالتفاوض مع أوكرانيا.
والأهم، أن الفرنسيين لديهم نزعة الاعتماد على الدولة ومؤسساتها ورعايتها لتسيير أمورهم وفق النظام الحالي، لذا هم يتجنبون تسليم البلاد الى سلطة يمينية رأسمالية متطرفة، مما قد يحرمهم امتيازاتهم التي تؤمن لهم معيشتهم بالحد الأدنى.
كذلك لا يمكن تجاهل حساسيتهم تجاه وصفهم بالعنصريين والمعادين لمن يختلف عنهم، وتحديدا اليد العاملة الأجنبية، التي يضيقون بها ذرعا ويعاملونها بفوقية، إلا أن نمط حياتهم يجعلهم يعتمدون عليها.
وربما لأن لديهم محاذير من تغيير نمط حياتهم هذا، قد يفضلون بعد أسبوع واحد حسم الجدل بشأن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وإبقاء الأمور على ما هي عليه، وقطع الطريق على صعود اليمين المتطرف الذي "يفش خلقهم" ولكن ليس إلى درجة استبدال روتينهم بمجهول "يشغل بالهم".