ما يجود به اللاشعور"اللاوعي" هو سلوكنا
د. اسعد الامارة
ما يجود به اللاشعور "اللاوعي" هو سلوكنا
يقول عامة الناس ما تجود به النفس ، ونحن نقول ما يجود به اللاشعور، هو في الحقيقة لا يجود، هو اختنق بما لا يستطيع ان يحمله ، فاض وكادت النفس ان تغرق في عواصف واعاصير لا يمكن تحملها، اين يذهب بها وهو يحمل ثقلها ، يحمل آنينها، يسمعه ولا يسمع إلا حينما طفح الكيل وأنبأه انه يرزح تحت حمل لا يطيقه، خزنه ولا يدري أنه يحمل هذا المخزون الذي أثقل كاهله ، ظهر في هفوة، في زلة لسان، في شيء اضاعه في مكتبه ولا يراه، وهو أمامه، في حلم أقض مضجعه، إذن لهذا اللاشعور لغة يتكلم بها، يذهب به بعيدًا بصور متداخلة من زمن بعيد وقريب، أين الهروب من نفسٍ ضاقت بنفسها، هل يمكنه ان يجود وهو لا يستطيع، فتكون في نهاية المطاف ان النفس تنوء بحملها ، كما يدرك صاحبنا الشاعر أو الاديب أو القاص بعد ثقل تفكيره بما تولد فيه من صور وأفكار ، لابد ان يطرحها أو تجعله كما لدى اصدقائنا ممن أُثقل دماغه بما لا يطيق وبدأ يتحدث مع نفسه لنفسه، جعل العالم بما فيه في داخل دماغه، فتوسع مجرى التفكير، يهذي فلسفة ، هذا الهذيان له دلالة ومعنى، له لغة خاصة، ولكن ضعفت الذاكرة المحيطة، لأنه غادر الواقع المعاش وبنى لنفسه عالم خاص به، وصارت لغته هلاوسه، ولسانه ينطق بخيالاته ، لا يختلف عنا كثيرًا ، نحن تحصنا بما نحمل من عصاب " أعصبة" قلق مرضي، وساوس ، مخاوف غير مبررة ، سيكوسوماتيك "اعراض نفسجسمية" أتعبنا نفسنا فأهلكنا المعدة بآلام نفسنا فكانت قرحت المعدة ذات الأصول المنشأ النفسي ، أو أكتئاب نفسي خفيف نعترف بوجوده، تداهمنا نوباته ونحاول أن .. عدة مداخل له ومنها العزلة والإنطواء ، منا من يعيشه فيفرك يومه ويعيش التعاسة فينطوي على نفسه، والآخر منا يحقق له مكاسب آخرى يتعايش بها ومعها.
يقول "فرويد.. فإن اعترض معترض بأن اللاشعور " اللاوعي" ليس له وجود واقعي بالمعنى العلمي، وما هو إلا مجرد قول نتخلص به من مأزق حرج، أعرضنا عنه نهز أكتافنا وأغضينا عن هذا الاعتراض غير المفهوم: أيصح في الأذهان أن يتمخض شيء غير واقعي عن شيء واقعي ملموس كالفعل الحوازي - الوسواسي؟ "فرويد، محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي، ص 308" أما بعضنا الذي أستطاع إفراغ الانفعالات التي تحاول أن تؤدي إلى الاختلال المرضي بطريقة تحفظ لصاحبها اتزانه، فقد نجح في تحويل ما يجول في فكره إلى لغة وأدب، فأنتج أجمل ما نقرأه وهو ما نطلق عليه الإبداع الفني والأدبي ، وأطلق لسانه إلى شعر عظيم نابع من اللاشعور " كما يقول العامة ما تجود به النفس والقريحة" ، والمسرحي حيث يتيح له تفريغًا يكسبه جمال الإنتاج حقًا اجتماعيًا ، فضلا عما يتيحه من مشاركة الآخرين للفنان في معالجة الانفعالات على نحو مقبول كما يقول العلامة "مصطفى زيور" ثم إلى حركات تنسجم بايقاعات يتقبلها المشاهد في المسرح ، أو نحن نشاهدها على الشاشة الصغيرة- السينما، حيث يبهرنا بأداءه ، أو تلك الموسيقى التي تزحزح ثقل وجودنا المادي فتهتز معها أطرافنا وأرجلنا ، أو تهز بعضنا إيقاعات الرقص الديني عند البعض ممن يتناغم لاشعورهم مع الإيقاعات الدينية بالحركة، أو باللحن المؤثر في النفس ، أو الحركات الجسدية في مناسبات نراها مقدسه لإنها تحرك ما بداخلنا من مشاعر واحساسيس نرغبها ولكن نذهب في حالة توحد "تجلي" معها ويقول قارع ومحرك المشاعر من يدير جلسة الايقاعات الخارجية من لم يهتز في مجالسنا ؟؟!! أو من لا يحركه الايقاع فما في لاشعوره أعمق من ان تثيره هذه الايقاعات ، ولكن يحرك سلوكه لاشعوره وهو في حالة اليقظة، لا يدري أن ما نعمله أو نفعله هو من ما خزن في دواخلنا، وعاد بشكل محرف ومختلف على غير ما خزن .. أنه اللاشعور – اللاوعي ، هو يحركنا ونتحدث بما يمليه علينا ، نعزل غير المقبول – المستهجن ، ونطرح المنمق – الجميل الذي يرغبه من يسمعنا ونجمل كلماتنا بلسان حلو ، وما أَمرهُ "مر" وأخشنه ، وأتعسه في اللاشعور، نشعر به حينما يوقظنا من حلم تَحول إلى كابوس ، ونختم قولنا بما تركه لنا "مصطفى زيور": تبينا أنَّ الأحلام والأمراض العقلية أو النفسية والاساطير والفكاهة والإنتاج الفني ، فضلًا عن بعض ما يقع لنا في حياتنا اليومية مثل الهفوات وما إليها، تصدر جميعًا عن منطق لاشعوري – لاواعي يختلف عن منطقنا العادي بل يكاد يناقضه، ونقول أن كل ما نفعله ، أو نفكر فيه، أو نسلكه كتصرفات يومية هي مخزونة في اللاشعور – اللاوعي ومنذ زمن بعيد. ويقول سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي فاللاشعور " اللاوعي" هو الواقع النفسي الحقيقي وهو في طبيعته الباطنة مجهول منا، ونجهله قدر جهلنا بحقيقة العالم الخارجي ، كما أنه لا يمثل لنا بوساطة معطيات الشعور " الوعي" إلا مثولًا ناقصًا على نحو ما يمثل العالم الخارجي بوساطة وسائل أعضائنا الحسية" فرويد، تفسير الأحلام ، ص 595" ويضيف "فرويد" بأن اللاشعور هو المنطقة الأوسع التي تضم بين جوانبها منطقة الشعور الأضيق نطاقًا، فكل ما هو شعوري له مرحلة تمهيدية لاشعورية" لاواعية" ، بينما يظل اللاشعوري على هذه المرحلة ولا يفقد مع ذلك حقه في أن نسلم له بكل قيمة العملية النفسية.