اضطر لترك صديقه بغابة في بيلاروسيا.. قصة نجاة مهاجر عراقي
المصدر: إرم نيوز:”يا أخي.. ماكو زلم بالبرد“. كانت هذه رسالة صديق مصطفى له بعد أن اختبر مشقة البرد القارس في الغابات الأوروبية، وهذه الرسالة هي التي ”أنجت مصطفى من الموت“ خلال الرحلة، وفق قوله.
ومصطفى محسن، حلّاق وإعلامي من العراق قرر الهرب من بلاده لأوروبا بحثا عن حياة أفضل، وذلك بحسب موقع قناة The black box على ”يوتيوب“.
مناورات مع البيلاروس
وروى مصطفى أنه ”هرب من العراق بسبب الأوضاع الأمنية في محافظتي الأنبار، حتى السفر داخل العراق لم يعد آمناً، الكثير من أفراد عائلتي قتلوا على الطرق بين المحافظات، وبعضهم قتلوا خلال المظاهرات الأخيرة التي ثارت في العراق“.
وأضاف الناجي: ”سافرت إلى بيلاروسيا عبر رحلة مباشرة بالطائرة من بغداد، وبقيت في بيلاروسيا حوالي 6 أيام، وهناك اتفقت مع مهرب للعبور إلى داخل أوروبا“.
وقال مصطفى إنه صعد الى سيارة المهرب الذي ألقى به في غابات بيلاروسيا، وبدأ بالسير مع أصدقائه في الغابات على الحدود.
وعن الوصول إلى الحدود، تحدث مصطفى: ”عندما وصلنا إلى السياج الحدودي مع بولندا، بدأ الجيش البيلاروسي بتحذيرنا من العبور إلى بولندا ومن الوقوع في قبضة البولنديين، وعندما تجاهلنا تحذيراتهم وتابعنا السير، بدؤوا بضربنا بالحجارة“.
وتابع: ”كان الظلام دامساً، لا يسمح برؤية موضع خطوتنا اللاحقة، ولا يمكن تشغيل أي ضوء، وبعد السير لساعات وصلنا إلى الأرض المحرمة بين البلدين، لكنني أوقعت على الطريق ثيابي وفراشي“.
في المنطقة المحرمة وقعت المجموعة في قبضة افراد الجيش البيلاروسي وقاموا بمهاجمتهم شاهرين أسلحتهم في وجوههم.
وهنا قال مصطفى: ”في تلك اللحظة، أصبحنا نتمنى أن يأخذونا إلى السجن، كنا نشعر أنهم سيقتلوننا في المنطقة الفاصلة دون أن يشعر بنا أحد“.
أطلق أفراد الجيش البيلاروسي المجموعة بعد ساعات، دون سبب مفهوم، وقالوا لهم: ”أنتم أحرار“، فمضت المجموعة في طريقها لعبور الأراضي البولندية.
مستنقع الموت
عبور الحدود البولندية كان ركضا وليس سيرا على الأقدام، وبدون إثارة أي ضوء أو صوت مرتفع، وفقا لمصطفى الذي أضاف: ”رغم أننا كنا نركض بسرعة لكننا نتجمد من البرد، في تلك اللحظات تذكرت رسالة صديقي التحذيرية من البرد، لم نكن نجرؤ على التوقف والراحة خوفاً من التيه والتخلف عن المجموعة وخوفاً من التجمد“.
وصلت المجموعة إلى مستنقع وهناك اختلفت الآراء داخل المجموعة حول عبور المستنقع وأخطار الغرق واشتباك الأقدام بالأشجار داخله.
وهنا سرد مصطفى: ”كان صديقي يحيى أول شخص يحاول عبور المستنقع وعندما وصل إلى منتصفه، سقط ولم يعد له أي أثر“.
وتابع مصطفى: ”لم نتمكن من الصراخ على يحيى والاطمئنان عليه، كان الظلام كفيلاً بعدم رؤيته، وإذا ناديناه فسيكتشف حرس الحدود وكلاب الحراسة أمرنا، فقررنا الالتفاف حول المستنقع“.
لم يجد مصطفى صديقه ولم يعثر له على أي أثر، رغم عبوره والمجموعة إلى الطرف الثاني سيرا على ضفة المستنقع، وهنا كان القرار بمتابعة المسير بعد ساعات من البحث، ومشادات كلامية مع المهرب الذي لم يهتم لإيجاد الصديق المفقود.
وعن متابعة الرحلة قال مصطفى: ”وصلنا إلى النقطة التالية التي اتفقنا عليها مع المهرب، وهناك عبرنا الحدود بالسيارات لكن الجيش البولندي ضبطنا وقام بإعادتنا إلى الحدود بعد اعتقال المهرب“.
وتابع مصطفى: ”قبل اعتقالنا كنا نسمع بين الحين والآخر في الغابة أصوات إطلاق رصاص، وفي الطريق رأيت الجيش البولندي مدججاً بالسلاح، فظننت أنه سيأخذونا إلى الغابة ويقتلوننا، مر شريط حياتي أمام عيني في لحظتها“.
العراق المتعب
أعيدت المجموعة إلى المنطقة المحرمة على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وهناك كان بانتظارهم أيام من التشرد في البرد القارس، وهناك كان بانتظار مصطفى حالة معاناة إنسانية يندى لها الجبين، إذ أوضح مصطفى: ”وجدنا على الطريق سيدة عراقية في الثمانين من عمرها، لا تقوى على النهوض من على الأرض بعد أن تركها ابنها لينجو بنفسه من حرس الحدود“.
وتابع مصطفى: ”كان أصعب موقف أتعرض له في حياتي، كانت تحتضر من شدة البرد والجوع والعطش، قمنا بمساعدتها وإيصالها إلى التجمع البشري في المنطقة المحرمة“.
لم يكن أمام مصطفى حل سوى العبور إلى بولندا، فالعودة إلى مينسك، عاصمة بيلاروسيا، مستحيلة، حتى السيدة العجوز رفض الجيش البيلاروسي إعادتها، وقال للمجموعة: ”فلتمت هنا، ولن نعيدها إلى مينسك“.
العبور نحو الأمان
اتفق مصطفى وأصدقاؤه مع مجموعة أخرى على العبور مجددا والتعاون في تأمين شبكة الإنترنت لتغذية هاتف مصطفى المزود بـ GBS وخرائط للحدود.
وهنا قال مصطفى: ”كانت من أصعب الأيام في حياتي، كنا بلا ملابس ولا أحذية، وليس لدينا أي طعام أو شراب“.
سارت المجموعتين باتجاه بولندا مستعينين بهاتف مصطفى، وتجاوزت السياج الحدودي وهناك اتفقوا مع مهرب جديد لإيصالهم إلى ألمانيا.
أوصل المهرب المجموعتين إلى ألمانيا بعد المبيت ليوم كامل في بولندا، ثم عبور نهر وجسر حديدي سيرا على الأقدام حتى الوصول إلى الشرطة الألمانية.
وعن صديقه الذي فقدوه في المستنقع، قال مصطفى: ”وجدنا في الكامب الألماني، وتحدث لنا عن رحلته كم كانت شاقة بعد المستنقع، لقد عثرت عليه عائلة سورية وساعدته للوصول، لكنه يعاني إلى الآن من مشاكل في قدمه“.
[size=32]استقبل الألمان مصطفى ورفاقه بابتسامة وود خلافا لما عانوه من البيلاروس والبولنديين، وقدم اللجوء في ألمانيا العام 2021.[/size]