صبر نوري المالكي يتفوق على نفاد صبر مقتدى الصدر
العرب/بغداد- نجح صبر نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق والشخصية النافذة في الإطار التنسيقي الموالي لإيران، في التفوق على نفاد صبر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حين تمكن المالكي بعد مناورات وتكتيكات مختلفة من إعادة البرلمان لعقد جلساته وانتخاب رئيس عراقي جديد وتكليف رئيس الحكومة الذي رشحه الإطار مسبقا، وإعادة التحكم في العملية السياسية برمتها، فيما وجد الصدر نفسه خارج اللعبة تماما بسبب فشله في فرض لاءاته على المشهد السياسي.
وقالت أوساط سياسية عراقية إن التوليفة التي نجح المالكي في التوصل إليها تعتبر انتصارا على الصدر بالدرجة الأولى، خاصة أن زعيم ائتلاف دولة القانون استفاد من استقالة النواب الصدريين لبناء تحالفات جديدة، مستعينا بمن كانوا في صف الصدر وحوّلهم لصالحه.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن المالكي نجح في تحقيق اختراق داخل الصف الكردي من خلال تقديم شخصية كردية غير مرشحة في الأصل وتمكينها من الفوز على حساب مرشحي الحزبين الكرديين، برهم صالح عن الاتحاد الوطني وريبر أحمد عن الحزب الديمقراطي، لافتة إلى أن الإطار التنسيقي عزف على وتر الخلافات الكردية – الكردية وتمكّن من إيصال عبداللطيف رشيد إلى الرئاسة، مستفيدا من رغبة مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في قطع الطريق على برهم صالح، وهو ما دفعه إلى القبول برشيد ضمن حزمة توافقات مع المالكي.
ووافق حزب بارزاني في نهاية المطاف على التصويت لعبداللطيف رشيد، كما ذكر المسؤول في الحزب بنكين ريكاني.
وقال ريكاني “نحن قبلنا بمرشح التسوية وسحبنا مرشحنا كمساهمة من الحزب الديمقراطي الكردستاني في معالجة الانغلاق السياسي”.
وانتخب البرلمان العراقي الخميس عبداللطيف رشيد رئيسا للجمهورية، بعد حصوله على أغلبية الأصوات في الجولة الثانية من عملية التصويت.
وذكرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية أن رشيد حصل على 162 صوتًا، فيما نال منافسه الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح 99 صوتًا، واعتبرت 8 أصوات باطلة.
وكانت الجلسة النيابية انطلقت ظهرا برئاسة محمد الحلبوسي، بعد اكتمال النصاب القانوني، حسب ما أكدته الدائرة الإعلامية للبرلمان (269 نائبًا).
وكشفت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب خلال الجلسة أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قدّم طلبا لسحب ترشيح ريبر أحمد لمنصب رئيس الجمهورية، كي تقتصر المنافسة على رشيد وصالح، وكلاهما ينتميان إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أعلن دعمه لبرهم صالح.
ووفق العرف السياسي الراهن في العراق، يعد منصب رئاسة الجمهورية من حصة المكون الكردي، ورئاسة البرلمان من حصة السنّة، ورئاسة الحكومة من حصة الشيعة.
وعقب إعلان النتيجة أدى عبداللطيف رشيد اليمين الدستورية رئيسا للعراق، فيما هنأه صالح بانتخابه، وفق وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
وكان الرئيس العراقي الجديد مقربا من الرئيس الراحل جلال طالباني مؤسس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وعمل مستشارا رئاسيا بعيدا عن الأضواء منذ عام 2010.
ويحظى الرجل الذي ظهر ترشيحه إلى الواجهة مجدداً في اللحظة الأخيرة، بقبول المعسكر الموالي لإيران، دون أن يكون محطّ حماسة للحزبين الكرديين التقليديين اللذين قدّم كل منهما مرشحه.
وقال المحلل السياسي حمزة حداد إن “ميزة عبداللطيف رشيد هي كونه ليس غريبا (عن الساحة السياسية) في بغداد”.
وأضاف “كان رشيد وزيرا على المستوى الاتحادي لعدة سنوات”. ويرى حداد أن “لا شيء أمامه سيكون جديداً، على الرغم من أنه وجه جديد بالنسبة إلى شباب العراق”.
وكلّف الرئيس العراقي الجديد بُعيْد انتخابه الخميس الوزير السابق محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة جديدة للعراق، وفق حزمة التوافق بين الإطار التنسيقي وحلفائه من السنة والأكراد.
وأمام السوداني الآن 30 يومًا لتشكيل الحكومة، كما يقتضي الدستور. وأعرب السوداني البالغ من العمر 52 عاما من البرلمان عن أمله في تشكيل حكومة “في أقرب وقت”، ضِمن تصريح لصحافيين الخميس.
ورشّح السوداني لهذا المنصب من قبل الإطار التنسيقي، الذي يضمّ كتلاً عدّة من بينها دولة القانون بزعامة المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران.
وفي انعكاس لحالة التوتر تعرضت المنطقة الخضراء، التي تضمّ مؤسسات حكومية وسفارات أجنبية، فضلاً عن أحياء مجاورة، لقصف بتسعة صواريخ كاتيوشا، قُبيل الجلسة الخميس.
وأصيب عشرة أشخاص بجروح في هذه الضربات التي لم تتبنها أي جهة، وفق مصدر أمني، من بينهم ستة من عناصر الأمن، وأربعة مدنيين أصيبوا بصاروخ سقط في حيّ مجاور للمنطقة الخضراء.
ونددت السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوفكسي بالقصف، داعيةً في تغريدة العراقيين إلى “إيجاد حلول لخلافاتهم السياسية ولتحقيق مطالبهم من خلال الوسائل السلمية فقط”، مضيفةً أن “مثل هذه الهجمات تقوض الديمقراطية وتحاصر العراق في دائرة دائمة من العنف”.
ويملك الإطار التنسيقي حاليا الكتلة الأكبر في البرلمان، مع 138 نائبا وفق المسؤول في الإطار أحمد الأسدي، بعد الانسحاب المفاجئ لنواب التيار الصدري (73 نائبًا) من البرلمان.
ولا يزال موقف الصدر من التطورات غير معروف. وكان في الأسابيع الأخيرة قد أثبت قدرته على زعزعة المشهد السياسي عبر تعبئة عشرات الآلاف من مناصريه للنزول إلى الشارع. ويطالب الصدر الذي اعتاد على إحداث المفاجآت السياسية، بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
وكان ترشيح الإطار التنسيقي لمحمد شياع السوداني في الصيف شرارة أشعلت التوتر بين الإطار والتيار الصدري الذي اعتصم مناصروه أمام البرلمان نحو شهر.
وبلغ التوتر ذروته في 29 أغسطس، حين قُتل 30 من مناصريه في اشتباكات داخل المنطقة الخضراء مع قوات من الجيش وفصائل الحشد الشعبي، وهي فصائل مسلحة شيعية موالية لإيران ومنضوية في أجهزة الدولة.
وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق قد دعت الاثنين الأطراف السياسية إلى الانخراط في “حوار دون شروط مسبقة” من أجل إيجاد مخرج لـ”أزمة طال أمدها تنذر بالمزيد من عدم الاستقرار”.