مقاهي الثورة ومقرات فرق كرة القدم الشعبية
عبدالكريم ابراهيم
[size=32]مقاهي الثورة ومقرات فرق كرة القدم الشعبية[/size]
تختلف مقاهي مدينة الثورة (الصدر حالياً) عن بقية أخواتها البغداديات، بكونها تتميز بصفة قد لا تكون موجود عند الأخريات، فهي تعد مقرات للفرق الكروية الشعبية . وعادة ما يكون مقهى القطاع هو مقر الفريق الخاص بهذا القطاع كما تشير لافتة تعلق على بوابة المقهى مثلا ( شباب الأمل ،أمجاد الثورة، الانتصار) وغيرها. ولعل اتخاذ المقهى مكاناً ليكون مقراً للفريق وذلك لعدم وجود بديل مناسب فضلاً على هي خير مكان للتجمع اكبر قدر من اللاعبين وجمهورهم المتحمس. ينحسر التواجد عند المساء، لان اغلب أعضاء الفريق من الكسبة والموظفين الذين يكدحون في النهار، وساعات المساء هي الفرصة الوحيد في لتبادل الأحاديث ومشاهدة التلفزيون واحتساء الشاي ولعب (الدومينو) و( الطاولي).
يحتدم النقاش في المقهى بعد انتهاء كل مباراة سواء أكانت النتيجة ايجابية أم سلبية، وتتعالى الأصوات على أنغام رنين (استكانات)الشاي وأحجار(الدومينو)، وقد يتطور النقاش إلى عراك لفظي، وزعل اخوي حيث يحمل بعضهم خسارة الفريق المباراة لعدم تمرير الكرة بصورة جيدة،وعدم مجاراة فريق الخصم في أسلوب لعبه، وغيرها من المبررات التي تطلق عادة عند خسارة أي فريق، ما يدفع صاحب المقهى الذي يكون في الغالب من أنصار الفريق، ليتدخل هذا الرجل لتهدئة الأمور من خلال توزيع الشاي مجاناً على أعضاء الفريق لقطع النزاع، وفي حالة الفوز فان صاحب المقهى يبادر بتوزيع المشروبات الغازية مجاناً على رواد المقهى مكافأة على فوز الفريق.
أعضاء الفريق برغم أعمالهم الشاقة، فأنهم لا يفوتون فرصة حضور جلسات المناقش المسائية، ويعد مدرب الفريق الراعي الرسمي له، وغالباً يكون من لاعبي القطاع القدامى، يحظى باحترام وتقدير جميع أبناء المنطقة. ولا تختصر مهمة هذا الرجل على القضية الإشرافية والتدريب، بل قد تمتد إلى متابعة أحوال أعضاء الفريق، والسعي للحصول على تفرغ للاعبيه لاسيما عندما تكون المباراة مصيرية حيث يحاول قد الإمكان الحصول على إجازة لعضو ما. في حال كان رب العمل غير متفاهم أو من أنصار فريق الخصم فتلك مشكلة يستطع من خلال خبرته الرياضية أقناع الجميع أن الرياضة تنافس شريف، والساحة هي الحكم، وأحياناً يكون المدرب هو الواجهة في خطبة وزواج احد أعضاء الفريق لأنه يعد الأب الروحي للفريق بمعنى الكلمة. ولا تفارق الملابس الرياضية المدرب حيث يعمد إلى ارتدائها ما خلا في المناسبات الرسمية.
أتذكر احد المدربين من عصبي المزاج فقد كان يعمل (خلفة) بناء، ولا يتعامل ألا بلغة رمي (الجمجمة) و(الفاسة ) و( ربع طابوقة) مع المتهاونين في العمل. انتقلت عصيبة العمل إلى التدريب، فكما احتدم النقاش التفت يميناً ويساراً للبحث عما يضرب به اللاعب المسبب للخسارة، لتذكر انه ليس ( خلفة) بناء بل مدرب الفريق؛ عندها يضحك الجميع على هذا الموقف الذي ينم عن حرص شديد للحصول على نتائج مشجعة.
حرب سنوات الثمانية ألقت بظلالها على الفرق الشعبية ،وجعلت اغلب اللاعبين جنوداً موزعين على مناطق شاسعة لا تجمعهم سوى الإجازات أو قراءة لافتة نعي احد أعضاء الفريق، وهي معلقة في بداية القطاع. ورغم قصر الإجازة العسكرية فأنها تكون فرصة لإعادة بعض الأمل، وممارسة لعبة كرة القدم على الأرض الترابية ، ونسيان صوت البنادق ودوي المدافع، واستذكار صور من خطفتهم الحرب وهم في عز شبابهم. كانت الحرب بداية انتهاء العصر الذهبي للمقاهي في كونها مقرات للفرق الشعبية الكروية، لتأتي التقدم العمراني الذي قضى على ساحات كرة القدم ويحولها إلى مجمعات سكنية، ولعل ساحة الفتيان( الشقق السكنية في الحبيبية اليوم) كانت من اكبر الساحات وأكثرها جذباً للاعبي الفرق الشعبية حيث لا يُشاهد سوى كرة قدم على مرأى البصر هي تتراقص بأقدام المئات من الهواة الذين جمعهم حب كرة القدم على تجاوز كل الصعاب.