(هدية قطن ) و بعير (أبو ملح)
عبدالكريم ابراهيم
(هدية قطن ) و بعير (أبو ملح)
تعد اسبانيا مهد مصارع الثيران في العالم، وتنطلق مسابقات لهذا الغاية في شوارع المدن حيث تطلق هذا الحيوانات وناس تركض خلفها، وأحيانا يمكن ملاحظة بعض الصور المؤلمة قد تعترض عليها جمعيات الرفق بالحيوان. يتحمل المصارعون لقاء مطاردة الثيران الهائجة كدمات وجروح خطرة وقد يصل الأمر إلى الوفاة. الثيران المسكينة لا يجد بدا سوى الدفاع عن نفسها وهي ترى إشارات الاستفزاز التي تصدر من المتسابقين،لاسيما الألوان الحمراء. وتتحول هذه الرياضة إلى مشهد مقزز بعيد عن كل الإنسانية التي يجب أن تتصف بها كل أنواع الرياضات. هيجان هذه الحيوانات وعدم السيطرة عليها، ذكرني بحادثة (هدية قطن) وبعير(أبو الملح). فيما مضى كانت الحيوانات هي وسيلة نقل البضائع وتجوال بها في أزقة المدينة، فهناك الخيول والحمير التي عادت ما تجر عربات النفط ونقل المواد المختلفة، ولكن أكثر ما يثير الأطفال وجود سفينة الصحراء في قلب المدينة. أمرٌ لا يمكن أن يكرر سوى في أفلام كارتون. هذا الحيوان ذو الرقبة الطويلة والساقان العملاقتان وسنام المثلث والأسنان الكبيرة يحظى باهتمام الصغار الذي يقتفون اثر خفيه في الأرض الترابية، وهم يضعون أصابعهم فوق بعضها بعضاً على أملٍ الحصول على حليب مزعوم تركه هذا الأثر. نظرية غربية لا يُعرف من أين جاءت بها مخيلة الأطفال؟ يحمل (أبو وملح) بضاعته ليدور بها في الأزقة باحثا عمّا يشتري الملح. ولعل أكثر المناظر متابعة وإثارة هو بروك الجمل في وسط (الدربونة ) حيت يتطلب دراية ومعرفة بطابع هذا الحيوان العنيد، وبعد أن يقوم صاحبه بترديد مجموعة من الكلمات بمرافقة العصا التي يحملها في جعل هذا الحيوان الكبير يفترش الأرض، وهو يحرك شفتيه الكبيرتين في أملٍ التقاط احد الصغار المشاكسين كي يلقنه درساً في عدم الاقتراب منه. وعادة ما ينشغل بائع الملح المسكين في علميات البيع تاركاً حيوانه إلى استفزاز الأطفال ومشاغبتهم . ومن هؤلاء الأطفال (هدية قطن) التي تصنف على هذه الفئة العمرية برغم من بلغت الثامنة عشر سنة، ولعل لقب (قطن) جاء لأسباب عديدة منها : بياضها الناصع، وفطرتها، اكتناز جسمها كالقطن وغيرها من الصفات التي تنم عن البلادة والفطرة. استغلت(هدية) انشغال بائع الملح في علميات البيع والمساوة على السعر في امتطاء البعير. ما هي لحظة حتى هاج هذا الحيوان وعلى ظهره الفتاة ليثير فزعاً وهرجاً ومرجاً في المنطقة حيث سادت الفوضى المكان وهرب الجميع خوفا منه، وتعالت الأصوات و(هدية) ممسكة بلجامهِ، ولم يجد صاحب البعير بدا من اللحاق به وتهدئته وإنزال (هدية القطن) من على ظهره. لتعود إلى أهلها سالمة بعد مغامرة قلة نظيرها. لم تتعظ (هدية) من هذه المغامرة لتجرب حظها مع حصان (سعد أبو نفط) الذي حاولت مرة إعطائه قطعة (آيس كريم) لكي يبرد قلبه في أجواء الصيف الحارة، ولقرصها (سعد) بسوطه على ظهرها على أملٍ في عدم تكرار مثل الأفعال.
بعير (أبو الملح) عادة ما يختفي في الشتاء ليعاود الظهور في الصيف. ولكن الأطفال يسعدون بـ(أبو الملح) وبعيره الذي ينال اهتماما أكثر من بقية الحيوانات لكونه ابن الصحراء الذي جاء المدينة زائراً وليعاوده الحنين إلى موطنه الأصلي بعيداً عن فضول الأطفال ومشاكستهم مما جعله يصنف على انه ليس صديقاً لهم. وفي حين يجد هذا الحيوان في تطاول عليه سوى انه انتهاك لقواعد الضيافة.