العواصف السياسية أشد ضررا من عواصف الغبار
بيلسان قيصر
العواصف السياسية أشد ضررا من عواصف الغبار
موسم عواصف الغبار يضرب العراق مجددا، أغلقت المطارات والجامعات والمدارس، وتعطلت الحياة والدوام الرسمي في مدن العراق كافة، وجاءت هذه الحلقة من مسلسل العواصف، بعد أن خلفت السابقة (5000) شخص أدخلوا المستشفيات بسبب حالات الإختناق، وعصفت التي بعدها بـ (4000) مواطن والحالية في 23/5/2022 بألف مواطن غالبتهم ممن يعانوا مشاكل في الجهاز التنفسي.
أشار المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة " تزايد العواصف الرملية، خصوصا بعد ارتفاع عدد الأيام المغبرة إلى (272) يوما في السنة لفترة عقدين". ورجح " أن تصل إلى (300) يوم مغبر في السنة خلال عام 2050".
أما السبب فيما حصل فهو ليس غضب السماء على العراقيين، كما يصوره البعض، او يروجوا له، سيما المراجع الدينية، بل يمكن إجمالها للأسباب التالية:
اولا: ضعف الحكومة العراقية، وعدم إهتمامها بالبيئة، وزيادة التلوث بشكل عام دون الإهتمام بهذا الأمر البتة. علاوة على عدم إصدار قوانيين تجرم تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها الى أراضي سكنية. وعدم وجود الحوافز المشجعة للفلاحين للإستمرار في الزراعية من خلال توفير القروض والأسمدة والبذور، وسداد الديون في أوقاتها، فغالبية الفلاحين هاجروا الى المدن وتركوا أراضيهم خلفهم، حيث تضغط الحكومة العراقية بشتى السبل على الفلاحين، لكي تفسح المجال لإيران كي تصدر محاصيلها الزراعية الى العراق، هذه هي مواقف الأنظمة التابعة الذليلة، حكومات سافلة وعميلة لا علاقة لها بمصالح الدولة العليا، ولا تحترم شعبها.
ثانيا: تفرد تركيا وايران بالمياه (الدول المتشاطئة) ضاربين بالقانون الدولي والإتفاقيات الثنائية عرض الحائط، ولم تجسر الحكومة العراقية على تدويل المشكلة، بل إطلاق تهديدات فارغة من قبل وزير الموارد المائية، وهي اشبه ما تكون بعملية ملأ قربة مثقوبة، فقد وعد الوزير الأمعي عشرات المرات بتدويل المشكلة، وإقتصبر الأمر على الثرثرة الجوفاء، التي لا قيمة لها على أرض الواقع.
ثالثا: عبث الميليشيات الولائية من خلال تجريف البساتين سيما في ديالى وصلاح الدين وأطراف بغداد، وتدمير الغطاء النباتي الذي يعتبر من أهم مصدات الغبار، وتقلل أثرها.
ما صدمني حقا في أحد ىالأيام
ما زال حدثا شاهدته في ديالى على اليوتيوب لم يفارق عقلي مطلقا، فقد كانت مجموعة من الجنود وعناصر الميليشيات يقودهم ضابط برتبة رائد، وكانوا يحملون المشاعل بأيديهم القذرة، ويحرقون الأشجار من النخيل والحمضيات. موقف لا يمكن وصفه أو التعبير عنه.
رابعا. عدم الإستفادة من امطار الشتاء وتخزينها في السدود، فغاليا ما تحصل فيضانات تنجم عنها مشاكل بدلا من الإستفادة منها وتوجيهها الى الأراضي الجافة والزراعية، وتنظيمها بطريقة علمية.
طلقة طائشة
من غرائب وضعية مياه الأنهار في العراق، وهي كما يبدو غير جديدة على الواقع العراقي، ومستعصية على الحل، وتعثر الجهود الحكومية لمعالجتها، ومن المؤسف ان يكون العراق هو الطرف الفاشل والخاسر في المفاوضات الثتائية، سيما مع تركيا.
أخبرني دبلوماسي عراقي متقاعد كان يعمل في الدائرة القانونية في وزارة الخارجية، انه في التسعينيات من القرن الماضي اجتمع وفد تركي مع نظيره العراقي في ديوان الوزارة، لمناقشة حصة العراق المائية في الأنهار التي مصدرها تركيا، ذكر رئيس الوفد التركي لنظيره العراقي: انكم تطالبون بزيادة حصتكم من المياه، ولكنكم لا تستفيدون منها ولا تستغلوها في أية مشاريع اروائية، وهذا ما يثير حيرتنا وحفيظتنا. ثم شرب رئيس الوفد قدح من الماء كان أمامه وأفرغه، وقال لهم: سأصور لكم وضعكم المائي عبر هذا القدح، فمسك القدح بشكل مائل، وقال انظروا الى هذا القدح الفارغ، من حافته العريضة (فتحة الشرب) هو الماء الذي يتدفق اليكم من تركيا، ومن الحافة االسفلى الضيقة يخرج الماء المهدور من قبلكم، ويصب في البحر، ولا تستفيدوا منه. فعلام تريدون زيادة حصة الماء الذاهب الى البحر؟ الجم بكلامه هذا الوفد العراقي الذي عجز عن الإجابة، بعد أن قدم احصائيات دقيقة عن كمية المياه المتدفقة من تركيا الى العراق، وكمية المياه المهدور والذاهبة الى البحر.
سألت الدبلوماسي العراقي: هل كانت إحصائياته صحيحةة؟ فأجاب: كانت دقيقة للغاية، ولكن بقي الحال على وضعه مع الأسف.
وبعد عام 2003 تفاقمت الحالة في ظل العجز الحكومي المقصود. وستكون الأيام القادمة أشد على العراقيين، شحة ماء صالح للشرب، عواصف ترابية، وشحة كهرباء.
أقول: لقد أذهل الشعب العراقي العالم بسكوته المريب عن الفساد الحكومي. فعلا هناك شعوب حية، وأخرى ميتة.
بيلسان قيصر
البرازيل
مايس 2022