محاولة القفز على جمالية السينما
عبدالكريم ابراهيم
محاولة القفز على جمالية السينما
استرعى انتباهي طفل صغير أصحبته أمه في أول يوم له في المدرسة .حاولت ألام أن تفرض عليه دخول صف دراسي معين، لكنه قال لها بكل ثقة " أريد إن أكون في صف هذه المعلمة الحلوة ". استطاع هذا الناقد الصغير أن يختزل نظريات الجمال بعبارة قصيرة. ربما من شدهُ إلى هذا المعلمة الحلوة سلوكه الفطري، وأناقة المعلمة وعطرها الفواح وغيرها من صفات امرأة التي تعتز بها،ولاتريد أن تتخلي عنها في اعتي الظروف. إذن هي فطرة الإنسان التي جعلت فتاة صغيرة تجتذب إلى أدوات مكياج أمها، وفي حين يعمد الولد في تقليد أباه في بعض أفعاله الرجولية. هذه التركيبة الفسلجية لايمكن تغيرها تحت عناوين المغايرة أو التجديد أو الإثارة وغيرها من المسميات الجاهزة.
الجمالُ يشد انتباه الجميع، ويؤثر فيهم بدرجات متباينة. هذا الأمر فظن عليه صناع السينما والدراما من بدايات الانطلاق الفن السابع .لذا عمدوا إلى اختيار نجوم فيهم سمات الجمال والوسامة الجاذبة على المشاهدين، لأجل تحقيق مردودات مالية اكبر من غيرهم، حتى صار البحث عن مواصفات مثالية ديدن اغلب من عمل في هذا المجال. السينما العربية كانت أول سار على هذا المبدأ، ووضعت قيود صارمة في أخيار النجوم ، لاسيما الإناث منهن. الأمر الذي جعل هؤلاء الصناع يتحفون السينما بأيقونات نسائية كن في قمة الأنوثة والغناجة مازال الشارع العربي يغنى بأنوثتهن حتى اليوم. قائمة طويل من نجمات السينما مازال المتلقي العربي يتذكرن بشوق ولهفة: ليلى فوزي،هند رستم، ليلى طاهر، شادية، شمس البارودي، سهير رمزي، ليلى عليوي وغيرهن من حسناوات السينما العربية اللاتي كن مثالاً حياً في تجسيد مبدأ الجمال المؤثر على النفوس. وبعد إن سارت السينما على قواعد جمالية ثابتة. حاول بعض القائمين في مجال العمل الفني من خرق هذا القانون الجمالي ،متذرعين في خطوة كهذه، إن الموهبة فوق الجمال، متناسين إن كلا عنصري الجمال والموهبة صنوان متلازمان لا يمكن فصلهما مع وجود بعض الحالات الشاذة التي لاتعد مقياساً يمكن الاعتداد به، والسير عليه لأنه من الشواذ . وقد ينطبق هذا الشواذ على الرجال أكثر من غيرهم. وربما يكون المجتمع العربي يريد إن يكون نجم السينما (سوبرمان) يخترق النواميس دون النظر إلى وسامته محاولين إعادة تكرار تجربة عنتر العبسي المبالغة فيها. ونجح بعض الفنانين الذكور في كسر قواعد الوسامة،ولاسيما في مجال الكوميديا: إسماعيل ياسين، عادل إمام ، محمد عوض وغيرهم ،ولكن حلم الوسامة ظل حلم يراود الكثير والعودة إليه حمودة. لذا ارتأى اغلب المخرجين إن يشارك نجوم الكوميديا فنانين يملكون من الوسامة والأناقة ما يلفت الأنظار. نجد فنانون من لم تكن موهبتهم قاصرةً، اختزلوا في الأدوار الثانوية: عبدالمنعم إبراهيم، عبدالسلام النابلسي، سعيد صالح، وحتى أفلام المطلقة لهولاء لم تحقق النجاح المطلوب. في حين أبدعوا وهم يشاركون غيرهم البطولة في ادوار مميزة.
نجمات السينما العربية أكثر من غيرهن معنيات في إيجاد الصورة الأنثوية الجاذبة، ولكن حالة تمرد وانقلاب على مقاييس الجمالية السابقة، بدأت تنتجها بعض الفنانات العربيات، ومحاولة إيجاد عنصر ثالث هجين من خلال بعض إعمالهن مفروضة من قبل كلا الطرفين( الرجال والنساء). سمات هذا العنصر الهجين يحمل ملاحم الرجولة أكثر من الأنثوية. فنرى بعض الممثلات بالبجاحة الرجالية والشعر المنفوش وألفاظ خشنة، وحركات مقززة ينفر منها المتلقي العربي الذي إلف عبر سنوات الغناجة التي تفوح منها رائحة الأنوثة، وهي تنسال على القلوب كالماء الزلال، وأصبحت الغاية فقط إضحاك الآخرين، حتى لو على حساب الكيان المرأة. علما إن الكثير من عندهن يملكن من الجمالي الشكلي والروحي ما يجعلن في القمة،ولكن أرتاهن لبس ثوب جديد اسمه المغايرة والتمرد على سمات الجمال المألوفة ،ومخالفة النهج التي سار عليه أهل السينما واستمع بها المتلقي العربي لسنوات طويلة. ولو عادنا إلى الوراء قليلا نجد أن هذا السلوك الذي تبرره الكوميديا، لم يمارس من قبل اغلب نجمات السينما العربية فيما مضى ماعدا حالات شاذة ساعدهن الهيئة والشكل في تعزيز مفهوم الكوميديا خارج نطاق مقاييس الجمال ، فاغلب الفنانات السابقات حافظن على الرقة والرومانسية بأرقى سماتها. ولعل النجمة الراحلة الفنانة شادية خير من مثل هذا التوجه الجميل المحافظ على السمات الأنثوية حتى في قمة الكوميديا. كما في أفلام: (الزوجة 13) مع الأنيق السينما العربية رشدي أباظة ، و( زوجتي مدير عام) مع النجم المحبوب صلاح ذو فقار،و(أنت حبيبي) مع الموسيقار فريد الأطرش . وسارت إيقونة الجمال سهير رمزي على ذات النهج في اغلب أفلامها الكوميدية ،ويشمل هذا الأمر النجمة ليلى عليوي أيضا .
إيجاد شكل جديد وهجين يراد له إن يتسيد الكوميديا على حساب مفاهيم الجمال قد تكون لها نتائج سلبية في حال تم السير على ذات النهج ، ويمكن أن يقلب أبجديات الفن السابع رأسا على عقب.
العنصر النسوي أكثر من غير معني في هذا التحول الهجين، لأنه يكن أن يكون سلاحا ذو حدين. قد يسهم في كسب بعض المشاهدين ، ولكنه في الوقت نفسه خلق نهجا غير مألوف في تناول قضايا المرأة ،ومس كياناها الذي خلق الله ، وزع فيه ملامح تفوح منها الرقة والغناجة . ولايمكن للورد سوى أن تفوح منه رائحة العطر.
صناع السينما أكثر من غيرهم العمل للحد من ظاهرة القفز على مقاييس الجمال ،ومحاولة ترك مبدأ الكوميديا تبرر تجاوز كل مفاهيم الجمالية السابقة التي وضعت من خلال سنوات طويلة من الخبرة والتجربة حتى اختمرت على شكل قوانين غير مكتوبة يراد للآخرين السير على نهجها . ورفض هذا التوجه لا يعني التمسك بالماضي كالدستور ولكن نحتاج إلى التجديد بشكل لامس النواميس البشرية التي زرعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان .