حرب التصحر ضد السجادة الخضراء في العراق
رويده الدليمي*
حرب التصحر ضد السجادة الخضراء في العراق
عرف العراق منذ القدم بأرضه الخصبة ووفرة مياهه والخبرة الزراعية والاهتمام بالحراثة وأدواتها وتعدد المناخات المختلفة وتنوع المحاصيل الزراعية المتعددة الأصناف، ما يعطي لهذا الموقع الجغرافي وضعا فريدا من نوعه عالميا باحتلاله المكانة الأولى في الجانب الزراعي. وتفرد الفلاح العراقي بخبرته الزراعية منذ القدم والتي انتقلت من الأجداد الى الابناء والأحفاد عن طريق المدونات الأثرية والمعلومات المتوارثة من جيل لأخر.
كما اقام العراقيون القدامى بأنشاء السدود الحاجبة لمياه الامطار وتفننوا في هندسة تلك المشاريع والسدود وتطورها ومن امثلتها مشروع (الجنائن المعلقة) التي أضحت أعجوبة من عجائب الدنيا السبع وأعطت هذه المشاريع رونقآ جميلآ لوجه العراق حيث الملايين من أشجار النخيل وأنواع الفاكهة والخضر والحبوب وغيرها من النعم التي من الله بها على هذه الارض المعطاء، والذي يشاهد الآن منظر أرض العراق، إذ ساد التصحر معظم أراضيه وافتقاره الى كثير من مشاريع الري الحديثة والمتطورة والإهمال الواضح من الجهات الحكومية المسؤولة عن دعم الفلاحين والمزارعين والعملية الزراعية برمتها، وكان من نتيجة ذلك حصول التخبط في العمليات الزراعية واختصار الخطط الزراعية، واضطرار كثير من الفلاحين لهجر أراضيهم وحقولهم الزراعية وتحولهم مثل اللاجئين في بلادهم عندما يقصدوا المدن في محاولة للبحث عن مردود معاشي أفضل، وتسبب ذلك في تراجع المحاصيل الزراعية الستراتيجية لمستويات لا تتناسب وعدد سكان البلاد التي وصلت الى 41 مليون شخص، ولا مع خصوبة بلاد الرافدين التي تسمى ب" أرض السواد" حتى ان محصول القمح الذي تراجع كثيرا ووصل انتاجه في السنوات الثلاث الماضي حوالي خمسة ملايين طن، بينما يتراجع في المحصول الماضي الى ثلاثة ملايين ونصف مليون طن.
أن المحصلة النهائية لهذا الواقع المأساوي هو تراجع وتأخر الزراعة، بل والأخطر من ذلك غياب حماية الأراضي المزروعة بالأشجار المعمرة كالنخيل وبساتين الحمضيات عندما بدأت حملات تجريد مساحات واسعة وتحويلها الى أراض سكنية وابتعاد الواقع الزراعي عن الري الحديث واعتماد الطرق القديمة والمتخلفة في الري. ولزامآ على الجهات المختصة الاهتمام بالقطاع الزراعي والعمل على توفير بعض المعالجات الضرورية لإيقاف التصحر الذي شكل عامل جوي مخيف لحياة الانسان، وينبغي أن تشرع المؤسسات المعنية بالقطاع الزراعي لحملة معالجات تبدأ من الاهتمام بنشر ثقافة الري بالرش والسقي بالتنقيط، وعمل سدود اعتراضية لخزن مياه الامطار والسيول في المسالك التي تجري بها المياه سواء كان في المناطق الجبلية أو الأراضي السهلية أو الصحراوية، وكذلك الاهتمام بالصحة النباتية والحيوانية ونشر شبكة مخازن التبريد لحفظ المنتجات الزراعية والاهتمام بصحة ومعيشة سكان الأرياف، وتوفير المستلزمات الحياتية الكريمة لهم لإيقاف هجرتهم الى المدن والاهتمام بمشاريع السجادة الخضراء، والواحات وتشجير المناطق الصحراوية بالأشجار، مع العلم ان العراق يحتاج لزراعة 14 مليون شجرة للحفاظ على الحزام الأخضر وتغيير وجع الأرض الصحراوي، وهذه الحملة بدورها ستقضي على الغبار والاتربة ومخلفات التصحر، ولتطبيق هذه الأفكار يتطلب من الدولة أن تخصص مبالغ في الموازنة السنوية للبلاد لدعم الزراعة ومواجهة التصحر ومخلفاته.
*كاتبة وإعلامية عراقية