"البالة" سوق للفقراء يتوسع ليشمل شرائح اجتماعية جديدة في العراق
شفق نيوز/ شهدت أسواق الملابس المستعملة المعروفة شعبياً باسم "البالة" في العراق، رواجاً واسعاً خاصة لدى الأسر الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود، لرخص ثمنها أمام الغلاء المتصاعد والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
و"البالة" هو مصطلح لطالما كان موجودا في القاموس العربي، ويعني الملابس المستعملة والتي يعاد بيعها لأشخاص آخرين ليعيدوا استخدامها، والاسم يأتي من الكلمة الإنكليزية (Bale) والتي تعني حزمة أو مجموعة كبيرة، وفي هذه الحالة تعني مجموعة كبيرة من الملابس المتنوعة في الأشكال والأحجام.
شرائح اجتماعية متنوعة
وتشهد أسواق "البالة" في عموم المحافظات العراقية، نموا وتكتسب شريحة أوسع من المواطنين، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الملابس المستوردة وصعوبة تلبية احتياجات الأطفال من الملابس الجديدة خاصة مع قرب العام الدراسي الجديد.
وبهذا الشأن، تقول المواطنة أم أمير من محافظة كربلاء عن سبب لجوئها إلى شراء الملابس المستعملة "بدأنا نتجه إلى البالة بسبب ارتفاع أسعار الملابس الجديدة، ولكوني أم لعدة أطفال، فلا استطيع ان اشتري ملابس جديدة لجميع أطفالي، خصوصا مع قرب بدء العام الدراسي، الذي سيلحقه أيضا قرطاسية ومتطلبات أخرى، فلا استطيع تدبير كل ذلك لأطفالي، كون والدهم عامل بأجر يومي، ولا نملك راتب الرعاية الاجتماعية الذي قدمنا عليه أكثر من مرة على مدى سنوات، دون استجابة حتى الآن".
الشتاء يزيد الطين بلة
وتضيف أم أمير لوكالة شفق نيوز "حتى أسعار البالة ارتفعت بسبب الأزمة الاقتصادية، لذلك بدأنا بتقليص الميزانية الخاصة بالطعام لنتمكن من شراء ملابس للأطفال، فهي ضرورية على خلاف ملابس البيت الذي يمكن ارتداء أي شيء داخله، أمّا موسم الشتاء الذي يقترب، فسيزيد الطين بلة، لأنه يتطلب شراء ملابس تقي من البرد (قمصلة)، وهذه مرتفعة الثمن حتى في البالة، لذلك نشعر بقلق بالغ من الآن في كيفية توفير المبالغ اللازمة لشرائها".
"معاش الفقير"
ويضطر بعض المواطنين للشراء من "البالة" بسبب وضعهم المادي الصعب، وفي هذا الجانب يذكر المواطن سجاد علي من محافظة المثنى، في حديثه لوكالة شفق نيوز "لجأت إلى الملابس المستعملة التي اعتبرها (معاش الفقير)، مُجبرا، فلدي ستة أولاد وجميعهم في المدارس".
ويتابع علي، الذي يبحث عن فرصة عمل "كما أن أسعار البالة ارتفعت لضعفين أو ثلاثة، لكنها في النهاية من الممكن شرائها"، داعيا الحكومة إلى ضرورة الالتفات إلى الشريحة الفقيرة في البلاد.
وتلبّي الملابس المستعملة حاجة الكثيرين من المواطنين، ليس فقط لأنها تستر الفقير وخاصة في أيام الشتاء، بل لأنها أيضاً توفّر فرصة للحصول على ملابس ذات جودة عالية ومن الماركات العالمية بثمن معقول نسبيا، في ظل الارتفاع الكبير بأسعار الملابس المستوردة.
وتُصنّف "البالات" صيفية وشتوية، للكبار والأطفال، وكذلك تتضمن "البالة" عدة مستويات من الجودة، فهناك "البالة" ذات الجودة المتوسطة وأخرى عالية، وهي تعني أن أغلب قطع "البالة" غير مستخدمة وما تزال تحمل ورقة المتجر، وأنها من علامات تجارية كبيرة أو من بلد تطبق معايير جودة عالية على ما يباع في متاجرها، وبالطبع فإن لكل فئة من "البالة" سعرها المتعارف عليه في كل بلد.
الأزمة المالية
وفي هذا الجانب، يقول علي محمد، صاحب أحد محال "البالة" في محافظة الديوانية، إن "الأزمة المالية التي يمرّ العراق بها، أثرّت بشكل كبير على سوق البالة، لان المواطنين وحتى الموظفين بدأوا بتقليل مصروفاتهم على عكس ما كان قبل الأزمة، أما في الديوانية فإن الاقبال على البالة هو الأضعف مقارنة بباقي المحافظات، كونها من المحافظات الفقيرة، وأغلب مواطنيها يعانون الفاقة وضيق الحال، على خلاف المحافظات الأخرى التي فيها سياحة دينية أو بيئية أو موانئ وغيرها، فهذه العوامل تستقطب المواطنين، وبالتالي يتحرك السوق".
بالة جديدة
ولا يتوقف بيع "البالة" على الملابس، فللأجهزة الكهربائية ومواد المطبخ حصة دفعت كثيرين للجوء إليها لأنها أكثر جودة بحسب محمد، الذي يضيف لوكالة شفق نيوز، أن "البالة التي لدينا (ويقصد هنا مواد المطبخ) غير مستعملة، لكنها تسمى بالة لأنها تأتي من دون غلافها الخاص (الباكيت)"، مشيرا إلى أن "اقبال الناس على مواد المطبخ أو الاجهزة الكهربائية لا يتعلق بالسعر وإنما في جودتها، فأسعارها تقارب سعر التجاري أو أقل منه بقليل، لكن جودتها تفوق التجاري بأضعاف".
ويوضح محمد، أن "أغلب الاجهزة الكهربائية في البالة تأتي مستعملة، لكن جودتها عالية، أما سبب ضعف الاقبال عليها فيعود لعدم توفر مواد احتياطية لها حال تعطلها"، مبينا أنها "تأتي من دول أوروبية، مثل ألمانيا واليونان، وتأتي عن طريق تركيا وعبر شمال العراق تصل إلى الوسط والجنوب، على خلاف مواد المطبخ، التي تكون جديدة، ومعظمها صينية المنشأ".
سوق الفقراء
وتعدّ تجارة واستيراد ملابس "البالة مربحة نوعا ما" بحسب أمير مهند، صاحب محل "بالة" من محافظة كربلاء، وعن طريقة استيرادها يُبيّن أن "الملابس تأتي على شكل (شليف) -وهو كيس كبير تُجمع فيه الأشياء لغرض نقلها- من تجار في دول أوروبية وخليجية".
ويشير مهند في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "أجور شحن البالة ارتفعت مؤخرا، وبالتالي تم رفع أسعار البالة في الأسواق العراقية نتيجة لزيادة مصاريف الشحن، لكن تبقى البالة سوق الفقراء وملجأهم، في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية".
ويرى مراقبون أن العراق سوقا رائجا لـ"البالة" بأنواعها المختلفة السيئة والمتوسطة والجيدة "بسبب انتشار الفقر، الذي انعكس سلبا على مظهر الانسان وتعليمه وصحته وكل شيء، فالبالة هي علامة من علامات الفقر والبطالة في العراق"، وفق الخبير الاقتصادي، عبد الحسن الشمري.
ويؤكد الشمري لوكالة شفق نيوز، أن "العراق رغم امتلاكه موارد هائلة، الا أنها لا تصل إلى الشعب، بسبب الفساد المالي والاداري، وفي ظل عدم وجود رؤية ومفاهيم اقتصادية للسوق العراقية وللقطاعات الاقتصادية، ستبقى بضائع البالة سوقا رائجا في العراق".