هل سينجح السيد محمد السوداني في الاختبار الاول؟ ولماذا لا يُطبِق الشعب العراقي نموذج جبهة التحرير الجزائرية في محاربة الفساد؟
د. سعد ناجي جواد
هل سينجح السيد محمد السوداني في الاختبار الاول؟ ولماذا لا يُطبِق الشعب العراقي نموذج جبهة التحرير الجزائرية في محاربة الفساد؟
بدا الحديث عن تعثر جهود المرشح لمنصب رئيس الوزراء في اختيار الوزراء لحكومته القادمة يتزايد، وكثر الحديث، وكما كان متوقعا جدا، عن تدخل الاحزاب السياسية، (وخاصة أطراف ما عرف بالإطار التنسيقي، الذي امتلك اغلبية في البرلمان عن طريق (الزحف)، الذي اباح لقادته تصعيد الخاسرين والفاشلين في الانتخابات الى البرلمان كنواب حتى أصبحوا اغلبية)، وعادت اسماء فاسدة او مرشحة من قيادات افسد الى التداول كوزراء قادمين. وأصبح الصراع على الوزارات السيادية والوزرات التي تمتلك او التي في العادة تخصص لها ميزانيات كبيرة سرا مفضوحا، حتى وصل الى أطراف الإطار نفسه.
من جهته فان رئيس الوزراء المرشح حاول بداية ترشيحه ان يعطي الانطباع بانه مستقل، وغير خاضع للأحزاب التي رشحته وان اختيار الوزراء سيكون مسؤوليته لوحده، ثم عاد وقال انه (سيتسلم اسماء المرشحين من الاحزاب وسيختار الانسب والاصلح والاكفاء وغير الفاسد)، وردت عليه الاحزاب بالقول ان الاختيار يعود لها، وان عليه هو ان يرسل اسماء المرشحين لهم كي يقوموا هم بالاختيار. ثم عاد وقال ان هناك لجنة خاصة لمقابلة الوزراء المرشحين! وبعد ان كان الحديث عن اختيار وزارة من القادرين على خدمة البلاد والعباد صرح السيد السوداني ان الوزارة القادمة ستكون (إئتلافية)، وهذا يعني انها ستكون محاصصاتية ومقبولة من قبل الاحزاب التي رشحته، ولا يهم ان كانت مليئة بالفاسدين والفاشلين وسراق المال العام، او الذين يضعون مصلحة الخارج قبل مصلحة العراق.
ad
الاخطر من عملية اختيار الوزراء هي الظاهرة الجديدة التي تشير الى ان الجهات التي رشحت السيد السوداني لم تكتفِ بمساومته على الوزارات (الدسمة)، وانما امتدت المساومات الى قيادات القوات المسلحة. بكلمة اوضح ان الصراع والمساومة لم ينحصرا هذه المرة في تقاسم وزارت مثل الدفاع والداخلية ومستشارية الامن القومي، كما كان يحدث دائما منذ بداية الاحتلال، وانما امتدت الى مفاصل ومناصب اخرى في الاجهزة الامنية، مما خلق الانطباع ان قادة الفصائل المسلحة لم يكتفوا بالسيطرة على البرلمان الذي مكنهم من التحكم باختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء، وانما اصبحوا يطمحون الى وضع اتباعهم على قمة هرم القوات المسلحة، الجيش والشرطة والمؤسسات الامنية.
ومع كل هذه التراجعات في موقف السيد السوداني، فلقد اعلن اخيرا ان عملية تشكيل الوزارة، او بكلمة ادق مسالة اتفاق الاحزاب السياسية التي هيمنت على البرلمان بعد انسحاب نواب التيار الصدري، بدأت تواجه صعوبات، وهذا يعني انه لم يفلح في اختيار وزراء ترضي عنهم كل تلك الاحزاب، وبالنتيجة فان نيته تتجه الان الى الطلب من البرلمان ان يصادق على وزارة غير مكتملة، وزارة تتكون من وزراء يمثلون نسبة 75%، ويترك استكمالها الى الايام القادمة، وذلك خشية ان تنتهي مهلة الشهر المخصصة للمرشح كي يكمل الوزارة ويطرحها على البرلمان والمنصوص عليها في الدستور ، لان تجاوز مدة الشهر سيستدعي حل البرلمان والدعوة الى انتخابات جديدة خلال ستين يوما. وبما ان الإطار التنسيقي الذي هيمن على البرلمان بالطريقة التي سبق الحديث عنها، لا يمكن ان يدع هذه الفرصة تهرب من بين يديه، فانه سيفعل المستحيل من اجل اقرار اي تركيبة يمكن ان يسميها وزارة خلال المدة المحددة، خاصة وان خزينة الدولة فيها فائض مالي كبير يقدر ما بين 70 – 80 مليار دولار نتيجة لارتفاع اسعار النفط.
في نهاية المطاف فان كل الدلائل تشير الى ان وعود السيد السوداني الاولية قد تبخرت. وانه لن ينجح في تشكيل وزارة خدمات، او وزارة تحارب الفساد (الذي نُشِرَت عنه مؤخرا ارقاما مرعبة)، وانه رضي (حسب ما يترسب من معلومات) بالقبول بأسماء فاسدة قد رشحت له ولم يعترض عليها، ورضي بقيادات فاسدة قامت بترشيح اسماء لوزارته المنتظرة. واذا ما صحت هذه التسريبات وقبل بهذه الترشيحات فسيكون قد سقط في مهمته قبل ان يبدا بها. واذا قبل برئاسة هكذا وزارة فانه سيكون كمن يشعل فتيل انتفاضة جديدة لا تبقي ولا تذر.
الحل الوحيد الذي يجب ان يفكر به السيد السوداني (غير تكثيف لقاءاته مع سفراء الدول الكبرى في العراق كما يفعل الان والتي لا تجدِ نفعا)، واذا كان حريصا حقا على الحفاظ على ما تبقى من سمعته الشخصية، هو ان يعتذر عن المهمة ويعلن الاسباب التي جعلته يتخذ مثل هذا القرار.
ويبقى العراق الان بحاجة الى حكومة قوية تأخذ على عاتقها محاربة الفساد الذي استشرى بصورة غير مسبوقة، حكومة تبدا بمحاسبة الفاسدين الكبار، حكومة تفتح ابواب السجون لسراق المال العام وليس للمتهمين بتهم كيدية، حكومة تدعم القضاء في هذه الحملة، وتحاسب القاضي الذي يفشل في هذه المهمة، حكومة تسترد الاموال التي سرقت من دائرة الضرائب وواردات المنافذ الحدودية وتلغي العقود الفاسدة والمجحفة التي اهدرت بموجبها وزارة النفط اموال العراق، وزارة تقوم بمراجعة حسابات ما سمي ب (قانون الامن الغذائي)، والتي سرقت مخصصاته المليارية بتواطؤ من كل الاحزاب المشاركة في العملية السياسية، حكومة تبني ولا تسرق حكومة تشعر الناس بان رفاهية المجتمع واستقراره فوق كل اعتبار. اما من يتحدث عن مسؤولية المجتمع الدولي وضرورة تدخله، فعليه ان يطالب هذا المجتمع المنافق بمحاسبة الفاسدين الذي يودعون الاموال المسروقة في بنوكه ولا يجعل من تلك البنوك ملاذا آمنا للمليارات التي تعود الشعب العراقي. ويبقى الشعب العراقي هو الاقدر على فعل ذلك. عندما اشتد الصراع بين التيار الصدري والإطار التنسيقي تحدث مسؤول كبير من الصدريين قائلا ان لدى التيار القدرة على القاء القبض على كل القيادات التي تعارضه خلال ستين دقيقة لا أكثر. العراقيون لا يريدون من التيار ان يبرهن على هذه القدرة، وانما يريدون منه، ان كان صادقا فيما يدعيه من حرص على مصالح الشعب العراقي ومحاربة الفساد، ان يستخدم هذه القدرة ضد الفاسدين الكبار، ويبدأ بالفاسدين في التيار نفسه. هذا النموذج اتبعته جبهة التحرير الجزائرية في بداية ثورتها ضد الاحتلال الفرنسي. بالإضافة الى نضالها المسلح الصعب قامت الجبهة بتشكيل خلية طاردت وتابعت كل الفاسدين من الجزائريين، سواء كانوا في الجبهة او خارجها، الذين سرقوا او حاولوا الاثراء على حساب الشعب والثورة الجزائرية. ويبقى الشعب العراقي هو الاقدر على تشكيل مثل هذه الخلية اذا ما اراد ان ينهي الفساد المستشري. هذه ليست دعوى للعنف وانما دعوة لكي يشكل المنتفضين لجانا تمنع الفاسدين من الهرب وتسلمهم للقضاء في ظل عجز الحكومات المتتالية عن فعل ذلك، وعكس ذلك فان مسلسل السرقات الكبيرة سوف لن ينتهي، وستبقى ظاهرة هرب الفاسدين الكبار الواحد تلو الاخر مستمرة الى ان يفلسوا العراق تماما، وعندها ستنطبق على العراقيين كلمات شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري:
نامي جياعَ الشعب نامي
حرستكِ الهةُ الطعامِ
نامي وسيري في منامكِ
ما استطعتِ الى الامامِ
نامي تُريحي الحاكمينَ
من اشتباكٍ والتحامِ