الاحتقان السياسي واحتمالات الحرب الاهلية
مصطفى محمد غريب
الاحتقان السياسي واحتمالات الحرب الاهلية
قدمت عشرات الأسئلة بخصوص مصير العملية السياسية والوضع الداخلي تقابلها عشرات الأجوبة المختلفة للحصول على جواب واحد حقيقي يفي بالغرض لكن لا حياة لمن تنادى، وقد يكون السؤال الأشد أهمية الذي يضع النقاط على الحروف
ــــــ من يضمن أن الأوضاع السياسية في العر اق لا تتجه نحو التفجير الشامل بين الفرقاء "الأخوة الأعداء" الذين كرسوا منذ البداية جهودهم لإقامة صرح الدولة الذي يقوم على اللادولة؟ والجواب لا يوجد وهي الطامة الكبرى!.
كل شيء مباح بدون ضوابط إلا اللهم نهج المحاصصة الطائفية والتبعية وإقامة شكل دولة تتعثر بمهماتها الوطنية بدون ضوابط لكيان الدولة التي تقوم على أسس القانون والديمقراطية وحقوق المواطنين السياسية والقومية والدينية بدون تفرقة ضمن مساواة عادلة تعتمد على نهج تبادل السلطة سلمياً وليس شيعياً، نقولها بصراحة مرة ثانية
ــــ لا يوجد أي ضمان من عدم انفجار الصراع نحو الاقتتال واستعمال السلاح وعندئذ سنقرأ الفاتحة على كل شيء!
أن الاحتقان السياسي سببه الانسداد السياسي أصبح عبارة عن كارثة تبشر بالشر والعداء المستفحل في حرب المصالح الفئوية والاطماع الذاتية الحزبية والشخصية ومهما حاول البعض تبسيط الخلافات الناجمة عن تضارب المصالح فسوف يصطدم بالواقع الموضوعي والذاتي، المؤشر البارز التعقيد، سوء الادارة والعمل السياسي اعتماداً على نهج المحاصصة الطائفية التي كانت حاضنة للفساد المالي والإداري والانفلات الأمني وسوء الخدمات العامة وما لحق بالمواطن من ضنك العيش وغلاء الاسعار والبطالة والفقر وتحت خط الفقر، لقد انفردت القوى المتنفذة بالسلطة عن طريق تزوير الانتخابات واستغلال قانون الانتخابات غير العادل وبمفوضية للانتخابات اسمها "مستقلة فقط!!" بل هي انعكاس لإرادة القوى المتنفذة والأحزاب والميليشيات الشيعية، وها هي البلاد في اتعس أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعاشية والأمنية والثقافية كما هي على حافة انهيار تام وحرب طاحنة لا يمكن معرفة نتائجها المأساوية ولهذا فإن البلاد أصبحت سفينة في مهب الريح لا قبطان ولا بحارة مخلصين شرفاء يقودونها نحو شاطئ الأمان والسلام.
لقد حذرنا مراراً وتكرارا بأن أوضاع البلاد تسير من سيء الى أسوأ وإن حل المشاكل سيكون اصعب مما يتصور حتى أولئك الذين ساهموا في خلق المشاكل ومع ذلك فنحن نجد ما طرحته القوى الوطنية من حلول جذرية وطنية قادرة على انقاذ البلاد، وليس الترقيعات التي تطرح من قبل القوى المتنفذة المتصارعة، وما مسالة حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة بدون ضوابط وبرنامج عملي لا يمكن أن يكون الحل اذا ما بقت الأمور على حالها الراهن بدون تعديل وبخاصة قضايا مهمة في مقدمتها التخلص نهائيا من نهج المحاصصة الطائفية ثم اعتماد قانون انتخابي عادل ووجود مفوضية للانتخابات مستقلة وحيادية، ونرى
1 ـــ حل مجلس النواب والذهاب الى انتخابات مبكرة في الحقيقة مطلب جماهيري لأنهما البداية للتصحيح لكن قضية الحل بشكل عشوائي لا يمكن أن يكون مخرجاً لحل الأزمة ثم اجراء انتخابات مبكرة وهناك أسس صحيحة أكدها الحزب الشيوعي "نؤكد من جديد أهمية وضرورة التوجه إلى حل مجلس النواب والإعداد لانتخابات جديدة مبكرة بمنظومة انتخابية وشروط تضمن عدالتها ونزاهتها بما يحقق المشاركة الواسعة وتمثيلها للإرادة الشعبية المتطلعة في أن تكون الانتخابات مدخلا لمسار التغيير الشامل وإقامة دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية"
2 ـــ يتوجب وجود حكومة مؤقتة ورئيس جمهورية ومجلس نواب ومحكمة اتحادية عليا مستقلة وحيادية فعلاً، لكي يتم الانتقال إلى مرحلة جديدة "ونرى أن هذا المخرج هو اضمن الطرق السلمية والدستورية لمواجهة الازمة المتفاقمة، وبخلاف ذلك فإن الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات والخيارات"
وعليه فإن قضية حل البرلمان الحالي يجب ان يصاحبه تشكيل حكومة أو حكومة مؤقتة وفق زمن يحدد لغرض قيامها بمهماتها الآنية ثم يحدد تاريخ الانتخابات المبكرة وإلا فان أي تحرك فوضوي بدون دراسة منهجية لتحقيق الخطوات الإيجابية سوف يجر البلاد الى متاهات جديدة، ونجد من الضروري وجود قانون انتخابي يحقق المساواة ويمنع التزوير والاستحواذ بدلاً من القديم، ونتفق مع الرأي الذي أكد على أن بقاء الأوضاع القديمة كما هي سوف لن يجدي نفعاً بل سيخلق ضرراً يضاف الى الاضرار القديمة ويبقي "حكومة مصطفى الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح المنتهية ولايتهم " ولهذا انجاز مهمة وجود حكومة " ذات تفويض دستوري وشعبي "مهم للغاية وهذا ما أشار إليه الاتحادي الأوربي وتأكيد المتحدث الرسمي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية للاتحاد الأوربي " إن عرقلة عمل مؤسسات الدولة الحاسمة في العراق ، بسبب استمرار الاحتجاجات في بغداد ، أمر مثير للقلق". واستمر في تأكيده على الحق في الاحتجاجات السلمية باعتبارها دعائم للديمقراطية واعتبر من الضروري " أن تعمل جميع القوانين ومؤسسات الدولة لخدمة الشعب العراقي". ونرى في ما طرحته قوى التغيير الديمقراطية يتماشى مع حق الشعب العراقي في أن تكون الحلول الصحيحة طريقاً سالكاً لعلاج الأزمة الحالية والاحتقان السياسي وهذا ما اشار له البيان «ان الازمة لا تحل إلا بتحديد مسار ديمقراطي يحقق تطلعات الشعب العراقي الى التغيير، عِبر الاستمرار في العمل على تنسيق المواقف الوطنية مع القوى الوطنية و النقابات و المنظمات و المثقفين و الناشطين و الشخصيات الفاعلة و تقديم رؤية محددة و خارطة طريق لإنجاز هذا التوجه الجاد من قوى وطنية لم تلوث بقضايا الفساد المالي والاداري، لم تكن يوما طرفاً في الصراع المسلح والتهديدات المبطنة مثلما حال القوى المتصارعة على السلطة ولم تكن يوماً قد تلوثت بالتبعية الأجنبية إن كانت قطرية أو دولية وبقت في جميع خطواتها وتوجهاتها السياسية على قاعدة الإخلاص للوطن من اجل الحقوق المشروعة لأكثرية الجماهير العراقية، هذه القوى يجب ان يكون لها مكان الصدارة في توجهات المستقبل لإيجاد حلول واقعية ومنطقية تكون بعيدة عن المساومات اللامبدئية وهذا ما اثبتته الوقائع في اللقاءات والاجتماعات والحوارات بين القوى المتنفذة بين الرئاسات الثلاثة ولم تثمر تلك الاجتماعات للوصول إلى حلول تنقذ البلاد من الكارثة المحدقة، وبقى الاحتقان السياسي سيد الموقف وهو يبشر رضينا او لم نرضى الذهاب الى الصراعات المسلحة بدءً بين القوى الشيعية ولا بد أن يتجاوزه حدوده الى المكونات الأخرى عند ذلك ستحل لعنة الحرب التي جربها الشعب العراقي في الماضي وجربها في الحرب ضد الإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة التابعة واكتوى بها ودفع الثمن بشرياً ومادياً وهي اشارات تطرح من بعض القوى المتنفذة للبقاء على القديم وفي قمة الوضوح ما ذهب اليه وزير زعيم التيار الصدري صالح محمد العراقي بالقول "يريدون تشكيل حكومة ليكملوا بيع ما بقي من العراق ونهب خيراته" واذا ما تحقق لهم ذلك فهي الطامة الكبرى ولعل تجربة حوالي ( 19 ) عاماً من الحكم والتسلط خير دليل على تشخيص قوى التغيير الديمقراطية ما آلت اليه الأوضاع السيئة فهي " ترى أن الأحزاب المهيمنة سعت إلى تعطيل مؤسسات الدولة طوال عقدين، ورهن العراق للمكاسب الضيقة، ما كشف عجزاً واضحا لدى القوى الماسكة للسلطة، وإصرارا على إحياء نهج المحاصصة السياسية، الذي يحتضر ويتشبث بالمصالح الحزبية ويمانع التغيير والمسار الديمقراطي"
أن الاحتقان السياسي الذي تلازمه التهديدات المستمرة، والسلاح المنفلت بيد الميليشيات الطائفية المسلحة وعودة نشاط الإرهاب الداعشي وفلول النظام السابق والقوى المتنفذة المتعنتة والمتمسكة بالسلطة ووجود الدولة الضعيفة سوف يؤدي إلى الانفجار الداخلي المسلح وقد يكون التدخل الخارجي قاب قوسين وأدنى وهما احتمالان واردان في خبر "البنتاغون تعلن وضع القوات الأميركية في العراق بحالة تأهب"، ثم وجود القواعد العسكرية التركية، وتدخلات النظام الإيراني المختلفة في تنصيب حكومة موالية لطهران، دليل على تأزم الوضع الداخلي وتأثيراته على الوضع الخارجي المهيأ للتدخل في أي لحظة اذا لم يجر تدارك الوضع والتحلي بالمسؤولية الوطنية وهو بعيد عن ضمائر البعض من السياسيين!