تزايد حوادث الاعتداء على موظفي الدولة.. ماذا تعني؟ وأين الحل؟
د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
مستشار قانوني وامني
تزايد حوادث الاعتداء على موظفي الدولة.. ماذا تعني؟ وأين الحل؟
تكاثرت في السنوات الاخيرة حوادث الاعتداء على موظفي الدولة المكلفين بالخدمة العامة اثناء ادائهم مهام وظائفهم العمومية، وبعض الحوادث وصلت لحد القتل واخرى اكتفت بالايذاء العمدي بهدف عرقلة مهمة الموظفين العموميين من اداء مهام واجباتهم. وقد شهدنا اعتداءات على اطباء وذوي مهن صحية اثناء اداء واجباتهم في المستشفيات والعيادات. واعتداءات على اعضاء الهيئة التعليمية في مدارسهم وجامعاتهم، وشهدنا اعتداءات على موظفي البلدية والامانة اثناء قيامهم بواجب ازالة المخالفات الانشائية ومخالفات البيئة والتجاوز على الطريق العام. كما شهدنا اعتداءات على موظفين آخرين في اماكن ومهام اخرى كلها تقع تحت طائلة قانون العقوبات ضمن جرائم الاعتداء على المكلف بخدمة عامة سواء كان عسكريا أو مدنيا تصل عقوبتها الى الحبس وفقا للمادة رقم 230 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 والتي تصل عقوبتها الى الحبس.
ويزيد من الوقع السلبي لهذه الحوادث تصويرها فيديويا وانتشار عرضها في وسائل الاعلام المختلفة خلال دقائق بل ساعات قليلة، ومؤخرا تداولت وسائل الاعلام جديد فيديو لاعتداء امرأتين على رجال المرور باسلوب لا يأتلف ومجتمعنا.. ومهما تكن الدواعي والاسباب.. فهذا سلوك لا يمت الى قيمنا واخلاقنا وتربية مجتمعنا بأي صلة.. لقد أثارت واقعة اعتداء امرأتين على ضابط مرور في بغداد ردود أفعال واسعة في العراق وتجاوز صداها السيء خارج العراق نتيجة تداول فيديو الحادث عبر وسائل الاعلام العراقي والعربي ووسائل التواصل الاجتماعي، لما يحمله من خرق واستهانة بالقيم الاصيلة لمجتمعنا العراقي.
ووفقا لكتاب مديرية مرور بغداد الكرخ (إن "الرائد م ج، أثناء قيامه بواجبه المسائي في قاطع الحارثية ببغداد، تم توجيه عجلة مخالفة تحمل اللوحة 42324 بغداد خصوصي نوع (تاهو) سوداء إلى ساحة الحجز المركبات، نتيجة ارتكاب مخالفة الوقوف الممنوع وعرقلة حركة السير والمرور، وأثناء قيام الضابط بتنظيم استمارة حجز للعجلة المذكورة داخل الكرفان، فوجىء الضابط بقيام صاحبة العجلة وامرأة أخرى معها بالتهجم عليه بالسب والشتم بأسوأ العبارات والضرب بالأحذية والنعال وقالت له بالحرف الواحد ((إلاّ أنزعك رتبتك واقعدك يم أختك!!!)) حيث قامت بتمزيق القميص العسكري والرتبة العسكرية للضابط أمام أنظار الناس ..وعند حضور دورية النجدة لأخذ السائقة المخالفة ومن معها إلى مركز الشرطة، حضر شخص يستقل عجلة نوع (لاندروز) بيضاء اللون مضللة ، ادعى صاحبها أنه عضو في مجلس النواب وقام هذا الشخص بإركاب النساء المعتديات بعجلته ومنع دورية النجدة من استصحابهما، وبعد جهد جهيد تم التوجه بالنساء بعجلة النائب وبصحبة ضابط دوريات النجدة إلى معاونيه شرطة الصالحية وتسجيل دعوى أصولية بالحادث علماً تم ارسال المركبة المخالفة الى ساحة الحجز. لتنفيذ العقوبة المرورية.
لقد حدد قانون العقوبات العراقي العقوبات الخاصة بالاعتداء على المكلفين بخدمة عامة بالحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات مع الغرامة وتكون هذه العقوبة مشددة في حال تعرض المعتدي الى اذى او عاهة مستديمة نتيجة ذلك الاعتداء.
لقد وفر القانون متطلبات الحماية للموظف العام بسن عقوبات على المعتدي على المكلف بخدمة عامة، سواء كان عسكريا أو مدنيا ربما تصل عقوبتها الى الحبس وفي بعض الاحيان الى الاعدام اذا ادى الاعتداء الى وفاة المعتدى عليه. وان المحاكم العراقية تتعامل مع الاعتداء على أي موظف سواء كان مدنيا او عسكريا أثناء تأديته خدمة عامة من قبل المدنين بموجب نص المادة 230 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 والتي تصل عقوبتها الى الحبس في احوال الايذاء الجسدي او الاهانة اللفظية او منع الموظف من اداء مهماته الرسمية المنوطة به. او احداث جرح في المعتدى عليه فان العقوبات هنا تكون وفق الجريمة التي نتجت كأن تكون جريمة ضرب مفضي الى الموت او احداث عاهة مستديمة ، وبالإمكان ان تكون العقوبة ضعف تلك المدة في حالة اقترانها بظرف مشدد وفق ما تقتضيه المادة 136 من قانون العقوبات.
كما ان الاعتداء اللفظي او الإشارات المسيئة التي تقلل من شأن الموظف او اهانته بغض النظر عما اذا كان مدنيا او عسكريا فانها تعتبر جريمة ويتم التعامل معها وفق أحكام المادة 229 من قانون العقوبات والتي حددت عقوبتها بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو غرامة مالية
ما هي الاسباب وراء تنامي الظاهرة؟
يمكن ان يعزى سبب تفاقم حوادث الاعتداء على الموظفين المكلفين بخدمة عامة الى:
1) جهل بعض المواطنين بالقانون واحكامه وعقوباته.
2) كما يعزى سبب تزايد الحوادث هذه الى السلوك الاجرامي والمنحرف والاستهتار الذي يَسِمُ تصرفات البعض في ظل استغلال الظروف المحيطة بهم.
3) تدخل جهات أخرى نافذة في عرقلة تطبيق الاجراءات القانونية.
4) فضلا عن تنامي تدخلات اطراف مؤثرة من المسؤولين والحزبيين والمنتمين لقوى التاثير الاجتماعي السلبي، والتدخلات العشائرية التي لاتأتلف وقيم عشائرنا الاصيلة في عدم توفير الحصانة والحماية لمرتكبي الجرائم ومنتهكي القانون ممن يعتدون على الموظفين العموميين اثناء اداء واجباتهم.
5) نتيجة للظرف الراهن الذي يمر به البلد حاليا بسبب سوء الوضع الاقتصادي والبطالة المستشرية.
6) ان شيوع مثل هذه الأفعال ستودي إلى التكرار والتقليد والمحاكاة في حالة عدم الردع وسيقل احترام الموظف وهيبته التي توجب التشديد دائما.
ماهو المطلوب؟
1) اننا بحاجة الى زيادة الوعي القانوني للمواطنين، ووقفة جادة من قبل الاعلام لتثقيف بشأن خطورة تلك الاعتداءات على الموظفين لان ذلك الفعل يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون فضلا عن أن تلك الاعتداءات تمس هيبة الدولة.
2) منع التدخلات العشائرية والحزبية والجهات المؤثرة في مثل هذه الحوادث لاجبار الموظف المعتدى عليه على التنازل.
3) مع العلم ان تنازل الموظف ان حصل فهو تنازل عن حقه الشخصي، لكن حق الدولة او الحق العام لا ينتهي الا بفرض الجزاء الواجب بحق المعتدي لانه لم يسيء لشخص الموظف فقط بل اساء الى هيبة الدولة والقانون وهذه لا يحق لاحد التنازل عنها.