التغريبة الفلسطينية في البحث عن قبر ..!!
بقلم : عادل ابو هاشم
محمد ابو ليلى لاجئ فلسطيني يحمل وثيقة سفر صادرة من جمهورية مصر العربية ، سافر الى المانيا عبر باريس " ترانزيت " للعلاج ، عند وصول الطائرة الى باريس يكتشف طاقم الطائرة انه مات ، فينتقل الجثمان بحسب خط التذكرة الى المانيا التي سمحت بدورها بدخوله نظرا لانه يمتلك فيزا ، لكنها رفضت دفنه كونه لا يمتلك اقامة ، السعودية حيث تسكن العائلة رفضت استقباله كونه ليس مواطنا ، ومصر صاحبة وثيقة السفر رفضته لانه لا يحمل تاشيرة عودة ، والجثمان في المستشفى الى ان يجد قبرا لا وطنا .. !!
صورة مرعبة من عشرات الكوارث التي مرت بأبناء شعبنا في الخارج ولم نسمع مسؤول فلسطيني ينطق بحرف واحد حيالها .. !!
مئات العائلات من قطاع غزة والذين اغلبهم من كبار السن والنساء والمرضى والطلاب والاطفال تتعرض للاذلال والاهانة والتفتيش والاستغلال والاحتيال ومصادرة الاغراض الشخصية في طريق عودتهم من مصر الى ارض الوطن عن طريق معبر رفح ، ومنهم من يتم ارجاعه مع زوجته واطفاله بعد بيات خمسة ايام في البرد والمطر والعراء ، ولم تحرك اي جهة حكومية او مسؤول فلسطيني ساكنا ازاء هذه المأساة التي يندى لها الجبين .. !!
آلاف العوائل الفلسطينية ساقتها الشرطة الليبية عام 1995م من بيوتها في الليل دون سابق إنذار، ولم تسمح لهم حتى بتدبير ما يمكن تدبيره من مدخراتهم، وقامت بترحيلهم إلى الحدود الليبية- المصرية تحت ذريعة أن الدافع القومي هو الذي أملى على ليبيا وقائدها وشعبها طرد الفلسطينيين تحت شعار "العودة إلى فلسطين".. !!
وعاشت هذه العائلات لسنوات في العراء، وفي ظروف حرجة للغاية، وتحت وطأة ظروف جوية رديئة، حتى وصل الأمر بإحدى السيدات الفلسطينيات أن تلد مولودها في إحدى السيارات العسكرية المحترقة في الصحراء منذ العالمية الثانية .. !!
لم نسمع الخارجية الفلسطينية تندد بهذه الحالة المأساوية، أو ترسل أحد سفرائها لـ"جبر" خواطر هذه العائلات المنكوبة ، أو على الأقل ليبشرها بقرب العودة إلى الوطن .. !!
في العراق الشقيق تعرض مئات بل آلاف الفلسطينيين — بعد سقوط بغداد عام ٢٠٠٣ َم — إلى القتل والاعتقال والطرد والتهجير والتشريد دون ذنب سوى أنهم فلسطينيين .. !!
مئات العائلات طردت من بيوتها التي يسكنون بها لأكثر من نصف قرن، وهاموا في شوارع بغداد مع أطفالهم ونسائهم دون عائل أو حماية من شراذم أعمت الخيانة والحقد قلوبهم ، فبدأوا برفع شعارات القتل لكل فلسطيني .. !!
عشرات العائلات الفلسطينية نامت في "خيام الأمم المتحدة" في الملاعب في بغداد في ظروف جوية غير مسبوقة وهم تحت تهديد القتل إذا خرجوا من هذه الخيام .. !!
عشرات العائلات الأخرى هـُجرت- تحت تهديد السلاح والقتل- من العراق، ومكثوا شهور عديدة ينامون في الصحراء على الحدود الأردنية- العراقية .. !!
لم نسمع اي من ازلام السلطة ذهب لزيارة هذه العائلات للاطمئنان عليها .. !!
في تلك المرحلة وصلتـني رسالة بالبريد الالكتروني من الكاتبة والشاعرة الفلسطينية سارة رشاد ياسين والتي تقيم في العراق.
في رسالة الأخت سارة لعنة جديدة للكرامة العربية، وإهانة أخرى للقومية العربية التي تنادى بها البعض لتحرير فلسطين، وإذ بها سكين أخرى استخدمت لسحق حلم الشعب الفلسطيني حتى العظم.!
تقول سارة رشاد ياسين في رسالتها :
لم أكن يومـًا أظن أنني قد أكتب مثل هذه المناشدة أو أفكر بها، لكن عندما يسوء الوضع حولنا ونشعر بأن الحياة لم تعد تكفي لسماع صراخنا نبدأ بطرق الأبواب بيأس كي لا يستمر موتنا أكثر وأكثر ثم بلا نهاية .. !!
نحن عائلة فلسطينية تحمل الوثيقة المصرية. ولدتُ أنا وإخوتي في الكويت لكن بعد حرب الخليج الأولى عام 1991م اضطر والدي للخروج بنا إلى العراق آملاً بتوفير حياة جيدة لأطفاله. عشنا في العراق منذ عام 1992م وعانينا ظروفه الصعبة من الحصار وغيره.
بعد الاحتلال الأمريكي، ازداد الوضع العراقي سوءًا بصورة عامة على الجميع من العراقيين واللاجئين خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة بعد تزايد التفجيرات والاعتقالات وتصاعد وتيرة القتل الطائفي فصار العراقيون أنفسهم يغادرون بلدهم حفاظـًا على حياتهم.
لكن نحن لم نستطع الخروج بسبب حملنا الوثيقة المصرية إذ لا توجد دولة عربية أو أجنبية توافق على دخولنا أراضيها. حتى الحكومة المصرية نفسها تسمح فقط للنساء والأطفال بالدخول.
وعلى رغم ذلك حاولنا الاستمرار بالحياة هنا (في العراق) على رغم شعورنا بجدران السجن التي تحيطنا محاولين تناسي الرعب والموت والقتل الذي يطلبنا يوميـًا ولم نظن أن الأمر سيصبح أسوأ.
والدي توفي قبل سنتين على الحدود الأردنية- العراقية عندما حاول مغادرة العراق إلى الأردن الذي رفض دخوله لحمله الوثيقة المصرية على رغم أن له أملاكـًا هناك ..!!
وقبل شهرين تم اعتقال أخي من قبل قوات الحرس الوطني العراقي فقط لأنه فلسطيني شاءت الصدفة أن يتواجد قرب انفجار ما ولم يخرج من الاعتقال إلا بعد كمية من التعذيب واعتقال مدة أسبوعين.
إلى هنا كان الوضع على رغم بشاعته قابلاً للاحتمال. لكن الآن وبعد أن تم اختطاف أخي من بيننا وقتله بكل بساطة ومن دون سبب فهذا لا أعتقد بأن هناك أحداً يستطيع تحمله.
أنا أشعر بأننا أموات في العراق، بلا قيمة، بلا إنسانية. العراقيون عندما يشعرون بالخطر يسمح لهم بالسفر بسهولة إلى أي دولة عربية أو أجنبية، أما نحن فلا يمكننا.
كنا ننوي السفر إلى مصر لكنها لا تسمح لإخواني الشباب بالدخول، وطبعـًا لا يمكننا السفر من دونهم فيكفي ما نعاني من الغربة والتشرد. وأيضـًا أصدرت الحكومة السورية قبل فترة قرارًا يسمح للاجئين بالدخول واستبشرنا به خيرًا لكن الخبر لم يكن لمصلحتنا حيث يتم إدخال اللاجئين في منطقة الحسكة إلى مخيمات لجوء.
نطلب فقط وفقط السماح لنا بدخول أي دولة، أي دولة عربية أو أجنبية. ساعدوني بإيصال مشكلتي لأي مسؤول، لأي جهة، لأي سفارة، لأي شخص يمكنه مساعدتي ومساعدة عائلتي.
انتهت رسالة الأخت سارة التي جمعت فيها خلاصة التغريبة الفلسطينية في المنافي والشتات مع أنظمة أصبحت كلمة "فلسطين" في قاموسها ضمير غائب، وإن العدو اللدود لهذه الأنظمة هو الفلسطيني كيفما كان، وأن الجميع مشارك في التآمر على القضية، وفي ذبح الشعب الفلسطيني لدرجة المتعة في الولوغ في الدم الفلسطيني...!!